ساعات قبل افتتاح قمة بيروت الاقتصادية يظل الغموض سيد المشهد لا بشأن الحضور ولكن ايضا بشأن مصير هذا البلد الذي يستقبل ضيوفه دون أن يكون تجاوز عقدة تشكيل الحكومة التي لا تزال في حكم مخاض عسير يشهد بدوره على حالة العالم العربي ومعه لبنان التائه بين صراع الطوائف السياسية سنة وشيعة ومسيحيين وما تفرع عن كل منها... يقول الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي أن سبع وعشرين بندا على رأس الاولويات المطروحة للقمة العربية الاقتصادية التي تحتضنها بيروت غدا الاحد تحت شعار الاستثمار في البشر لتحقيق الازدهار والسلام للمواطن.. ولاندري صراحة ان كان مجرد انعقاد القمة في مثل هذا التوقيت يمكن اعتباره نجاحا في حد ذاته بالنظر الى قتامة المشهد وهشاشة الوضع العربي الذي يسير من سيء الى أسوأ.. والامر لم يعد يتوقف عند حدود المشاركة للرؤساء والقادة العرب ممن قرروا مقاطعة هذا الموعد الاقتصادي الذي يفترض أنه الاقل حساسية والاكثر ربما فرصا لتحقيق حد ادنى من التوافق بشأن مشاريع اقتصادية او استثمارات يمكن أن تزيل من الاذهان الاعتقاد المترسخ أسبابه بأن العرب لن يفلحوا في توحيد صفوفهم أو جمع ما شتاتهم والتظاهر بوحدة المصير مرة في السنة... المثير وقبل ساعات على افتتاح اشغال القمة خروج الامين العام احمد ابو الغيط مصرحا بأنه لا ليبيا ولا لبنان طلبت وساطة الجامعة العربية لتجاوز الازمة الجديدة بين البلدين والتي تأتي لتفاقم المشهد المتأزم أصلا على خلفية حرق العلم الليبي في بيروت والعودة للنبش في قضية غياب الامام الصدر منذ عقود.. وليس من الواضح أيضا ان كان الامين العام للجامعة العربية ينتظر تفويضا أو طلبا من احد الاطراف المعنية للتحرك والاخذ بزمام المبادرة وتفادي مزيد الانشقاقات التي تظل الجامعة في غنى عنها حتى هذه المرحلة وكأنه اذا ما اتخذ أي خطوة في اتجاه اطفاء اللهيب قبل تمدد الحريق قد يكون تجاوز صلاحياته أو خان رسالته وداس على قناعاته.. وتأتي تصريحات مساعده بشأن الموقف من عودة سوريا الى الجامعة العربية لتفاقم درجة الاستغراب وتدفع للتساؤل عن دور الجامعة وسبب وجودها اذا لم يكن تفادي سقوط سقف البيت على رؤوس اصحابه.. والحقيقة أنه عندما يعتبر المسؤول الثاني في جامعة الدول العربية أنه عندما تغيب الاصوات المعارضة لعودة سوريا سيتم اعلان عودة دمشق ذلك ما يؤشر الى عقلية غارقة في السلبية تعودت على الانتظار والجمود حتى تأتي اليها الحلول جاهزة ولم تتعود على المبادرة والمجاهرة بما يمكن ان يدفع الى تصحيح المواقف واعادة تحديد الاولويات وايقاف نزيف تدمير الاوطان وتشريد وانهاك الشعوب.. قبل ساعات على افتتاح قمة بيروت يبدو أن الحضور سيقتصر على رؤساء كل من تونس وموريتانيا والصومال ولبنان البلد المضيف اما بقية الدول فقد اختارت التخفيض في مستوى المشاركة وحتى الرئيس الفلسطيني الذي يكاد يكون الاكثر انضباطا واحتراما للمواعيد العربية حتى وان غابت نتائجها فسيكون في نيورك بعد انتخاب فلسطين رئيسا للجنة ال77 والصين.. ويبدو أيضا أن الجميع نسى او تناسى دور ومكانة لبنان الذي طالما تحمل العبء الاكبر في مختلف الصراعات والحروب التي هزت المنطقة تماما كما يبدو ان الجميع نسي او تناسى ما قدمه لبنان الذي سجل له التاريخ أنه صنع ملحمة غير مسبوقة ومن حطم اسطورة الجيش الذي لا يقهر وأعاد للعرب بعض من كرامة مهدورة... ليس سرا ان قمة بيروت الاقتصادية تأتي في ظل مشهد عربي يدعو للشفقة ويثير في النفوس المخاوف مما هو آت في ظل ما يحدث من فوضى وتدمير استعصى على العرب منفردين او جماعات بعد ان فقدوا روح المبادرة والمسؤولية واختاروا دور الشيطان الاخرس العاجز عن أي تغيير وكأن قدر الشعوب العربية أن تظل حبيسة الانقسامات والتشتت والانهيار وكأنه بات على الاجيال الصغيرة ان تتحمل وزر اخطاء الحكام السابقين ممن هان عليهم لبنان الجميل كما هان عليهم من قبل أوطان عربية كثيرة تكاد تندثر تحت وقع الخراب والدمار الحاصل بابنائها... الاكيد أن قمة بيروت التي تاتي قبل شهرين على القمة العربية بتونس في مارس القادم ستكون بمثابة المقدمة لما يمكن أن تؤول اليه القمة القادمة طالما بقيت العقليات على حالها في عجزها وقصورها في قراءة المخاطر واستباقها..