تونس ورّدت 11 بالمائة من حاجياتها الوطنية من الكهرباء من الجزائر مع تخطي الإنتاج عتبة 7 آلأاف جيغاوط /ساعة    تراجع إنتاج النفط الخام وسوائل الغاز في تونس بنسبة 9 بالمائة مع موفى ماي 2025    تونس: ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 7 بالمائة مع موفى ماي 2025 مقابل تراجع في استهلاك المواد البترولية    بعد 20 سنة من الغيبوبة.. وفاة "الأمير النائم" السعودي    البطولة الافريقية لالعاب القوى للشبان - ادم بن عافية يحرز برونزية الوثب الثلاثي للفئة العمرية تحت 18 عاما    قابس : تخرج 109 مهندسا جديدا من المدرسة الوطنية للمهندسين بقابس    حرارة خانقة البارحة : جندوبة وباجة تسجلان أرقامًا قياسية    معالجة الإرهاق المزمن مرتبط بتزويد الجسم بحاجياته اللازمة من المغذيات الدقيقة    السيطرة على خمسة حرائق في ولاية القصرين في يوم واحد    احذر اكتئاب الصيف: حرارة الشمس قد تخفي وراءها اضرار كبيرة    طبرقة: اختتام الدورة التدريبية المشتركة التونسية الجزائرية في الغوص    سهرة لاتينية على إيقاعات السالسا مع يوري بوينافينتورا في مهرجان الحمامات الدولي    تونس : انخفاض نسبة استقلالية الطاقة    فيتنام.. ارتفاع حصيلة ضحايا غرق القارب السياحي    مقتل 34 شخصا إثر انقلاب سفينة سياحية في فيتنام    حملة أمنية في سوسة لمراقبة الشريط الساحلي: تحرير 12 محضرا وحجز معدات مستغلة دون ترخيص    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات - جنوب إفريقيا تتأهل الى نصف النهائي بفوزها على السنغال بركلات الترجيح (4-1)    ألمانيا.. مقتل رجل بعد إطلاقه النار على الشرطة والمارة    منال بوعلي: من باجة إلى قناة الجزيرة... مسيرة إصرار ونجاح    صفاقس : الدورة الثلاثون لمهرجان عروس البحر بجزيرة قرقنة من 25 جويلية إلى 7 أوت القادم    مأساة بسبب سلسلة معدنية.. وفاة رجل أمريكي جذبه جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي    أعنف غارة منذ بداية الحرب.. إسرائيل تنسف آخر منزل ببيت حانون    أفضل مشروب لترطيب الجسم في الطقس الحار...تعرف عليه    افتتاح الدورة 59 لمهرجان قرطاج: محمد القرفي يُحيي الذاكرة الموسيقية التونسية والحضور الجماهيري دون المأمول    الداخلية السورية: تم إخلاء السويداء بالكامل من مقاتلي العشائر ووقف الاشتباكات في المدينة    السدود التونسية تبلغ نسبة امتلاء قدرها 35,6% في منتصف جويلية: تحسن ملحوظ مقارنة بالعام الماضي    استراحة شعرية .. قصيدة «أنت لست سوى أنا»    تاريخ الخيانات السياسية (20) .. المقنّع الخراساني ، وادّعاء الألوهية    تونس – تراجع إنتاج النفط وزيادة الاعتماد على الغاز: حدود النموذج الطاقي الحالي    طقس الأحد: الحرارة تصل الى 46 درجة    العودة الجامعية 2025-2026: وزارة التعليم العالي تكشف عن الرزنامة الرسمية    صفاقس: تزويد المركز الصحي الأساسي الوسيط بتجهيزات طبية متطورة    سيدي بوزيد: الاتحاد الجهوي للشغل يطالب بتحسين وضع قطاع النقل بالجهة    هل سمعت ب''أم الشوالق''؟ شجرة زيتون في الكاف تحمل أسرار التونسيين    برمجة فعاليات الدورة الثانية للمهرجان الوطني الحاج منصر للفروسية والتراث    انتداب أصحاب الشهائد المعطّلين: مقترح جاهز لكن التصويت مازال    وزير الشؤون الدينية يشرف على اجتماع تقييمي لموسم الحج ويؤكد مواصلة تطوير الخدمات لفائدة الحجيج    كميّات الحبوب المجمّعة تتجاوز 11 مليون قنطار حتّى 17 جويلية 2025    غلق جزء من الطريق الجهوية 36    أريانة .. إجراءات للتوقّي من مرض الجلد العقدي لدى الأبقار    الكاف : حجز كمية من المخدرات مخفية في ابواب سيارة    الجيش الملكي المغربي يتعاقد مع اللاعب التونسي أشرف الحباسي    مستقبل المرسى: تأجيل الجلسة العامة الانتخابية الى هذا الموعد    عاجل/ زبير بية يترشح لرئاسة النجم الساحلي..    مسرحية "لاموضى" تحصد ثلاث جوائز ضمن مهرجان "ليالي المسرح الحرّ" بالأردن    بعد فضيحة ظهوره وهو يحتضن احدى الموظفات خلال حفل: شركة "Astronomer" تتخذ هذا الاجراء ضد رئيسها التنفيذي..#خبر_عاجل    دليل التوجيه الجامعي يُتاح النهار هذا.. حضّر روحك    من الأكشن إلى الكوميديا: أحدث الأفلام الجديدة على "نتفليكس"..    عاجل/ الافريقي يصدر بلاغ هام..وهذه التفاصيل..    كيف تبني علاقة صحية مع طفلك؟ إليك 6 نصائح بسيطة وفعّالة    اليوم: الحرارة تصل إلى 44 درجة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات - منتخب المغرب يبلغ المربع الذهبي بفوزه على نظيره المالي 3-1    الرابطة الأولى: اليوم سحب رزنامة الموسم الجديد    في يوم شديد الحرارة...الحماية المدنية تُحذّر    قيس سعيّد: دُور الشباب تحوّلت إلى أوكار... والرياضة تحتاج تطهيرًا عاجلًا    الشيخ العلامة يونس بن عبد الرحيم التليلي (فريانة) .. موسوعة علوم ومعارف عصره    تاريخ الخيانات السياسية (19) الرّاوندية يتخذون المنصور إلاها    أستاذ تونسي يُفسّر ''ناقصات عقل ودين''    









الحصاد الدولي.. يحيى يخلف ل«الصباح»: على أبواب عام جديد وكل عام يواصل الشعب الفلسطيني صموده.. في وضع دولي يقوده التغوّل الأمريكي
نشر في الصباح يوم 30 - 12 - 2018

يعد الدكتور يحيى يخلف من أبرز الأسماء المناضلة التي انضمت مبكرا للمقاومة الفلسطينية وهو من الرموز الفلسطينية التي جمعت بين المقاومة بالسلاح وبين المقاومة بالفكر والقلم. يحي يخلف الكاتب والصحفي وزير الثقافة الفلسطيني والأمين العام لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وعضو جمعية القصة والرواية. يبقى أحد أبرز رموز الثقافة الفلسطينية والعربية في الوقت الراهن. خاض دروب المقاومة المسلحة في ريعان الشباب، والمقاومة السياسية منذ الانتفاضة الأولى وبين هذا وذاك ظل متمسكا بسلاح القلم والكتابة للحفاظ على الذاكرة . في هذا الحوار الذي نطوي معه سنة 2018 يستشرف معنا الدكتور يحي يخلف العناوين والمحطات الكبرى للقضية الفلسطينية حيث يمتزج السياسي والثقافي والأدبي والتاريخي ويستطلع معنا رؤيته للتحولات الراهنة في المشهد العربي والفلسطيني وتحديات المرحلة مع تراجع الاهتمام عربيا ودوليا بالقضية الفلسطينية وفيما يلي نص الحديث.
*ونحن نودع عاما ونستعد لاستقبال آخر كيف تقرأ التداخل الحاصل في المشهد الفلسطيني وتحديات المرحلة الآنية والمستقبلية إزاء محاولات تصفية القضية؟
- على أبواب عام جديد وكل عام يواصل الشعب الفلسطيني صموده، وسط تحديات مصيرية، في وضع دولي معقد سماته التغوّل الأميركي الذي ألحق أفدح الأضرار بالقانون الدولي، ووضع إقليمي غير مستقر ينشغل بحروب وصراعات، وتراجع العامل العربي في دعمه للقضية الفلسطينية، وعجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها في تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بزوال الاحتلال، ونيل حقوقه في العودة وتجسيد قيام الدولة الفلسطينية .
