على عكس الصور والتصريحات المتجانسة، دخل "حزب العمال" اشغال مؤتمره الخامس وسط انقسامات واضحة، انقسامات كشفتها الوثيقة المسربة والمتمثلة في عريضة حاملة لنحو 130 امضاء عبر فيها "الرفاق" عن قلقهم إزاء الوضع الداخلي للحزب واستفحال ظاهرة الانسحابات والاستقالات منه بالاضافة الى الغياب الجدي للنقاشات من اجل النهوض بالحزب. وعبرت المجموعة المقاطعة لإشغال المؤتمر عن خيبة أملها في الوصول الى حل ينهي الزوايا الحادة داخل حزب العمال خاصة مع "استفحال ظاهرة البيروقراطية" وأساسا فشل حزب العمال في "الانغراس في الطبقة العاملة وفي صفوف الشعب وكذلك فشله في الحفاظ على وحدة الجبهة وتطوير أدائها". ويعود تاريخ الوثيقة المسربة أمس الى يوم 3 ديسمبر الجاري وقد حرص "الرفاق" على ان تبقى ورقة داخلية تهم الحزب دون سواه. وفي هذا السياق عبر القيادي بالحزب حبيب التليلي عضو اللجنة المركزية وأحد الممضين على عريضة المقاطعة عن استغرابه من تسرب هذه الورقة الى الاعلام سيما وأنها لا تعنيه في شيء على اعتبار ان الخلاف داخلي وان الحل يكمن في طرح النقاط بين الرفاق وبعيدا عن أي ضغط كان". وعن أصل وطبيعة الخلاف والأسباب الحقيقية للمقاطعة، اعتذر التليلي عن التصريح مؤكدا ان "الأمر شأن داخلي". وجاء نص العريضة كالتالي "لقد سبق أن طالبنا في عديد المناسبات بفتح نقاش جدي من أجل النهوض بأوضاع الحزب المترديّة وبتعميم هذا النقاش ليشمل جميع المناضلات والمناضلين دون إقصاء. كما سعينا دوما إلى التنبيه بخطورة الأوضاع داخل الحزب بسبب استفحال مظاهر البيروقراطية وكثرة الانسحابات والاستقالات والعزوف عن النشاط الحزبي وتراجع أداء الحزب على جميع المستويات وخاصة فشله في الانغراس في الطبقة العاملة وفي صفوف الشعب وكذلك فشله في الحفاظ على وحدة الجبهة وتطوير أدائها. لكن القيادة البيروقراطية رفضت ذلك رفضا قاطعا وتمادت في النهج البيروقراطي واشترطت حصر النقاش داخل ما تبقى من الأطر الرسمية للحزب التي أصاب أغلبها التفكك والشلل ولم تعد قادرة على استيعاب النقاش الواسع والمفتوح. كما رفضت القيادة توفير الشروط والأطر الملائمة لخوض نقاش ديمقراطي داخل الحزب . من ذلك رفضها تعميم عديد النصوص والتقارير التي تصلها من مناضلي الحزب بتعلة أن هذه النصوص والتقارير تتعارض مع خط الحزب أو أنها غير مهمة ولا تستحق التعميم. ومن ذلك أيضا مماطلتها في إصدار نشرية داخلية فعلية واكتفت بكراريس مسبقة الإعداد، حرصت على عدم تعميمها على جميع أعضاء الحزب. وأمام انخرام الوضع التنظيمي وعجز القيادة عن تنظيم عديد المناضلين، اضطررنا إلى تنظيم اجتماعات بالرفاق المعارضين للنهج البيروقراطي لتناول وضعية الحزب وتحسيس باقي الرفاق بخطورة الأوضاع. وعوض أن تتفاعل القيادة ايجابيا مع هذه المبادرة، اعتبرتها ممارسة تكتلية تهدد وحدة الحزب. كما تجاهلت كل العرائض والنصوص والبيانات والمبادرات التي وجهناها إليها. وعوض فتح نقاش معمّق في جوهر قضايا الحزب، اشترطت أن يكون الحوار بصفة فردية مع بعض الرفاق فقط وبشرط إيقاف الاجتماعات خارج هياكلها الرسمية. وأخيرا سارعت باتخاذ إجراءات طرد وتجميد شملت عددا من الرفاق. إن هذه الإجراءات ظالمة وغير قانونية، استندت إلى رغبة الكتلة البيروقراطية في التخلص من هؤلاء الرفاق وعدم تشريكهم في التحضير للمؤتمر أو في مناقشة الوثائق التي ستعرض على نواب المؤتمر سعيا منها لإجهاض النهوض القاعدي ضد النهج التصفوي. وأمام تعنت البيروقراطية التصفوية واتباعها سياسة الإقصاء والاتجاه نحو مؤتمر يضرب وحدة الحزب ويهدده بالانقسام، ندعو مناضلات ومناضلي الحزب إلى مقاطعة أشغال هذا المؤتمر واعتباره لا يمثل عموم مناضلي الحزب، بل هو مؤتمر صوري على قياس البيروقراطية التصفوية". ولَم تكن حيرة "الرفاق" نابعة من القواعد فحسب بل ومن قيادات الصف الاول على غرار عبد المؤمن بلعانس الذي يشغل خطة نائب الامين العام، والحبيب التليلي، ولطيفة الكوكي وعبد الجبار المدورة الذي يترأس جريدة "صوت الشعب" الناطقة باسم حزب العمال بالاضافة الى زهير الزويدي وضمير بن علية وغيرهم. ويذكر ان اشغال المؤتمر الخامس تواصل اشغالها الى حدود يوم الغد الاحد على ان تخلص الى ورقات عمل ولوائح تهم الحزب والجبهة الشعبية. كما يسشار إلى ان الامين العام للحزب حمة الهمامي وخلال افتتاحه لإشغال الموتمر اعتبر "إن منظومة الحكم في تونس بكل مكوناتها أوصلت البلاد اليوم إلى درجة من التأزم والتعفن طالت كل القطاعات، وبينت أنها تخدم مصالح لوبيات فساد وسماسرة ومؤسسات مالية دولية لا يمكن مجابهتها إلا بالنزول إلى الشارع والاحتجاج بالاساليب السلمية التي يضمنها الدستور، وحشد الجهود لمعاقبتها سياسيا في الإنتخابات المقبلة". وأكد الهمامي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء على هامش انطلاق أعمال المؤتمر الوطني الخامس لحزب العمال (من 19 إلى 23 ديسمبر بمدينة الحمامات)، تحت شعار "إلى الثورة"، أن منظومة الحكم مسؤولة عن "الأوضاع الخطيرة" التي آلت اليها تونس، وهو ما دفع بحزب العمال والجبهة الشعبية الى العمل على تكتيل القوى الوطنية والتعبئة النضالية والضغط في الشارع من أجل "كنس هذه المنظومة" على حد قوله. لكن يبقى السؤال الذي ينتظر إجابة: كيف للرفيق ان يحتل الشوارع والساحات وكنس من أضروا بالبلاد وهو غير قادر على ترتيب البيت الداخلي للحزب وللجبهة الشعبية؟ وهل يقود غضب الرفاق الى تغيير حقيقي داخل حزب العمال ام سيواصل الرفيق حمة الهمامي رئاسة الحزب مدى الحياة؟ خليل الحناشي