غريب فعلا أمر الحكومات والانظمة العربية العاجزة عن تجاوز ازماتها وانهاء خلافاتها.. وكأن الانسياق في فخ الانهيار قدر محتوم لا قدرة لها على الخروج منه، لا خلاف ان موقع وصورة التكتلات الاقليمية الاقتصادية والسياسية والعسكرية من صورة الدول الاعضاء وهذا ما يتضح في اعقاب القمة الخليجية في دورتها التاسعة والثلاثين المنعقدة قبل يومين بالرياض.. صورة قد تختلف في ظاهرها مع الاتحاد المغاربي ولكنها في باطنها تحمل النتائج ذاتها.. صحيح أن دول الاتحاد المغاربي لا تتربع على نفس الثروات النفطية ونفس جبال الذهب ومخزون الغاز لعدد من دول الخليج ولكنها تبقى بدورها وبرغم ما تتمتع به من خصوصيات في موقعها الاستراتيجي لا بين ضفتي المتوسط فحسب ولكن أيضا كبوابة لافريقيا فضاء مهدورا أمام شباب دول المنطقة الذي تعجز الدول المعنية في الاستثمار في قدراته وامكانياته.. من العناصر المشتركة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي رغم أن المجلس الخليجي قائم الذات فيما يظل الاتحاد المغاربي في عداد الجسد المحتضر منذ عقود. ان ما يجمع بين الدول الاعضاء من خصوصيات مشتركة أكثر مما يفرق بينها.. ومع ذلك فان الاتحاد المغاربي كما مجلس التعاون الخليجي لم يبلغا ما بلغته تكتلات اقليمية اقتصادية وعسكرية وسياسية في اروبا واسيا وامريكا من وحدة الاهداف والتضامن... وها أن مجلس التعاون الخليجي الذي كان يعتبر نموذجا للتكامل بين عدد من الدول العربية الثرية يوشك على الانهيار بدوره بعد ان اخترقته الانقسامات وامتدت الى صفوفه الصراعات وغابت عنه المصالحة وحلت محلها حرب التصريحات التي تكشف كل يوم المزيد عن عقليات قيادات واهواء أصحابها.. وقد فشلت حتى الان كل المبادرات التي قام بها حكماء المنطقة في الكويت ومسقط لراب الصدع وتجنيب الاخوة الاعداء مزيد الشماتة.. بل أسوا من كل ذلك فقد بات الحديث عن التطبيع مع كيان الاحتلال الاسرائيلي والترويج للشريك الاسرائيلي في مواجهة العدو الايراني أكثر قبولا في سياسة دول المنطقة التي بدأت تفرش السجاد الاحمر لرئيس الوزراء الاسرائيلي.. وبرغم ما حمله البيان الختامي للقمة الخليجية من أهداف وتطلعات فانه لم يخف حال المجلس الذي يتجه الى التفكك وربما الانهيار على عكس ما تطلعت اليه شعوب المنطقة عندما تم الاعلان عن تأسيس مجلس التعاون الخليجي أحد أغنى التكتلات الاقليمية في العالم قبل نحو اربعة عقود بهدف التاسيس الى التكامل الاقتصادي والمالي والثقافي والعسكري.. وبرغم توفر كل الاسباب التي من شأنها أن تعززالتكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي الست التي تشترك في وحدة الجذور والعقيدة واللغة والجغرافيا ولكن أيضا وحدة الاهداف والتطلعات في عالم لا مكان فيه للتقوقع والانعزال فان المؤشرات المرتبطة بقمة الرياض لا توحي بتماسك وتضامن وتكامل الدول الاعضاء.. فليس سرا أن قمة الاحد تأتي في ظل انقسامات وأزمات غير مسبوقة بين الاخوة الاعداء بعد أن بلغت الازمة بين دول المجلس والدوحة منذ ماي 2017 نقطة اللاعودة حيث انتهى الامر باعلان