ومن التحديات التي نواجهها الآن، محاولة الولايات المتحدة الراهنة في عهد الرئيس ترامب تصفية القضية، من خلال قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ومحاولة إنهاء منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مما يعني تصفية وإنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجريهم إلى المنافي والشتات .
ومن التحديات المصيرية أيضا ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو من قوانين عنصرية تضيق الخناق على الشعب الفلسطيني، وتصعّيد العنف والاجتياح والقتل ومصادرة الأراضي، وبناء المزيد من المستوطنات، والقيام بممارسات احتلالية لمنع قيام حل الدولتين.
لكن على الرغم من ذلك فهناك حراك فلسطيني وشعبي يستجيب لمواجهة التحديات من خلال تحرك القيادة الفلسطينية بخوض المعركة السياسة والدبلوماسية والقانونية، حيث تمكنّت من تحقيق إنجازات على الصعيد الدولي ومنها الحصول على عضوية الأمم المتحدة كدولة بصفة مراقب يحق لها الانضمام لجميع منظمات الأمم المتحدة بما فيها محكمة الجنايات الدولية. وعلى الصعيد الجماهيري، تعاظم دور المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال في المدن والقرى كافة لمقاومة الاستيطان وجدار الفصل العنصري، والدفاع عن القدس وعروبتها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
مما عزز الهوية الفلسطينية التي يحاول الاحتلال طمسها. الهوية الفلسطينية الوطنية التي توحّد الشعب الفلسطيني بأسره في الوطن وفي أماكن الشتات كافة.
*هل من مجال في عالم اليوم وفي ظل الانقسام الحاصل ومخاطر وتحديات العولمة الشرسة الحديث عن دور للثقافة وللفكر في حماية الهوية الفلسطينية؟
-الوطنية لها تفسيرات عديدة، ففي معناها البسيط هي حب الوطن والتعلق به والإخلاص له والاستعداد للتضحية من أجله، وهذا المعنى ظلّ سائدا منذ أن تكونّت الأوطان، وقبل أن تتكون المجتمعات كان الولاء للقبيلة التي يجد بها الفرد الأمن والأمان والاستقرار في مكان يوفر له الكلأ والماء، وهذا الولاء كان يتسم بالتعصب، وانتقل هذا الولاء في ما بعد إلى مفاهيم أخرى لا مجال للخوض فيها. ولعل مفهوم الوطنية ومنذ القرن التاسع عشر ارتبط بفكرة وإيديولوجية جديدة هي تشكّل الدول والمجتمعات على أسس قومية. ومن هنا ومنذ بدايات القرن العشرين، وفي مرحلة تحولت فيها الدولة التركية إلى مرحلة من الضعف، وأطلق عليها لقب الرجل المريض، منذ بدايات القرن العشرين برزت نخب عربية تدعو الى إعادة بعث الشعور العربي القومي، والتحرر من الحكم التركي الذي حكم المشرق العربي أربعة قرون عندما كان الرابط الديني هو الطاغي، والدولة العثمانية ورثت الخلافة فأصبحت دولة الخلافة، ولم تجد مقاومة تذكر.
دعت النخب العربية التي تخرّج معظمها من الجامعات الأوروبية إلى إعادة تأسيس دولة عربية واحدة، تعيد للعرب أمجادهم التي حققتها الإمبراطوريات العربية الثلاث: الأموية، والعباسية، والفاطمية، وكانت هذه الأفكار ناجمة عن تأثر تلك النخب بالفكر الأوروبي الذي سعى لتشكيل الدول على أساس قومي، وذلك بعد حروب طاحنة أطاحت بدول وإمبراطوريات وغيّرت خرائط، كان من أكبر مشعليها نابليون بونابرت.
