في إطار الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية نظمت الجمعية التونسية للتربية والثقافة بالشراكة مع معهد تونس للترجمة ندوة بعنوان «صراع الألسن.. صراع الحضارات» وذلك صباح أمس الثلاثاء 18 ديسمبر 2018 بمقر معهد تونس للترجمة بمدينة الثقافة وفي حضور عدد كبير من التلاميذ والطلبة والمترجمين وأهل التربية والبيداغوجيا ورجال القانون والإعلاميين. هذه الندوة كانت فرصة لطرح أسئلة مثل صراع الحضارات حقيقة تاريخية ام مشروع سياسي؟ وهل توجد مظاهر واقعية راهنة تثبت وجود تنافس ما بين الألسن: من حيث الصراع والحوار ؟ وهل يوجد تنافس اقتصادي دون بوادر لنزاع عسكري او ثقافي؟ وهل يمكن للتنافس الاقتصادي ان يكون بدون تنافس ثقافي و لغوي؟ وهل يمكن للتنافس الثقافي ان يكون تنافسا دون السن؟ وهل تدخل اللغة في الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية والثقافية؟ وهل التنافس على الحصول على المعلومة مسالة تكنولوجية فقط ام تكنولوجية لغوية؟ قدم الأستاذ رضا كشتبان مدخل الندوة وهو رئيس الجمعية التونسية للتربية والثقافة فقال ان الجمعية تحتفل بهذه المناسبة منذ خمس سنوات وأنها تحتفي باللغة العربية على طريقتها منذ كان نشاط الجمعية شبه محظور حيث كانت تغرّد خارج السرب عندما كانت اللغة العربية جملة ترد في الدستور ويعبث بها الإعلام مثلما يعبث سيزيف بصخرته وقال: «الجمعية التونسية للتربية والثقافة أبت إلا ان توقد شمعة بدل ان تلغي الليل البهيم وان تختار لهذا الاحتفال مداخلات متنوعة تشترك في تناولها لموضوع مقدرة اللغة العربية على صراع الألسن وصراع الحضارات». الألسنة العالمية المهيمنة هي الوارثة لإمبراطوريات كبيرة عرفت الإنسانية في مختلف مراحلها التاريخية نزاعات حضارية شتى، تراوحت شدة وعنفا حسب العصور والأطراف المتنازعة. ولم نعرف طوال الألفيات الأخيرة اي نزاع وأي تنافس دون لسان غالب أو سائد ودون لسان مغلوب أو منهوك. وليست العصور الحديثة بخارجة عن هذا القانون. فالألسنة العالمية السائدة اليوم هي الألسنة الوارثة لإمبراطوريات كبيرة او حضارات قوية او المتمتعة بالقوة الاقتصادية والعسكرية او الثقافية. فلا غرو ان تكون الألسنة السائدة كما وكيفا هي الانقليزية والصينية والاسبانية والفرنسية والروسية والعربية. لكن هذه الألسن الكبرى لا تتمتع بنفس الحظوظ الاقتصادية والثقافية والسياسية . وأضاف رضا كشتبان ان ما نلاحظه في بلادنا هو اننا في خضم مشاكلنا السياسية والاقتصادية نبحث عن حلول سريعة وناجعة، دون وعي كاف في الكثير من الأحيان بان هذه الحلول تمليها أطراف غير غريبة عن أزماتنا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وأنها حلول اذا استسلمنا لها فإنها لا تؤدي بنا إلا الى التبعية الكاملة . ولعل اخطر ما نواجهه في هذا الشأن ان وعي المثقفين والطبقة السياسية الاقتصادية بأهمية اللغة الوطنية يكاد يكون منعدما ان لم يتصف في الكثير من الأحيان بالمعاداة. ورأى رضا كشتبان في ورقته ان ذلك يرجع أساسا الى ضعف ثقافتهم التاريخية وغلبة المعتقدات السلفية والتحديثية عليها . وقال: «.. فكما ينطوي السلفيون على مفهوم فاسد للهوية، يتبنى الكثير من الحداثيين الاستراتيجيات اللغوية والثقافية التي يسطرها الاستعمار الجديد القائم على مفهوم العولمة والتكنولوجيا ومجتمع المعلومات، دون وعي كامل بان الغلبة الاقتصادية تؤدي حتما إلى غلبة لغوية وان العكس صحيح أيضا». صراع الألسن صراع قديم حديث استضافت الجمعية التونسية للتربية والثقافة للتباحث حول موضوع «صراع الألسن .. صراع الحضارات « كل من الاساتذة توفيق علوي وأحلام قيقة عاشوري ومختار كريم وآمل حشانة وفرحات المليح ومحمد صلاح