2019 سنة انتقالية والتكريس الفعلي لمبادئ التدبير الحر، الاستقلالية الإدارية والمالية، وإلغاء الرقابة القبلية بداية من 2020 من جملة 13 مشروع أمر حكومي لم يصدر لحد الآن سوى ثلاثة أوامر حكومية تطبيقية لمجلة الجماعات المحلية توجه نحو الرفع من نسبة التأطير وتطهير الديون المثقلة لعدة بلديات تونس- الصباح مثلما كان متوقعا، وجدت معظم المجالس البلدية المنتخبة في 6 ماي 2018 نفسها أمام تحديات كبيرة وصعوبات عديدة لتنفيذ مهامها، وتحسين أدائها. فجل البلديات ورثت تراكمات وصعوبات ناجمة عن شح الموارد وعجز الميزانية والديون المثقلة وسوء التصرف في الموارد المالية العمومية. فمعظم المجالس البلدية المنتخبة هي الآن بصدد تحسس طريقها لتكون في مستوى انتظارات الناخبين والرهان على تنفيذ وعودها الانتخابية وفي نفس الوقت التلاؤم مع متطلبات العمل البلدي وفق الرؤية الجديدة لدستور جانفي 2014 الذي يراهن على مبدا اللامكزية المحلية، ويحتاج الأمر إلى بعض الوقت حتى تتهيأ الظروف القانونية والترتيبية والمادية والبشرية الملائمة.. فالأمر أشبه بعملية فطام صعبة بين أم (سلطة مركزية) ورضيعها (البلدية او الجماعة المحلية) الذي يروم التعويل على نفسه والاستقلال بذاته وتحقيق اكتفائه الذاتي لكن بتدرج حذر ومرافقة مؤطرة ومطلوبة.. وهذا الأمر بصدد الحدوث حاليا. فالرضيع في مرحلة الفطام يبدأ بتنويع مصادر تغذيته بدلاً من الاعتماد الكلي على الرضاعة الطبيعية، والتي يتم قطعها تدريجياً. ورغم صدورها بالرائد الرسمي في منتصف سنة 2018، وتحديدا في 9 من شهر ماي أي في نفس الوقت تقريبا من تنظيم الانتخابات البلدية، ما تزال تطبيق أحكام مجلة الجماعات المحلية يتسم بنوع من البطء والتدرج خاصة أن تنفيذ عديد الأحكام المتصلة باستقلالية البلديات والتصرف المالي والإداري وإقرار مبدأ "التدبير الحر" مرتبطة بصدور عدد من الأوامر الحكومية التطبيقية تتجاوز عددها العشرة لم يصدر منها لحد الآن سوى ثلاثة أوامر.. وبالعودة إلى الشأن البلدي لا بد من الإشارة إلى أن نسبة من البلديات تعودت على اقرار ممارسات ديمقراطية في تعاملها مع مكونات المجتمع المدني وفي علاقة مع الهياكل العمومية المركزية او وزارات الإشراف والمتابعة.. من ذلك تنظيم اجتماعات المجالس البلدية وفق صيغة التشاركية الديمقراطية التي تقتضي حضورا فاعلا للمواطنين والمجتمع المدني ومشاركة تفاعلية في التحضير للمخططات الاستثمارية البلدية وفي اعداد مشاريع الميزانيات وفق حاجيات المنطقة البلدية والأولويات المبرمجة حسب الموارد البلدية المتاحة والممكنة.. ومن أبرز الإجراءات الإدارية التي ستكرس فعليا مبدأ الاستقلالية للبلديات عن رقابة الإدارة المركزية هو تحريرها من مبدإ الرقابة المسبقة للمصاريف العمومية واعتماد مبدأ المراقبة البعدية. وإن كانت مجلة الجماعات المحلية تنص وفقا للفصل 164 على عدم خضوع التعهد بالصرف لتأشيرة مصالح مراقبة المصاريف العمومية أو أي تراخيص أخرى يتم بداية من 1جانفي 2019، وهو الإجراء الذي سينهي حالة التبعية المالية للجماعات المحلية لرئاسة الحكومة، ويؤسس لعلاقة جديدة بين آمر الصرف في المحلي وبين مراقبة المصاريف في الإدارة المركزية.. فضلا عن ما يتيحه من مجالات لتسريع في نسق انجاز المشاريع البلدية المبرمجة.. إلا أن وزارة الإشراف ارتأت تأجيل تطبيقه إلى بداية 2020 لعدة اعتبارات موضوعية أهمها تنقيح مجلة المحاسبة العمومية حتى تكون متلائمة مع