خلافا لبقية القطاعات الفنية والثقافية، عرفت الساحة خلال سنة 2018 نقلة نوعية في صناعة السينما على أصعدة عديدة، مواصلة لما عرفته في سنوات ما بعد ثورة 2011 من تطور وتغيير في المضمون وفي عدد الأفلام المنتجة والمنجزة سنويا سواء أكان ذلك بالنسبة للأفلام الطويلة أو القصيرة أو الوثائقية، وتجسد ذلك بالأساس في ما حققته بعض الأفلام التونسية من تتويجات على مستوى دولي بعد دخول أسماء جديدة وجيل جديد لدائرة الإخراج والإنتاج ونجاح هذه الأخيرة في تأكيد وجودها وفاعليتها وتميزها في القطاع من خلال تجارب وأعمال ثبّتت وجودها في مجال الفن السابع، فضلا عن تأكيد استمرارية أدوارها وفاعليتها في المشهد. إذ أصبح قدر عدد الأفلام المنتجة خلال هذا العام في حدود 12 فيلما بعد أن كانت في حدود فيلمين قبل الثورة. فرغم معضلة التشريعات وعدم تحيين منظومة القوانين المنظمة لسير القطاع السينمائي على غرار بقية القطاعات الثقافية فضلا عن قلة عدد القاعات وعدم وضوح وانتظام العلاقة بين المنتجين والمخرجين وعزوف المستثمرين عن دعم الثقافة بما في ذلك السينما أو الاستثمار في هذا المجال فقد استطاع عدد من السينمائيين القفز على الصعوبات والعراقيل ووضع السينما على سكة «الصناعة» وبمقاييس فنية وسينمائية متطورة أهلت عدد كبير من الأفلام التونسية لاكتساح «منصات» التتويج في جل التظاهرات والمهرجانات السينمائية العربية والعالمية. جوائز كانت حصيلة السينما التونسية من التتويجات في العام 2018 جد متميزة ومشرفة وذلك بحصول 23فيلما تونسيا خلال عام على تتويجات دولية هامة وفق ما نشره حسن الزرقوني إثر رصد «سيغما كونساي» للسينما التونسية خلال هذا العام نذكر أبرزها الأفلام التي اختطفت الأضواء وحصدت الجوائز في الأشهر الأخيرة وهي «فتوى» للمخرج محمود بن محمود الذي توج بالتانيت الذهبي في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة فضلا عن جائزة أفضل أداء رجالي للمثل أحمد حفيان في نفس الفيلم. وهو العمل السينمائي الذي توج أيضا بجائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأخيرة. كما تحصل فيلم «في عينيا» لنجيب بلقاضي على جائزة أحسن دور رجالي في مهرجان مراكش بالمغرب للممثل نضال السعدي. كما حصل فيلم «إخوان» لمريم جوبار على التانيت الذهبي في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية القصيرة لمهرجان قرطاج الدولي، نفس الفيلم تحصل على جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. فيما تحصل فيلم «خلينا هكا خير» لمهدي البرصاوي على جائزة أفضل فيلم روائي قصير للسينما الفرنكفونية بمراكش وتحصل فيلم «استرا» لنضال قيقة على التانيت البرونزي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورته الأخيرة فيما تحصل فيلم «بائع الزهور» لشامخ بوسلامة على تنويه خاص في نفس المهرجان. أما الفيلم الآخر الذي حظي بمتابعة جماهيرية كبيرة في تونس كغيره من الأفلام الأخرى التي دخلت قاعات العروض في تونس في الأشهر الأخيرة من العام المنقضي على غرار «في عينيا» آنف الذكر فهو فيلم «ولدي» لمحمد بن عطية الذي تحصل على الجائزة الكبرى لمهرجان باستيا. وتحصل فيلم «عزيز روحو» لسنيا الشامخي على الجائزة الكبرى لمهرجان فستيلاڨ السينمائي بساحل العاج في دورته الأخيرة. فيما توج فيلم «همس الرمال» للناصر خمير بجائزة مهرجان دلهي الدولي في نفس العام وجائزة أفضل ديكور في مهرجان السينما التونسية. بدوره كان فيلم «الجايدة» لسلمى بكار ضمن قائمة الأفلام المتوجة في هذا العام وذلك بحصوله على الجائزة الكبرى لمهرجان كاروس بفرنسا. وتوج فيلم «بنزين» لسارة العبيدي بجائزة أفضل ممثل عن دور لعلي اليحياوي في مهرجان «مالمو» للسينما العربية وجائزة «تي في 5» في مهرجان السينما العربية بايما وجائزة «العصفور الذهبي لأول عمل سينمائي ونفس الجائزة لأفضل ممثلة فازت بها سندس بلحسن في نفس المهرجان وفاز في نفس المهرجان فيلم «في الظل» لندى المازني بجائزة افضل فيلم وثائقي. كما توج فيلم «مصطفى زاد» للمخرج نضال شطا بجائزة أحسن فيلم روائي طويل ضمن الدورة الخامسة لمهرجان السينما الأفريقية بتولوز الفرنسية وتحصل في نفس المهرجان، الفيلم التونسي القصير «آية» للمخرجة مفيدة فضيلة على جائزة لجنة التحكيم. وتحصل نفس الفيلم على عدة تتويجات اخرى في مناسبات اخرى بكل من وجدة بالمغرب وميلانو وغيرها. وفي جانب التتويجات كذلك تحصل فيلم «تونس الليل» للمخرج الياس بكار على تتويج في مهرجان وهران الدولي للسينما العربية. وفيلم «دشرة» لعبدالحميد بوشناق المتوج في مهرجان «فينيس» بايطاليا وغيرها من التظاهرات والمهرجانات الدولية الأخرى. أفلام أخرى شكلت نقاطا مضيئة للسينما التونسية دوليا من خلال ما حصدته من جوائز وتنويهات وتتويجات خلال هذا العام على غرار «زينب تكره الثلج» و»بطيخ الشيخ» لكوثر بن هنية و»الشرش» لوليد مطار و»فلاذ» لمهدي هميلي و»اخر واحد فينا» لعلاء الدين سليم و»نحبك هادي» لمحمد بن عطية وغيرها من الافلام الأخرى التي ساهمت في صنع ربيع السينما التونسية رغم الظروف التشريعية الصعبة والإمكانيات المادية المحدودة. لكن هذه التتويجات لا يمكن أن تحجب حجم الصعوبات والاشكاليات التي أثرت سلبيا على سير العملية الانتاجية بما في ذلك الاشكاليات التشريعية والهيكلية والتنظيمية لاسيما في ظل احتكار بعض الأسماء لمجال التصرف والتحرك في القطاع. مشاريع في الأفق في المقابل لا تزال عديد المشاريع السينمائية في طور الانجاز والتصوير لعل من بينها فيلم «الابن» لمهدي البرصاوي الذي يواصل تصويره بالجنوب التونسي وما أثارته حادثة تدخل والي الجهة لمنع التصوير رغم حصول فريق الانتاج على ترخيص في الغرض فيما سيكون فيلم «بورتوفرينا» لابراهيم لطيف جاهزا للعرض في القاعات خلال العام الجاري. كما هو الشان بالنسبة لفيلم «قيرة» للفاضل الجزيري الذي ينتظر أن يرى النور خلال هذا العام.