للأسف انتهت آخر جلسات التفاوض التي انعقدت أمس بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل إلى الفشل كما أفاد الأمين العام المساعد للاتحاد بوعلي المباركي والذي أشار إلى تسجيل تقدم «طفيف» من جانب الطرف الحكومي إلا أنه لم يرتق - كما قال - الى تطلعات الشغالين. فشل لم يشكل مفاجأة بالنظر إلى النتائج التي أفرزتها الجولات التفاوضية السابقة والتي لم يبد فيها الطرف الحكومي القدر المأمول من الاستعداد الجدي لحلحلة الأزمة الناشبة بين الطرفين على الرغم من إعلان المركزية النقابية.. .. وبوضوح شديد عزمها وتصميمها على المضي قدما في تنفيذ قرارها بالاضراب العام اليوم 17 جانفي في الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومع ذلك، لا بد من القول أنه قد راود كثيرا من التونسيين أمل بأن تكون آخر الساعات حاملة تباشير تحريك الأمور في الاتجاه الايجابي وأن يتم الإعلان في آخر لحظة عن التوصل إلى اتفاق قد لا يرضي الجانبين تماما، لكنه قد يحظى بالقبول. فشل يتوقع معظم المراقبين والمتابعين للشأن الداخلي التونسي أن تكون تداعياته خطيرة على الأوضاع المتفجرة أصلا في البلاد حيث تستمر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في التفاقم لتشمل كل المجالات بعد ثماني سنوات من الثورة التي حلم شباب تونس وكهولها وحتى شيوخها بأن تحقق لهم نقلة نوعية نحو مستقبل أرغد حيث باتت جميع الاضواء الاقتصادية حمراء اضافة الى التراجع في جميع المجالات التربوية والصحية والرياضية والفنية وعجز السلطات الرسمية عن معالجة مختلف الملفات الحارقة. تلك الملفات التي كانت في طليعة المطالب التي رفعتها ثورة 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011، والتي كان من المفروض أن يتم إيلاؤها الأولوية المطلقة وفاء واحتراما للشهداء الذين سقطوا دفاعا عنها إلا أنه تم تغييبها من طرف جميع الحكومات التي تعاقبت منذ ذلك التاريخ بدءا من حكومة الترويكا، مرورا بحكومة الوحدة الوطنية وصولا إلى حكومة يوسف الشاهد، وسط زحام حروب التموقع والنفوذ السياسي والحزبي. نعم، ونقولها بصراحة، إن حكومات ما بعد الثورة قد افتقرت للارادة اللازمة لمعالجة الأزمات القائمة وإيجاد الحلول الناجعة لها، بما في ذلك الحكومة الحالية، والتي تأخرت كثيرا في القيام بالاصلاحات المطلوبة التي من شأنها أن تساهم في إصلاح الأوضاع المالية والاقتصادية وتنقية الأجواء الاجتماعية، على غرار إعلان حرب حقيقية على الفساد والتهرب الضريبي ومقاومة الاحتكار والمتاجرة بعرق الناس. لقد ساهمت مختلف هذه الحكومات في تفقير عامة الشعب عبر الترفيع في الأسعار وزيادة الضرائب والأداءات على الطبقات الكادحة، إلى الحد الذي دفع بالتحركات الاجتماعية قدما إلى الأمام لتصبح عامة لجميع القطاعات، ولا مفر لتفادي المزيد من انفلات الأوضاع باتجاه لا تحمد عقباه، من تغيير الاستراتيجيا نحو إقامة شراكة وحوار أكبر مع المعارضة والأطراف الاجتماعية.