قد يكون من الظلم التنبؤ بسنة صعبة قبل أن تبدأ. فنحن بذلك نظلم السنة ونظلم العالم ونظلم أنسفنا فلا نترك لنا فرصة للتحرك من أجل صناعة سنة أفضل. ولكننا هنا لا نتحدث عما يأتي به الفلكيون والمنجمون بنبوءات غير دقيقة في مجملها وتقوم على رسم صورة هلامية وفتح المجال على أكثر من سيناريو مما يجعل حظوظ الفلكي أعلى في التنبؤ بما سيحدث ولكننا نتحدث هنا عن الاستشراف وقراءة المستقبل من منطلقات الحاضر ومن منطلقات ما ينتظر العالم من أحداث قادمة بطبيعتها. ولعلنا نبدأ من الولاياتالمتحدة حيث يبدو أن ما «أنجزه» دونالد ترامب في السنة الراحلة سيكون له تأثير لا محالة في مستقبله السياسي ومدى قردته على اتخاذ قرارات أكثر إثارة للجدل في السنة الجديدة. فالعام القادم سيشهد صداما بالضرورة مع الديمقراطيين الذين فازوا في انتخابات مجلس الشيوخ. وقد يفاجئنا دونالد ترامب بقراراته غير المتوقعة في بداية هذا العام مثلما فعل العام 2018 بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل واتخاذه القرار بنقل السفارة الأمريكية للقدس. وقد يختم العام 2019 بقرار يشبه الانسحاب من سوريا، تلك الخطوة التي أدت إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس. القوى العظمى.. تتنافس مركز الاستخبارات الأمريكي الخاص ستراتفور الذي يقدم في نهاية كل سنة استشرافه للسنة الموالية على مستوى السياسة الدولية، والذي اطلعت «الصباح الأسبوعي» على توقعاته للسنة القادمة يعتبر أن هذا العام سيشهد زيادة المنافسة بين القوى الكبرى. بل إنه يتوقع أن تصعد الولاياتالمتحدة هجومها الاستراتيجي ضد الصين مع الاتجاه إلى دعم أقوى لتايوان وموقف أكثر حزما في بحر الصين الجنوبي. المركز يتوقع أيضا سرعة أكبر في سباق التسلح بين الصين وروسيا والولاياتالمتحدة نظرا إلى فشل اتفاقيات الحد من التسلح. كما أن المناخ الجيوسياسي الذي ستشكله كل هذه التغيرات سيصنع فرصا إستراتيجية لقوى حدودية غير حاضرة على المشهد مثل بولندا وتايوان ولكنه سيخلق أيضا تحديات للقوى المتوسطة التي تحاول إيجاد أرضية تحرك مثل تركيا والهند وفيتنام. كما يتحدث المركز الذي يقدم خدمات استخباراتية أن الولاياتالمتحدة ستواصل حملتها لعزل إيران إقليميا وإضعاف البلد من الداخل. مما يمكن أن يزيد من المواجهات بين واشنطن وطهران ويقلل من احتمال حدوث مفاوضات بناءة. ومن شأن جدول أعمال مشترك يعارض إيران أن يساعد في عزل العلاقات الإستراتيجية رفيعة المستوى بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية. الاتحاد الأوروبي في خطر أما التكتل الأوروبي فإن الصعوبات التي واجهها في 2018 يبدو أنها ستتواصل. فالعام 2019 سيأتي باستكمال مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي نهاية مارس القادم. فرنسا التي عرفت قيادتها أزمة حقيقية في الأشهر الأخيرة من عام 2018 في مواجهة احتجاجات السترات الصفراء التي طالبت برحيل الرئيس إيمانيول ماكرون ونزعت عنه هالة الرئيس المتفرد الشاب ذي المشروع الجديد لا يمكن إلا أن يجعلنا نستشرف مصيرا مشابها في 2019 خاصة أن الرئيس قد أبان عن جهل حقيقي بآليات إدارة الأزمات والتعامل معها. أما بقية الكيان الأوروبي باستثناء ألمانيا فإن عديد البلدان ضمنه ستواصل تخبطها في المعضلات الاقتصادية التي تهدد مستقبل كيان الاتحاد الأوروبي برمته. أما مركز ستراتفور فيرى أن الحكومة الإيطالية ذات التوجه الشعبي الشمولي ستشكل أكبر تهديد لمنطقة اليورو في عام 2019 مع تزايد المخاوف بشأن ارتفاع مستويات الديون في البلاد وقطاع البنوك الهش. ركود اقتصادي؟ اقتصاديا لا يبدو أن المؤشرات تقول إن الأوضاع ستكون أفضل في الاقتصاد العالمي لسنة 2019. فهنالك حتى من الخبراء من يتحدث عن ركود في الاقتصاد العالمي أما بالنسبة إلى أسواق النفط فإنهم يرجحون أن تعرف ذات المصير الذي عرفته في 2018 بأن تكون متقلبة وغير متوقعة. أما ستراتفور فيرى زيادة المخاطر الجيوسياسية للأعمال. وتفاديا لتهديدات أمنها القومي يعتبر أن الولاياتالمتحدة ستتجه بشدة إلى أوروبا واليابان وأستراليا وكندا وكوريا الجنوبية وتايوان لإقامة حواجز أقوى أمام الاستثمار الصيني. مما سيؤثر على الأبحاث والتجارة في المجالات الإستراتيجية، بدءا من الذكاء الاصطناعي وانطلاق الشبكات من الجيل الخامس ابتداء من عام 2019. بالإضافة إلى ذلك يشير المركز إلى أنه سيكون على الشركات أن تتعامل مع اضطرابات سلسلة التوريد والغرامات الثقيلة والدعاوى القضائية لخروقات البيانات. ويعتبر التقرير أن هناك أيضا إمكانية لنمو إنتاج النفط في العراق وليبيا وتخفيف كبير في القيود على قدرة الصادرات على الولاياتالمتحدة في وقت لاحق من هذا العام. كما يتوقع أن تهتز الأسواق العالمية للغاز الطبيعي المسيل عندما تفوز الولاياتالمتحدة بمكانتها بين أكبر ثلاث دول تصدير للغاز الطبيعي المسال في العالم عام 2019. إنسانيا.. الأزمات تشتد إنسانيا فإن مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسان حسب موقع ‹أمريكا ماغازين» يتحدث عن تفاقم الأزمات الإنسانية التي أصبحت أكثر تواترا وتدوم لفترات أطول. ونتيجة لذلك، فإن أكثر من 1 في المائة من سكان العالم يعانون من الأزمات الكبرى،. ولا يزال 10٪ من سكان العالم بحسب التقرير يعيشون في فقر مدقع، وسيحتاج حوالي 132 مليون شخص هذا العام إلى المساعدات الإنسانية والحماية، ويرجع ذلك في الغالب إلى آثار النزاع المسلح. وتهدف الأممالمتحدة والمنظمات الشريكة إلى مساعدة حوالي 94 مليون منهم في عام 2019. وإلى جانب كل ذلك يبدو أن العالم سيشهد تواصل الموجات الشعبوية وقطف ثمار وصول الشخصيات الشعبوية إلى الحكم في عدد من بلدان العالم. وذلك إضافة إلى التحالفات الجديدة والمواقف المتجددة التي يمكن أن يأتي بها العام القادم والتي تندرج ضمن سياق نظام عالمي جديد يتواصل تطبيقه.