متقضيات احكام مجلة الجماعات المحلية الجديدة، ومصادقة الوزارة الإشراف على جل ميزانيات البلديات لسنة 2019. فضلا عن وجود نقص كبير لدى معظم البلديات للإطارات البشرية المختصة على غرار مختصين في المحاسبة العمومية.. إلغاء المراقبة القبلية.. سيف ذو حدين ويرى بعض المتابعين والمختصين في الشأن المحلي، أن إلغاء مبدإ المراقبة القبلية على تصرف البلديات في مواردها المالية قد يمثل سيفا مسلطا على رقاب رؤساء البلديات والكتاب العامين نظرا لخطورته وتعقيداته كآلية تصرف مالي، قد تسهم -في صورة عدم التمكن منها- من حصول تجاوزات أو تراكم ديون او عدم القدرة على الايفاء بالتعهدات بسبب تجاوز الميزانية المخصصة، خاصة في ظل النقص الفادح في الموارد البشرية المختصة الذي تعاني منه نسبة كبيرة من البلديات على غرار تلك الواقعة في المناطق الداخلية.. إلا أن آخرين يرون عكس ذلك ويبدون تفاؤلا حذرا في قدرة المجالس البلدية على حسن التصرف في آلية الرقابة البعدية، لكن بعد أخذ الاحتياطات اللازمة والتدرب على ممارسة الإجرءات الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ تباعا خلال الأشهر القليلة القادمة. ويشدد حاتم المليكي الخبير في الحكومة والتنمية المحلية في هذا الصدد بأهمية مرافقة سلطة الإشراف حاليا للبلديات على الاستئناس تدريجيا بمختلف الأحكام الترتيبية التي هي الآن بصدد الصدور والتنفيذ. وقال بأن ممارسة البلديات لحقها القانوني في التصرف في مواردها المالية دون الحاجة إلى تأشير مراقب المصاريف العمومية يتطلب المصادقة قبل ذلك على مشروع تنقيح مجلة المحاسبة العمومية حتى تتلاءم أحكامها مع احكام مجلة الجماعات المحلية. مفيدا بأن وزارتي الشوؤن المحلية والمالية بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مشروع القانون ليكون جاهزا خلال الفترة القليلة المقبلة ويحال على مجلس الوزراء للمصادقة.. وقال المليكي إن الفترة الحالية التي تتميز بالصدور التدريجي للأوامر الحكومية المتعلقة بمجلة الجماعات المحلية واعداد مشاريع القوانين المرتبطة بها، تعتبر بمثابة مرحلة انتقالية مهمة وفرصة للمجالس البلدية المنتخبة حتى تستعد جيدا للمرحلة المقبلة، وتتدارك أمرها عبر تطهير ديونها المثقلة والتدرب على مقتضيات المرحلة الجديدة تصرفا وتنفيذا وتقييما. علما انه سيتم قريبا فتح مناظرة لانتداب اكثر من 1031 من الإطارات البشرية المختصة خاصة في المحاسبة والإعلامية والهندسة.. لتوفير حاجيات البلديات التي تعاني نقصا في نسبة التأطير والتي يقدر عددها بحوالي 190 بلدية. يذكر ان مجلة الجماعات المحلية تضمنت قيودا على تنفيذ ميزانيات الجماعات المحلية من ذلك أن الفقرة الثانية من الفصل 163 يمنع إبرام الجماعات المحلية لصفقات إلا عند توفّر الاعتمادات بميزانياتها. كما يمنح نفس الفصل صلاحيات لأمين المال الجهوي أو الوالي للاعتراض على أية صفقة لدى هيئة محكمة المحاسبات المختصة ترابيا لغياب أو لعدم توفر الاعتمادات الكافية. كما منح الفصل 165 من ذات المجلة متساكني المنطقة البلدية ولمكوّنات المجتمع المدني المسجّلين لدى الكتابة العامة وكلّ من له مصلحة، تقديم طلب استيضاح كتابي لرئيس الجماعة المحلية حول موارد ونفقات معينة. ويمكنهم نفس الفصل في صورة عدم تلقيهم أجوبة في أجل أقصاه شهر من تاريخ إيداع مطلبهم التوجه للمحكمة الإدارية المختصة ترابيا. على ان تأذن المحكمة عند الاقتضاء بالحصول على الوثائق المطلوبة.