- من أقحم الاتحاد في السياسة هو من دعاه إلى قرطاج 1 و2 والسياسيون يتحملون مسؤولية تضخيم صورة المنظمة الشغيلة - أتساءل: ما دخل الدستور في تدهور قيمة الدينار أو ارتفاع المديونية والتضخم؟ - من يتحدث عن عدم استعداد التونسيين للحرية والديمقراطية يذكرنا بخطاب المستعمر واسترجاع للدكتاتورية احتفلت تونس أمس بالذكرى الخامسة للمصادقة على الدستور في ظل دعوات لتعديله وتعطل مسار الانتقال الديموقراطي. «الصباح الأسبوعي» حاورت رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر (2011-2014) الذي تحدث عن قلقله إزاء تباطؤ المسار الانتقالي، وقدم مواقفه من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد قبيل أشهر من الاستحقاقين الانتخابيين الرئاسي والتشريعي الثاني بعد إصدار الدستور. ●باعتباركم ساهمتم في وضع لبنة الانتقال الديمقراطي رئيسا للمجلس التأسيسي من خلال المساهمة في كتابة الدستور، كيف ترون بعض التصريحات التي تتحدث عن عدم فهم بعض الفئات في المجتمع التونسي للحرية والديمقراطية وهو أمر يردده بعض الفاعلين في المشهد السياسي؟ عندما أسمع مثل هذا الكلام تعود بي الذاكرة إلى مختلف الحقب التي مررت بها.. مثل هذا الكلام كان يقوله المستعمر. كانت فرنسا تعتمد هذا الخطاب لتبرير فرض الحماية والبقاء في تونس. كانت تدّعي أن التونسيين غير قادرين على تسيير شؤونهم واستيعاب قيم الحرية وممارسة الديمقراطية وقواعدها. والتونسيون الوطنيون رفضوا هذا الكلام بكل وضوح.. تحصلنا على استقلالنا وبنينا الدولة العصرية.. وقد تطورت الأوضاع لأكثر من ستين عاما، فكيف يقال أننا إلى الآن غير قادرين على ممارسة الديمقراطية؟ الأساس هو أن يتحرر الإنسان ويتخلص من الخوف الذي كان يعيشه نتيجة الكبت والقمع. هذا الخطاب تجاوزه الزمن.. وفيه استنقاص غير مقبول للشعب التونسي لقدراته وكفاءاته التي تتنافس دول الهجرة في استقطابها. هذه الحجة مردودة على أصحابها.. ●هل أن هذا الحديث محاولة لتحميل مسؤولية الأخطاء الحالية للمواطنين غير المؤهلين لممارسة الديمقراطية؟ مثل هذا الحديث يندرج ضمن إعداد المناخ لرجوع الدكتاتورية.. ما هي نتيجة هذا الكلام؟ إذا أخذناه مسلما ماذا يعني؟ يعني أن هؤلاء التونسيين مازالوا رعايا وغير قادرين على تسيير أمورهم.. هم رائعون عندما يقبلون على التصويت لفائدتنا ويكونون بذلك قد قاموا بالخيار الأمثل ولكن بعد أن يضعوا الورقة في الصندوق يتحولون إلى جهلة ورعايا وقصّر!.. هذا الكلام خطير لأنه شبيه بما كان يقوله المستعمر.. ورديف الاستعمار المعاصر هو النظام الديكتاتوري.. هذا حقيقة مؤسف إلى جانب تصرفات أخرى تبعث على الانشغال.. ●هنالك من يعتبر أن سبب تعطل المسار الانتقالي وحتى القفزة الاقتصادية هو النظام السياسي الذي أكدتم أنه ليس سببا لكل هذه الإخفاقات.. اليوم المكسب الوحيد البارز هو الحرية.. ونحن نحاول أن نركز الديمقراطية.. ولكن ماذا حققنا فعليا في البناء الديمقراطي؟ لقد أصدرنا دستورا يمثل القاعدة الصلبة للمسار الديمقراطي. وقد سبق أن صرحت بأنه أفضل دستور في العالم. ولكن هذا التصريح يجب أن يوضع في سياقه لأنه تعبير عن نشوة واعتزاز بما حققناه ووصلنا إليه بالرغم من الاختلافات والتجاذبات والصعوبات التي واجهناها. هو تصريح يختزل كل تلك اللحظات التي عشتها مع زملائي وزميلاتي في لجنة التوافقات والكثير منها في غياب الكاميرا. تلك اللحظات خلفت شعورا بالاعتزاز ونشوة تفسر صيغة المبالغة التي جاءت في التصريح. واليوم بعد وضع هذا الأساس لم نقم بتشييد البناء. لأن الدستور ينص على ضرورة إرساء هيئات دستورية مستقلة ومؤسسات رقابية دورها أن تدعم الديمقراطية. أين هي هذه الهيئات والمؤسسات؟ والدستور نص بكل صراحة وبكل وضوح على آجال ملزمة -لا آجال استحثاثية -كما يوهم البعض- ستة أشهر بالنسبة إلى المجلس الأعلى للقضاء وسنة بالنسبة إلى المحكمة الدستورية. المجلس الأعلى للقضاء تطلب الوقت الكثير وواجه عديد المشاكل وإلى يومنا هذا رئيسه وقتي. والمحكمة الدستورية عرفت ما لا يمكن للإنسان حتى تخيله. استغرق الأمر سنتين بين قبول الترشحات وفرز الترشحات. نحن عندما تجاوزنا السنة في صياغة الدستور قالوا لنا عليكم أن ترحلوا. هل يمكن أن نقبل أن إرساء المحكمة الدستورية لم يحصل بعد أكثر من أربع سنوات؟ ماذا رأينا من تطبيق واحترام للدستور حتى نقول أنه يجب تعديله؟ وفي أي اتجاه؟ في النظام السياسي؟ ●أساسا حول صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.. يمكن أن يكون هنالك إشكال في هذا الموضوع حول تقاسم المهام بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. لكن أولا نحن المؤسسون اخترنا أن يكون الرئيس رئيسا حكما. علما أن لديه مسؤوليات ومسؤوليات هامة -رغم ما يقال- الخارجية والدبلوماسية والدفاع ويمكن أن يترأس كل مجالس الوزراء ويمكن أن يحل مجلس النواب.. مسؤولياته ليست بسيطة.. ولكن لو فرضنا أن هنالك غموضا في تحديد المجال بين سلطة الرئيس وسلطة رئيس الحكومة.. الرؤساء الثلاثة بعد 2014 كانوا ينتمون إلى نفس اللون السياسي ومنذ ثلاث سنوات تقريبا السيد الباجي قائد السبسي كان يفعل ما يريد واختار رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد الذي كان في الحقيقة وزيرا أولا ثم اختار السيد يوسف الشاهد. ●ولكن رئيس الحكومة يوسف الشاهد تمكن من التخلص من عباءة الوزير الأول و»تمرّد» على رئيس الجمهورية.. السيد يوسف الشاهد تشبث بصلاحياته بشجاعة تحسب له.. وأنا أريد أن أتقدم هنا بنصيحة ليوسف الشاهد بخصوص مشروعه الجديد.. الطريقة هي التي تحدد النتائج إذا اتبع نفس خطوات النداء وكيفية تشكله فإنه سيصل إلى نفس النتيجة.. يمكن أن يفوز في الانتخابات ولكن الاستمرارية وإدارة شؤون الدولة غير ممكنة يجب أن يتجمع المناضلون حول مشروع وبرامج وقواعد سليمة. ●أنتم تعتبرون أن المسألة ليست مرتبطة بالنظام السياسي وإنما بالأشخاص ومصالحهم.. بالأشخاص والسياسات والأحزاب.. يقولون اليوم أن سبب الفشل هو الدستور ويركزون على النظام السياسي. ما دخل الدستور في تدهور قيمة الدينار أو ارتفاع المديونية والتضخم؟..