ومن هنا تأسست الأحزاب ذات الايديولوجيا القومية في المشرق العربي، وبعد الحرب العالمية الأولى انهارت الدولة العثمانية، وانفصلت عنها كل المناطق التي لا تتكلم اللغة التركية، ووقعت بلاد الشام والعراق في قبضة الاستعمار البريطاني والفرنسي، وتم تقاسم النفوذ على أراضيها باتفاق الدولتين على صفقة سايكس بيكو، هذا الاتفاق الذي قسّم بلاد الشام الى أربعة كيانات، سوريا، ولبنان تحت وصاية الانتداب الفرنسي، والأردن وفلسطين والعراق تحت حكم الانتداب البريطاني.
كان لهذه السياسة الاستعمارية تأثير كبير على نمو الحس القومي ببعده الأيديولوجي وبمناهضته للاستعمار، ونزوعه الى الحرية.
وانتعش الترويج لفكرة توحيد العرب وتحررهم، فمنذ مطلع الثلاثينات من القرن العشرين، ظهر مفكرون ونخب مثقفة انطلاقا من دمشق يبشرون بالفكر القومي، ومن هؤلاء نجد زكي الأرسوزي، ساطع الحصري، ميشيل عفلق، وصلاح البيطار. وهكذا تأسس في وقت لاحق حزب البعث، وكان أحد أسباب تأسيسه، السياسات الاستعمارية الفرنسية في منطقتي الانتداب على سوريا ولبنان، والسياسات الاستعمارية البريطانية في بقية المناطق، وبالتحديد في فلسطين، حيث كانت الثورات تشتعل فيها ضد الانتداب الذي ينفذ الهدف والوعد الذي قطعته بريطانيا للحركة الصهيونية بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وفق وعد بلفور 1917.
كانت الحركة الوطنية الفلسطينية قد تشكّلت وأشعلت هبات جماهيرية وثورات ضد الانتداب الذي فتح الباب أمام الهجرة اليهودية وتشجيع الاستيطان ورسم الإطار العام لقيام دولة إسرائيل. أمام التحديات التي واجهتها بلاد الشام والعراق انتعش الفكر القومي، وتعزز مبدأ تقرير المصير العربي على قاعدة المصير القومي الواحد.
إذا الوطنية الفلسطينية تبلورت في جو التحدي، وفي النضال من أجل الاستقلال، ودحض المشروع الصهيوني الذي يسعى لطرد وتهجير الشعب الفلسطيني والسطو على أراضيه وإلغاء هويته وإقامة وطن قومي يهودي ليحل محل وطنه.
*ولكن كيف يمكن الاستفادة من التاريخ لإعادة رسم وتحديد الأولويات وحماية الهوية من التشويه والتلاشي أمام تعدد المخاطر ومحاولات الإلغاء؟
-الوطنية الفلسطينية صارت ثقافة وهوية، وساهم مفكرون بعد الحرب العالمية الأولى وحتى النكبة في تشكيل الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية بأبعادها العربية والإنسانية والتحررية، وكانت الهوية الفلسطينية مهددة، لذا ساهم المثقفون في حمايتها، ومن تلك الشخصيات الفكرية والأدبية وبينهم روحي الخالدي، وأحمد سامح الخالدي، وخليل بيدس، وعيسى السفري، وخليل السكاكيني، ومحد زهدي النشاشيبي، إبراهيم طوقان، عبد الكريم الكرمي، وغيرهم.. وشهدت الوطنية والهوية أوجها بعد تأسيس منظمة التحرير، واندلاع الثورة الفسطينية، وساهم المثقفون الفلسطينيون مساهمة فعّالة في هذا المجال. تعمّقت الهوية الفلسطينية بمحتواها الوطني، ومجراها الكفاحي والتحرري، وتعمقت سماتها المادية والروحية، وتعززت الإرادة الوطنية، وتجلى ارتباط الفلسطيني بأرضه، وإخلاصه لوطنه، واستعداده للتضحية من أجل تحرره.
