سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
13 حالة انتحار ومحاولات انتحار خلال أسبوع واحد أغلبها حرقا!: باحث في علم الاجتماع ل«الصباح»: «الانتحار حرقا ثقافة غزت مجتمعنا منذ الثورة.. غذتها تضحيات الماضي وقهر الحاضر»
مع اقتراب إحياء ذكرى ثورة 14 جانفي 2011 تشهد بلادنا حالات انتحار ومحاولات انتحار متتالية خلال هذه الفترة من كل سنة غير أن الاسبوع الاخير من سنة 2018 سجلت فيه أعلى نسبة من حالات الانتحار والمحاولات خاصة حرقا منذ الثورة.. وكأن إحياء الثورة بات مرتبطا بالانتحار حرقا اقتداء بمحمد البوعزيزي لدى بعض الراغبين في إنهاء حياتهم خاصة اليائسين من انتظار «الفرج». 13 حالة انتحار ومحاولة انتحار سجلتها بلادنا الاسبوع الفارط أغلبها كانت حوادث انتحار حرقا وقد طفت حادثة «انتحار» المصور الصحفي عبد الرزاق الزرقي في القصرين على سطح الأحداث خاصة أن وفاته يحوم حولها الكثير من الغموض وهي محل نظر القضاء. تلت هذه الحادثة خمس محاولات انتحار في القصرين حيث أقدم مواطن في الأربعين من عمره على سكب البنزين على جسده وتم إنقاذه في آخر لحظة من قبل ضابط امن وبعض المواطنين. كما أقدم شاب على محاولة الانتحار بمفترق «المنقالة» بمدينة فريانة من ولاية القصرين حيث سكب على جسده البنزين لكن بعض المواطنين تمكنوا من انقاذه في آخر لحظة. وفي نفس اليوم أقدمت فتاة وشابان من حاملي الشهائد العلمية المعطلين عن العمل المعتصمين منذ أسابيع أمام المدخل الشمالي لولاية القصرين على غلق الطريق حيث جلسوا وسط «المعبّد» مانعين مختلف وسائل النقل من المرور، واثر تدخل وحدات الأمن لفتحه بالقوة حاول المعطلون الثلاثة الانتحار حرقا وجلبوا كمية من البنزين وسكبوها على اجسادهم وهددوا باشعال انفسهم لكن وحدات الامن والبعض من زملائهم المعتصمين والمواطنين الذين فوجئوا بالمشهد تدخلوا ومنعوهم من تنفيذ ما عزموا عليه. وأقدم فجر يوم الجمعة الفارط شاب اصيل القيروان ويقطن بجهة العوابد من ولاية صفاقس على أضرام النار في جسده أمام منزل عائلته وتمكن عدد من المواطنين من اطفاء النيران وانقاذه من موت محقق. كما أقدم الاسبوع الفارط كهل يبلغ من العمر 58 عاما على سكب البنزين على جسده وسط مدينة بوسالم التابعة لولاية جندوبة وأضرم النار في جسده وقد تدخل عدد من المواطنين وقاموا بإطفاء النار ونقله الى المستشفى المحلي ببوسالم بعد إصابته بحروق من الدرجة الثالثة على مستوى الوجه والرقبة والصدر. يوم الاربعاء الماضي هدّدت إحدى المعتصمات منذ شهر أمام مقر ولاية القيروان بالانتحار بسبب تواصل تهميشها وقالت في تدوينة نشرتها على حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك».. ‹›نمشو لربي يكون أرحم.. رحمته تسبق غضبه وأنا واثقة من رحمته ولذا قررت ولن أتراجع، فقط إن شاء الله تسامحني ميمتي››. ويوم الاربعاء ايضا خلال مرور مسيرة جابت شوارع معتمدية جبنيانة من ولاية صفاقس وعند وصولها على مستوى مركز الأمن الوطني بالمكان أقدم أحد الأشخاص على سكب البنزين على جسده وإضرام النار فيه وتمكن عوني أمن من السيطرة عليه وخلع قميصه لإنقاذ حياته ولم يتعرض سوى إلى حروق بسيطة على مستوى يده كما تدخلت وحدات الحماية المدنية معززة بطاقم طبي وتم نقله إلى المستشفى الجهوي بصفاقس. كما أقدم الأسبوع الفارط سائق سيارة أجرة «تاكسي» على سكب البنزين على جسده في محاولة للانتحار حرقا أمام وزارة الداخلية غير أن اعوان شرطة النجدة نجحوا في التصدي له ومنعوه من اضرام النار في جسده. كما أقدمت نهاية الأسبوع الفارط امرأة تبلغ من العمر 54 سنة على سكب البنزين على جسدها بجهة الكرم ثم أضرمت النار به بمنزلها باعتبار أنها تقيم بمفردها وقد فارقت الحياة ليتبين لاحقا انها تعاني من اضطرابات نفسية دفعت بها الى إنهاء حياتها حرقا. كما أقدم نهاية الأسبوع الماضي كهل على حرق جسده امام