كان من المؤمل أن تمضي أمس كل الأطراف المجتمعة في قصر قرطاج وهي خمسة أحزاب وأربع منظمات وطنية على وثيقة قرطاج 2 بعد أن تم حسم كل المسائل الخلافية المتعلقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية وهو ما يعني أن اللجنة المكلفة بتحديد خيارات جديدة للمرحلة القادمة قد حسمت أمرها واتفقت على 63 نقطة من جملة 64 فقطة كانت محل نقاش وحوار ورحّلت النقطه الخلافية الوحيدة إلى اجتماع رؤساء المنظمات والأحزاب المقرر عقده يوم الجمعة أو السبت المقبل وهي النقطة المتعلقة بمصير يوسف الشاهد وحكومته بعد أن تعذر التوافق حول بقائه من عدمه ، إلا أن منعرجا جديدا قد حدث أربك التوافق الحاصل بعد حسم كل النقاط الخلافية و شوش على عمل لجنة وثيقة قرطاج 2 وعمق الانقسام بين مكوناتها بخصوص مصير رئيس الحكومة نتيجة الدخول العلني للمدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي وإعطاء تعليماته لممثلي حزبه بالتمسك برحيل الشاهد وفرض حسم مصير رئيس الحكومة ضمن أعمال اللجنة المكلفة لتحديد أوليات وخيارات ومخرجات وثيقة قرطاج الجديدة من دون إرجاء النظر فيها إلى اجتماع رؤساء المنظمات والأحزاب الأمر الذي رفضه الكثير من الحاضرين الذين تضمروا من الطريقة التي ظهر بها المدير التنفيذي وأسلوبه في إدارة القضايا الخلافية التي رأي فيها البعض أنها لا تحل بسياسة الأمر الواقع ولا بسياسة فرض الرأي الواحد. ما يمكن قوله هو أن هذه الوثيقة الثانية لاجتماع قرطاج والتي أريد لها أن تكون مخرجا لكل العثرات التي رافقت عمل الحكومة في معالجة القضايا الشائكة واتفاقا جديدا لتجاوز المكبلات التي منعت الوضع الاقتصادي والاجتماعي من أن يتحسن هو أن هذه الوثيقة التي عرفت الكثير من الصعوبات في مرحلة الحوار والنقاش حول الرؤية المستقبلية لحلحلة الوضع بالبلاد وإدخال النجاعة المطلوبة على العمل الحكومي حتى يتم تجاوز الصعوبات قد ولدت عرجاء وخلقت مأزقا سياسيا كبيرا بطريقة وأسلوب معالجته أثار حفيظة الكثير من الأطراف فبعد أن كان أصل الالتقاء في هذا الاجتماع حول معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وحول إيجاد رؤية اقتصادية تعطي الأمل للشعب بأن المستقبل سيكون أفضل تحول الأمر إلى إشكال سياسي حول بقاء الشاهد أو رحيله وحتى هذا الإشكال اتضح اليوم أن دوافعه غير مؤسسة على تقييم موضوعي لعمله وأداء حكومته وحول ما انجزه وما أخفق فيه خلال المرحلة الأخيرة مقارنة بما تم الاتفاق عليه في وثيقة فرطاج 1 وإنما الذي اتضح اليوم أن المطالبة برحيله وراءها اعتبارات شخصية وحسابات خاصة فالجميع يعلم أن الخلافات بين الشاهد وحافظ قائد السبسي ليست خلافات حول مسائل تهم شواغل الناس ومعاشهم ولا حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية وإنما هو خلاف شخصي وراءه عدم الرضى على طريقة إدارة الشاهد لملف الفساد وإعلان حربة على الرموز التي حولها شبهات فساد وهذا الموقف من الشاهد يلتقي في خصوصه حافظ قائد السبسي مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يطالب هو الآخر برحيله لاعتبارات متعلقة بإدارته لملف المؤسسات العمومية وملف المفاوضات الاجتماعية والزيادة في الأجور وملف التقاعد وإصلاح الصناديق الاجتماعية التي يتهم فيها الاتحاد رئيس الحكومة بالتطبيق الحرفي لاملاءات صندوق النقد الدولي. لقد تحول اليوم الخلاف حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي من أجلها وبسببها جاءت الدعوة إلى إعداد وثيقة قرطاج 2 إلى خلاف سياسي تمحور حول بقاء الشاهد أو عدمه وتحولت هذه الوثيقة الجديدة إلى مأزق سياسي من تداعياته مزيد من هدر الوقت وإضاعة الفرص لتجاوز المعطلات الاقتصادية وتأثير هذا المأزق على وضع الناس ومعاشهم وإعطاء الانطباع بأن من يحكم همه الوحيد هو المصالح الشخصية و الحزبية الخاصة . إن المشكل السياسي الذي أفصحت عنه وثيقة قرطاج في نسختها الثانية لن يزيد الأزمة بالبلاد إلا تعميقا ولن يزيد الطيف السياسي إلا انقساما ولن يزيد الشعب إلا فقدانا للأمل بالتغير نحو الافضل فمسألة بقاء الشاهد من عدمه لم تعد اليوم في يد رئيس الدولة الذي أصبح في وضع لا يحسد عليه بعد أن طلب منه التدخل لحسم الموضوع لصالح إبنه حافظ ولصالح الشق المساند له من حركة نداء تونس فهذا ثاني رئيس حكومة يقترحه رئيس الدولة ويتم إعلان فشله وثاني حكومة محسوبة على هذا الحزب تتسبب في أزمة وتطالب حركة نداء تونس بإقالتها بما يجعل الباجي قائد السبسي في وضعية سيئة ومحرجة أمام الرأي العام خاصة وأن إقالة الحبيب الصيد مثل المطالبة برحيل الشاهد لا تحظى بتأييد شعبي. إن هذا المشكل السياسي الذي فجرته المطالبة بإقالة الشاهد رغم وقوف مدير المكتب التنفيذي لحركة نداء تونس والاتحاد العام التونسي للشغل وراءه لم يعد اليوم شأنا داخليا وإنما أضحى قضية يتحكم فيها المعطى الخارجي الذي أصبح مؤثرا في الحياة السياسية بعد الثورة فبقاء الشاهد هي قضية يتابعها الاتحاد الاوروبي ويهتم بها كذلك صندوق النقد الدولي وهاتان الجهتان تبحثان عن الاستقرار لضمان تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة التونسية فذهاب الشاهد منذ أسابيع قليلة في زيارة إلى الاتحاد الاوروبي وإعلان تعهده بتنفيذ اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق معه في سنة 2019 وتعهده كذلك بتنفيذ كل الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي هي معطيات ترجح صعوبة فرض إقالة يوسف الشاهد داخليا وتميل إلى بقائه مدة أخرى بسبب الدعم الخارجي الذي يحظى به و السند الذي يلقاه باعتباره يمثل ضمانة لتنفيذ كل تعهدات الحكومة التونسية مع هذه الجهات المالية الخارجية المانحة. فهل كان على حق الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان حينما قال إن مشكل البلاد سياسي وليس اقتصاديا ؟