*كان المشهد الفلسطيني دوما مرتبطا بقامات ثقافية وشعرية رصدت، دونت، وألهمت الأجيال في مختلف المحطات والمراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية؟
قبل النكبة كان الشعر هو المعبّر عن الحس الوطني من خلال قصائد إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، وعبد الكريم الكرمي وغيرهم، ففي تلك المرحلة كانت هناك ندرة في كتابة الرواية، وظل للشعر قصب السبق الى أن ظهرت الرواية التي تتوفر بها العناصر الفنية العالية، واعتقد أن الرواية نضجت واكتملت عند غسان كنفاني، جبرا إبراهيم جبرا، أميل حبيبي، توفيق فياض،رشاد أبو شاور، يحيى يخلف ،سحر خليفه، إبراهيم نصرالله، وغيرهم جيل جديد من الشباب.
تجلت ملامح وسمات الوطنية بشكل مبدع وخلاّق في رواياتهم، فغسان كنفاني كتب في رجال في الشمس عن تراجيديا الغربة والشتات، وأطلق صرخته ضد الموت في جملته التي صارت شعارا «لماذا لم تدقوا جدران الخزان».
كما أنّه كتب عن الفدائيين وأم سعد أم المقاتلين من أجل الحرية، وكتب عن الطفل الذي نسيه أهله في السرير، فكبر في كنف عائلة يهودية وتحوّل اسمه من إسماعيل الى دوف في روايته «عائد الى حيفا»، التي مثّلت تراجيديا مكر التاريخ. كما دخل تجربة التجريب في رواية «ما تبقى لكم».
ورحل وهو في ريعان شبابه وفي ذروة تألقه الأدبي عندما اغتالته المخابرات الإسرائيلية بوضع عبوة ناسفة في سيارته عام 1972.
تبوأ غسان كنفاني ريادة الرواية الفلسطينية الجديدة، وأسس قاعدة صلبة لظهور جيل أكمل رسالته في التعبير عن أنين وحنين الإنسان، وتوقه إلى الحرية، وعن الاعتزاز بذاتيته الوطنية، وبمشاعره وهويته الوطنية.
*هل نحن إزاء أزمة وطنية؟
-إذا قلنا أن مفهوم الوطنية هو حب الوطن والانتماء إليه والاستعداد للتضحية من أجله فالمفهوم واحد سواء كان في داخل فلسطين أو في الشتات.
أما اذا تحدثنا عن المشاعر فإنّ الفلسطيني في الشتات يغلب عليه الحنين أكثر ممن يعيش داخل الوطن، ففلسطيني الشتات يمتلك ذاكرة كوّنها منذ الطفولة عن فلسطين الجميلة وجماليات أمكنتها، وشمسها وبحرها، ومعمارها وتراثها، وحكايات وذكريات الآباء والأجداد وما صنعه الإنسان وأبدع في ربوعها، وكذلك عن طبيعتها الجميلة والساحرة التي خلق الله منذ الأزل.
وأنا عندما كنت في الشتات، كانت صورة فلسطين زاهية في ذاكرتي التي تكونت منذ الطفولة، الذاكرة التي يطلق عليها باشلار، ذاكرة البيت الدافئ، وعندما عدت الى أرض الوطن بعد اتفاق أوسلو وجدت فلسطين مثخنة بالشقاء والمستوطنات والأسلاك الشائكة وتدمير جماليات المكان، وما يخلف الاحتلال من قبح وعسف وقتل وتشريد.
عندما كتبت روايتي (نهر يستحم في البحيرة) وهي عن تجربتي في العودة، قلت فيها : ليحرس الله أحلام الفلسطينيين في مخيمات الشتات الذين لا تزال صورة فلسطين في مخيلتهم وردة في ديوان شعر».
الوطنية مصدر مشتق من كلمة وطن، وكل فلسطيني يحب وينتمي لفلسطين الوطن هو فلسطيني وطني، عندما تفتّح وعيي كان وطني محتلا، كان مسلوبا، وكان ضائعا، لكنه كان موجودا في قلبي وروحي ووجداني، وما كان لي أن أكون أديبا لولا تعلقي وانتمائي لهذا الوطن الضائع وأن أغمس ريشتي بمداد قضية شعبي، ولولا استعدادي للتضحية من أجله لما التحقت بصفوف الفدائيين وانتميت إلى الثورة الفلسطينية.