الحصار على قطر وعزلها اقتصاديا وسياسيا أمام تضارب لعبة المصالح بين الدول الخليجية التي انقسمت بشأن الربيع العربي وتنافست على استقطاب الدول المعنية والتأثير عليها لاسباب معلومة قد يطول شرحها.. الامر الذي ادى الى تناقض الخيارات بين الدوحة المدعومة من انقرة وطهران وبين الرياض ودبي.. وسيكون لهذه المواقف المختلفة دورها وتأثيرها على الازمات الخانقة التي تمر بها هذه الدول حيث ستكون سوريا ساحة حرب مفتوحة بفعل التنافس بين العواصم الخليجية في المشهد السوري الجديد ومثلها اليمن وليبيا وحتى الدول التي لم يتطور فيها المشهد الى حرب اهلية دموية نالها ما نالها بسبب المحور القطري التركي الايراني والمحور السعودي الاماراتي.. وستندفع الرياض الشقيقة الكبرى الى محاولة الدفاع على هيمنتها في المنطقة ورفض التنطع القطري بزعامة الامير الشاب بن تميم.. ولعل المشهد لا يحتاج الى ترجمة لما بات عليه حال منطقة الشرق الاوسط الغارقة في صراعات ابنائها والتي قد يستوجب اعادة بناء ما تهدم حتى الان قرنا من الزمن دون اعتبار لما قد تحتاجه شعوب المنطقة لبلسمة جروحها وتجاوز محنها النفسية وتداعيات حياة التشرد والضياع وتداعيات الحروب المتواترة.. غياب امير قطر الشيخ تميم عن قمة الرياض والذي سبقه اعلان انسحاب الدوحة من منظمة اوبيك السنة القادمة لم يكن العنوان الوحيد لهذا الموعد الخليجي الذي هيمن عليه ايضا جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي التي وكلما بدا أنها بدأت تتراجع عن الاهتمام الا وعادت لتفرض نفسها مع تسريب معلومات جديدة عن الجريمة تضع ولي العهد في الواجهة.. كل ذلك الى جانب المشهد في اليمن والتقارير اليومية عن حجم المعاناة الانسانية والمجاعة التي تعصف بهذا البلد تجعل من الواضح أن قمة الرياض لم تكن قمة المصالحة الخليجية الخليجية ولا حتى قمة المجاملات.. بل هي موعد متجدد مع الفشل, فشل في اتخاذ مواقف وقرارات جريئة لانقاذ المنطقة من مزيد الماسي والانتباه الى خطورة المشهد وتداعياته على دول المنطقة التي تصر على عدم الانتباه للالغام التي لا يمكن أن تستثني أحدا بما في ذلك دول التحالف.. سيكون الحديث عن واقع الحريات وحقوق الانسان في الذكرى السبعين لليوم العالمي لحقوق الانسان ترفا غير مقدور عليه في عالم لا تزال قيادته لا تؤمن بانسانية الانسان والحق في الحرية والاختلاف وتقرير المصير.. مؤسف فعلا أن تتجه دول مجلس التعاون الى مزيد التناطح و التناحر كما هو الحال بين دول الاتحاد المغاربي التي لاتزال تقف عاجزة عن عقد قمة تجمع بين اعضائها.. غريب فعلا أمر الحكومات والانظمة العربية العاجزة عن تجاوز ازماتها وانهاء خلافاتها.. وكأن الانسياق في فخ الانهيار قدر محتوم لا قدرة لها على الخروج منه, أو لعل وهذا الارجح أن صورة وموقع هذه التكتلات من صورة الدول الاعضاء والتي بدورها تؤثث لصورة الجامعة العربية المنهكة في غيابها المستمر عن الوعي في عالم لا يتوقف برغم كل خلافاته ومشاغله عن التحرك والتكتل اقتصاديا وعسكريا وثقافيا في وجه كل التحديات والرهانات...