الدين الشريف وفاطمة بن عبد الله الكري ومجدي بن الصوف والقاضي احمد صواب.. وأثار الدكتور توفيق علوي في مداخلته عديد الإشكاليات التي تعاني منها اللغة العربية مثل عدم وجود وسائل للدفاع عنها لتتمكن من مواجهة صراع الألسن وقال ان اللغة العربية من اللغات الأساسية التي عمّرت هذا الكون وان صراع الألسن صراع قديم حديث يتجاوز البعد الحضاري لان البعد الحضاري له خصائصه والبعد الالسني له خصائصه المختلفة علما بان اللسان شيء واللغة شيء آخر واللسان له بعد محلي واللغة لها بعد كوني. ووضح العلوي ان الصراع اللساني لا فوائد مادية له وانما هو الخطاب المؤثر في حياتنا اليومية وفي الأحداث العالمية وأضاف ان اللغة الانقليزية مثلا هي الأكثر انتشارا في العالم بنسبة 25 بالمائة تليها اللغة الصينية بحوالي 18 بالمائة ثم الهندية بحوالي 11 بالمائة ثم اللغة العربية بحوالي 6 بالمائة وكذلك اللغتين الاسبانية والروسية بحوالي 4 بالمائة وإذا كانت النسبة هذه مرتبطة بعدد السكان فان القوة اللسانية ليست مرتبطة بكثرة العدد لأنه لو كان ذلك صحيحا لكانت اللغة الصينية في المرتبة الأولى وأول اللغات. ولاحظ المتدخل انه كلما ارتفع عدد الكلمات في اي لغة تدنت مرتبها حيث يصل عدد الكلمات في اللغة العربية الى اكثر من 12 الف كلمة ( 12,302,912 ) في حين ان عدد الكلمات في اللغة الانقليزية حوالي 600 الف كلمة اما كلمات اللغة الفرنسية فهي 150 الف كلمة في حين ان كلمات اللغة الروسية هي 130 الف كلمة. لا معاجم عربية مؤثرة ولا معاجم لغوية متطورة وفي خصوص الإشكالات التي تعاني منها اللغة العربية اكد توفيق العلوي على انها اليوم دون سلاح ولا استراتيجيا لنشرها ولا وجود لمعاجم لغوية مؤثرة وليس لها معاجم متطورة لذا هي تصارع بقية اللغات وحدها كما ان البحث الجامعي في هذا المجال يعتبر متأخرا ومراكز الترجمة تحتاج الى مزيد من التطوير وأضاف العلوي انه من الضروري اليوم مراجعة الموقف من اللهجات وقال : « لا أدعو الى استعمال الدارجة وانما أرى ضرورة استيعاب بعض الكلمات الجديدة التي تقحم في العربية من اللغات الأخرى ولا بد ايضا من مراجعة مواقفنا من المعاجم ومن ان نعترف بان اللغة تتطور ولا بد من ان نراعيها لتؤسس كيانها وتقدر على صراع الألسن». ورأت أحلام قيقة عاشوري في مداخلتها بان اللغة العربية باقية وتتطور على خلاف عديد اللغات الأخرى التي تندثر وقالت ان العربية مع مطلع النصف الثاني من القرن 21 ستصبح في المرتبة الثانية وأكدت على ان العربية تعاني من عديد الإشكاليات وأننا كعرب نقصر في حقها . المسافة بعيدة بين المواطن التونسي واللغة العربية اما القاضي احمد صواب الذي اختار ان يتحدث عن البلاغة في اللغة القانونية فقد اشار الى انه منذ كان صغيرا كان يشعر بغربة عن اللغة العربية خاصة وانه يقطن في حي شعبي وتأكدت هذه الغربة عندما درس في الثانوي إشعار فطاحل الشعراء العرب باللغة العربية الفصحى وكتابات فولتير وروسو وغيرهم في مادة اللغة الفرنسية.. كتابات كانت تعكس خصوصيات العيش في حي شعبي مسحوق اما في الجامعة فقد تأكدت هذه الغرب وهذا الانفصام العميق بين ما ندرسه وما نعيشه من حيث اللغة التي نستعملها واتفق مع توفيق علوي على ان اللغة كائن حي يتطور. اما في طور العمل كقاضي وكدارس للقانون فقد تأكد من ان القانون الإداري المعاصر تأثر باللغة الفرنسية وقال : «كثيرا ما كنا لا نجد مرادفات لكلمات ومصطلحات لنستعملها كما اننا لم نكن نفهم بعض المصطلحات لذا عملنا على ان ندفع نحو تعريب المصطلحات التقنية علما بان اللغة القانونية اذا كانت واضحة وبسيطة فإنها تقرب الناس من القانون وتسهل إرساء ثقافة قانونية تنمي فكرة دولة القانون والمؤسسات».