مصنع بمدينة نابل وتم نقله في حالة حرجة الى مركز الاصابات والحروق البليغة ببن عروس. وللإشارة فقد تم تسجيل 281 حالة انتحار ومحاولة انتحار خلال النصف الاول من سنة 2018 من بينهم 45 حالة بين الأطفال دون سن ال15 عاماً، وهو ما نسبته 16 % من إجمالي الحالات، حسب إحصائية صادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ووصلت أعداد حالات ومحاولات الانتحار سنة 2017 إلى 462 من بينهم طفلا سنهم دون 15 عاما، وفي سنة 2016 وصل العدد إلى 583 حالة منها 40 حالة لأطفال من نفس الفئة العمرية. الانتحارثقافة تغزو حياتنا.. الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد بين في قراءته للظاهرة أنه لا تكاد تفتح وسيلة إعلامية إلا وتعترضك يوميا مفردة الانتحار.. الانتحار شنقا،الانتحار حرقا،الانتحار غرقا، الانتحار الجماعي... وكأننا نعيش في محرقة وليس في دولة أو مجتمع وهذا ليس بغريب على ثورة انطلقت بعملية انتحار ثم تتالت بعدها عمليات الانتحار وأشكاله لتشمل الأطفال والشباب والكهول والنساء والرجال والعزاب والمتزوجين كما توزعت عموما ب»عدالة» بين جميع جهات البلاد عوض أن تتوزع مفردات الأمل والتنمية والكرامة. الاسباب.. «ما فاجأنا كباحثين أن الانتحار أصبح ظاهرة مرتبطة أكثر بشريحة شبابية جديدة ذات مستوى تعليمي مرموق وسجلها يكاد يكون خالياً من الاضطرابات النفسية والسلوكية، وبالتالي فمن الغباء اتهام خيرة ما عندنا من شباب وكفاءات بالمرض وعدم السواء النفسي. إن الإحساس بالقهر والغبن هو الدافع والمحرك الأساسي لجل حالات الانتحار، فسبب الانتحار ليس دائماً سببا نفسياً بحتا أو سلوكا ذو خلفية مرضية، بل يمكن أن يكون مرتبطا بأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة تستحيل معها القدرة على تحمل الضغوطات فحين يلاحقنا ويلاحق هذا الشباب الحالم والمتعلم والحامل لدرجات تعليمية محترمة، الماضي بالتضحيات الجسيمة التي قدمها أملاً في العيش الكريم، وحين يقهرنا الحاضر عبر الإحساس بالعجز وقلة الحيلة بشكل يفقدنا احترامنا لذاواتنا واحترام الآخرين لنا، وحين يكون المستقبل مظلماً في عيوننا نظراً لعدم وجود بوادر انفراج للوضع القائم، فهل تبقى لنا من خيارات كبرى لانجازها في الحياة؟ الانتحار هو نوع من العنف الاجتماعي أو ردًا عليه، لكنه عنف في أدنى درجاته، لأنه ليس موجهاً للآخر، بل موجه نحو الذات ولإيصال رسالة للآخر وللمجتمع وبالتالي تصبح حالات الانتحار عبارة عن الوجه الآخر للهجرة السرية، أو ما يعرف عند شباب تونس والمغرب العربي «بالحرقان»، وهو تعبير محلي ومجازي يعني الهجرة السرية، وحرق الحدود والإجراءات القانونية للسفر بما في ذلك من حرق للهوية الشخصية والجماعية التي أصبحت تمثل عبئا على أصحابها. وإذا استحالت الحرقة عند الشباب يتحول الأمر الرمزي إلى فعل حقيقي بالحرق (إضرام النار في النفس)، لوضع حد لهذه الحياة. وبالتالي، ومذ الثورة إلى اليوم نلاحظ ارتفاع حالات الانتحار لدى الشرائح المهمشة والنخب المثقفة في البلاد وهذا نتاج عن فقدان الأمل في الحاضر والمستقبل والإحساس بأبدية الأزمة الراهنة وإلى تراجع مكانة التعليم في الحراك الاجتماعي وغياب فضاءات الوقت الحر وحالة التصحر الثقافي والسياسي وغياب المواقف والخطابات المطمئنة وعجز المجتمع السياسي بأحزابه وهياكله والمجتمع المدني بجمعياته وهيئاته ونقاباته عن احتضان خيرة الشباب وتبنى مشاغلهم بعيداً عن الشعارات والمزايدات. مع الوقت تدعمت مفردة الانتحار في قاموسنا وسلوكنا اليومي بفعل»النحر» وهو فعل موجه لنحر الآخر وقتله وشطبه من الحياة والوجود لأنه مختلف معنا في الموقف والرؤية وحين تجتمع هذه الظاهرة(الانتحار) وهذا الفعل (النحر) فإننا نجد أنفسنا في صميم ثقافة الموت التي بدأت تخيم على مجتمعنا وثقافتنا ومزاجنا ولغتنا وهو أمر خطير يمكن الاستمرار فيه إلى ما لانهاية.