الفلسطيني الذي بقي داخل الوطن تحت الاحتلال هو وطني بامتياز، والفلسطيني الذي عاش في المخيمات كان فلسطينيا وطنيا، يذكره بهويته الفلسطينية بطاقة التموين، والخيمة، ومدرسة وكالة الغوث، وحبوب زيت السمك، وفقدانه لجواز السفر.. أوسلو كانت خطأ تاريخيا، بعد أوسلو لم تضعف الوطنية، واجه الشعب مكر أوسلو بانتفاضة ثانية، وهبات شعبية وعمليات مقاومة هنا وهناك، وهبّة القدس الأخيرة أثبتت أن الجذوة قد تخبو أحيانا ولكنها لا تنطفئ. تاريخ فلسطين وتراثها الحضاري والإنساني في كل الحقب هو ملك للشعب الفلسطيني الذي لم يهجّر منها إلا في الغزو الصهيوني الإسرائيلي.
*المثقف والأزمات هل أن الألم دوما مولد للأمل وكيف عاش ذلك يحي يخلف المناضل والكاتب ووزير الثقافة سابقا في السلطة الفلسطينية؟
أنا في روايتي (راكب الريح) ذهبت إلى التاريخ، إلى القرن الثامن عشر، إلى تلك المرحلة التي كانت بها فلسطين تحت الحكم العثماني، إلى يافا التي كانت آنذاك أجمل مدن المتوسط، وأهم ميناء بحري يطل على بحر ايجة اليوناني، وبهذا الموقع الفريد ربطت ثقافات وحضارات ما بين الشرق والغرب.
الرواية طرحت الأسئلة على التاريخ، التاريخ يجيب عن الأسئلة، ويكرر نفسه في الحاضر والراهن.
شهدت يافا في تلك المرحلة مجزرة ارتكبتها جيوش نابليون عندما كان نابليون في طريقه إلى احتلال عكّا، فماذا أجابني التاريخ، أجاب أن فلسطين على مر التاريخ تعرضت لغزوات كثيرة، عمّر بعضها قرنا أو أكثر، لكنّ الغزاة رحلوا وبقي المكان. الصليبيون احتلوا فلسطين ما يقارب القرنين، ثم تم اقتلاعهم ورحلوا وبقيت فلسطين المكان وبقي الإنسان. نابليون هزم هزيمة منكرة على أبواب عكّا وعاد خائبا. دمّر يافا ولكن أهل يافا أعادوا بناءها،انهزم كغازٍ ورحل، لكن يافا المكان لم ترحل، ويافا الإنسان لم يرحل.
يموت الغزاة لكن المكان لا يموت.
يموت الغزاة لكن الحكمة لا تموت.
لقد زرت قريتي سمخ الواقعة على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبرية،والتي دمرها وهدمها واجتثتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي، زرتها بعد ستة وأربعين عاما على احتلالها، فسألني الشاعر محمود درويش عن انطباعاتي بعد تلك الزيارة، فأجبته ستة وأربعون عاما على احتلالها ولم يستطع الإسرائيليون جر البحيرة من مكانها.
أما قضايا الإنسان واللجوء فقد ضمنتها في روايتي ماء السماء ورواية جنة ونار. ولم تهدفا لإخضاع الوطن لقضاياه الاجتماعية، أو إخضاع المجتمع لقضايا الوطن، وإنما هما سرد يكمل رواية بحيرة وراء الريح، سرد في سيرورة تمتد من حرب عام 48 مرورا بمرحلة اللجوء والشتات وحياة المخيم وصولا الى مرحلة انطلاقة الثورة وإعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني وهويته الوطنية،الذي تحوّلت صورته من طوابير لاجئين مرجعيته وكالة غوث اللاجئين إلى شعب له حقوقه يكافح من أجل استعادتها ومرجعيته منظمة التحرير الفلسطينية.
فالروايتان جزء من رباعية روائية ترصد تحوّلات اجتماعية ومصيرية من خلال شخصيات وحكايات معظمها يمثل بطولة القيم ،ويمثل صمود الإنسان وحنينه وأنينه، إنها حكايات أولئك البسطاء الذين واجهوا مكر التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.