عندما يصدر التصريح عن استخبارات البلد الاقوى في العالم فالاكيد أن الخطأ غير مسموح به, وعندما يتعلق الامر باسقاط قنبلة نووية فليس من الوارد أن يكون الامر مجرد مزحة, تماما كما انه لا يمكن تجاوزه بمجرد الاعتذار أو تنزيله في اطار زلة اللسان أو خطا في التعبير حتى وان اصر المسؤولون على ذلك.. التلويح باسقاط قنبلة نووية أمر لا يقبل الهزل وهو بالتاكيد يعتبر الرسالة الخطأ في الوقت الخطأ ولا يمكن لكل بلاغات الاعتذار أن تزيحه من المشهد لعدة اعتبارات مرتبطة لا بالتوقيت فحسب ولكن بمصدر التحذيرالذي سيكون لكل رئيس من رؤساء العالم في دول النادي النووي طريقته في قراءته وتأويله.. الامر طبعا يتعلق بما كانت القيادة الإستراتيجية الأميركية، وهي القوة العسكرية الموحدة التي تتحكم بإطلاق الترسانة النووية نشرته ليلة راس السنة بشأن اسقاط قنابل نووية قاتلة انطلاقا من نشر مقطع فيديو يظهر قاذفة شبح من طراز»بي 2»، التغريدة التي نشرت قبل ساعات من إسقاط الكرة المضيئة إيذانا بقدوم العام الجديد على نيويورك تقول»إذا دعت الضرورة فنحن على استعداد لإسقاط شيء أكبر بكثير من الكرة التي يتم إسقاطها في ميدان تايمز سكوير»، وقد تلا التغريدة عرض لقطة مصورة لقاذفة من نوع (بي-2) وهي تسقط قنابل تزن 300 الف رطل ويعقب ذلك حدوث انفجارات على الأرض... تغريدة متهورة وغريبة ومريبة وتحمل تهديدا علنيا سرعان ما أدركت القيادة الامريكية مخاطره فبادرت الى الغاء التغريدة والاعتذار عنها معتبره انها تفتقر للذوق.. ومع ذلك فقناعتنا أن الحكاية لا تنتهي بصدور الاعتذار ولكنها تبدأ معه والحقيقة أن حرص الاستخبارات على رفع الحرج وتبديد المخاوف التي ارتبطت بما اعتبر تحذيرا خطيرا لم تنجح في الغاء المخاوف وازالة نقاط الاستفهام العالقة حول ماذا لو أن التحذير لم يكن مجرد مزحة وماذا لو أنه كان خيارا مدروسا وموجها لاطراف معلومة.. ثم كيف يمكن لشعوب العالم أن تتقبل مثل هذه التغريدة في اللحظات التي كان العالم يستعد لاستقبال العام الجديد وتظل على الحياد.. لقد كان من الطبيعي أن تثير تغريدة القيادة الاستخباراتية الامريكية الجدل وان تفاقم المخاوف وتدفع الى اعادة تحديد الاولويات والحسابات بشأن السباق النووي والمساعي المعلنة والخفية لتقييد جهود ايرانوكوريا الشمالية التي تسعى الادارة الامريكية الى تحييدها ودفعها للتخلي نهائيا عن كل برنامج نووي.. ولعل ما يمكن أن يضاعف الهواجس أن التغريدة التي تم سحبها في وقت قياسي ولكن ليس قبل أن تفاقم المخاوف يصل وزنها إلى 14 طنا، وهي تتميز بقدرتها على اختراق التحصينات الخرسانية والمخابئ تحت الأرض.. وهي مخاوف مشروعة ولها مبرراتها بالنسبة للكثير من الدول والانظمة الضعيفة التي باتت تعتبر أن الحصول على السلاح النووي يظل سلاحا رادعا امام كل محاولات الهيمنة او الهجومات العسكرية غير التقليدية التي قد تستهدف الانظمة التي تصنفها واشنطن في اطار الانظمة المارقة.. والحقيقة أن ما حدث خطأ ليس من السهل تجاوزه خاصة وأن مصدره الادارة التي يعتبر رئيسها ان فريقه هو الاحسن في تاريخ الولاياتالمتحدة بمعنى أن ما تقول الاستخبارات الامريكية والبنتاغون أنه مجرد خطا قد لا يكون كذلك.. وقد لا يكون أيضا مزحفة سخيفة في مسألة لا تقبل المزح والهزل.. ما يمكن أن يعزز هذا الموقف خطاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالتزامن مع حلول السنة الادارية الجديدة واعتباره أن من بين اهم الانجازات التي تحققت لادارته قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي، بالإضافة إلى المفاوضات مع كوريا الشمالية وتجميد تجاربها النووية ما يجعل»تغريدة» قيادة الاستخبارات الامريكية محملة بأكثر من رسالة وأكثر من تحذير للحلفاء كما للاعداء والمنافسين.. وهي بالتالي لا يمكن أن تكون مجرد تغريدة للقيادة الاستراتيجية الأميركية.. تماما كما أن الاعلان عن اقالة المتحدثة باسم وزارة الدفاع الامريكية لا يمكن أن يلغي أو يخفي حجم الخطر والاستفزاز الذي يرتبط بهذه التغريدة التي تعني شيئا واحدا أن أمن العالم بيد امريكا..