يريدون تحميل الدستور مسؤولية الفشل في مجالات أخرى ليست لها علاقة لا بالدستور ولا بالنظام السياسي. هم يريدون نظاما على المقاس.. وما يقال حول الدستور والنظام السياسي يبعث على الانشغال لأنه يوحي بالندم على كل ما حدث سواء الثورة أو المسار الانتقالي أو الدستور كأنهم يريدون إلغاء كل هذا والعودة إلى ما قبله وهذا هو الخطر. ورأينا عديد المؤشرات مثل قانون المصالحة الإدارية الذي كان يهدف إلى إفراغ العدالة الانتقالية من مضامينها، كان يقال أنه سيملأ خزينة الدولة. بودنا أن نعرف حجم الأموال التي وفرها للدولة؟؟؟. ●في بداية المسار الانتقالي، أشادت مؤسسات البحث والتفكير الأجنبية بالتجربة التونسية، اليوم أصبح هنالك حديث عن أن الديمقراطية مهددة في تونس، برأيكم هل هو فشل أم نتيجة عقبات طبيعية يمكن أن يشهدها المسار؟ هل ننتظر شهادة من الخارج حتى نعرف أن هنالك فشلا؟.. الفشل ذريع وواضح.. طبعا كان سقف الانتظارات لدى التونسيين عاليا ولكن كل المؤشرات حاليا تراجعت والعزوف لدى المواطنين في تصاعد.. خلال السنوات الأربع الأخيرة لم نحقق شيئا يذكر لدعم الديمقراطية.. هنالك غياب للإرادة سياسية في وضع مؤسسات إما داعمة المسار الديمقراطي أو هي مؤسسات رقابية. إلى يومنا هذا البلاد مازالت تسير بالأحكام الانتقالية للدستور، الدستور يتحدث عن «سلطة» محلية ولكن يتم إصدار مجلة «الجماعات» المحلية إلى يومنا هذا لم يتم إدراج الكرامة في شعار الجمهورية التونسية وهل من المعقول بعد 8 سنوات من الثورة أن لا يوجد قانون للأحزاب. وليس هنالك تفسير لهذا التراجع إلا أنه هنالك حنينا للمنظومة القديمة. وإذا لم نتلاف هذه الأخطاء، المسار الانتقالي يصبح فعلا في خطر، هنالك مؤشرات جدية تدعو إلى القلق.. والمأمول في انتخابات 2019 أن يتم استخلاص الدرس تجاه المسئولين الذين منحهم الشعب ثقته لمواصلة المسار ولم يحققوا أي شيء خلال أربع سنوات. ●برأيك من يتحمل المسؤولية على مستوى الوضع الاقتصادي رئيس الحكومة «المتهم» بتطبيق إملاءات صندوق النقد أم تؤيد الآراء التي تعتبر أن اتحاد الشغل يؤجج الأوضاع الاجتماعية؟ الإصلاحات الهيكلية المنتظرة لم تتحقق. كان من المفروض أن تنطلق منذ اليوم الأول بعد الانتخابات ولو انطلقنا فيها منذ 2015 لكنا بصدد جني ثمارها اليوم. لم يتحقق أي شيء من هذا الأمر بل إن الحكومات التي تتالت من 2015 هي حكومات تصريف أعمال ولم يكن لها لا برنامج ولا خيارات واضحة. والسبب الأصلي يعود إلى أن تشكيل الأغلبية كان متسرعا واعتباطيا ولم ينبن على برنامج صلب ولا على رؤية مشتركة واضحة. ●الحكومة تعتبر أن اتحاد الشغل لم يترك لها الفرصة لتحسين الوضع الاقتصادي في ظل المطلبية المتواصلة؟ هم نفس الأشخاص الذين طالبوا الاتحاد بلعب دور في 2013 واستنجدوا به ليخرجهم من المأزق. هنا نسألهم هل ترون أن من حق الاتحاد أن يدلي بدلوه في القضايا الوطنية بما فيها تلك التي لها طابع سياسي أم لا؟ والجواب يكون دائما نفس الجواب لا أن تستعين به متى تريد ثم بعدها تقول له لا تتدخل واهتم بشؤونك.. الاتحاد الذي قاد الحوار الوطني وتحصل على جائزة نوبل جيّد والاتحاد الذي يطالب بالزيادات ويقوم بإضراب عام سيء.؟.إلى جانب ذلك من طبيعة الاتحاد العام التونسي للشغل أن يدافع على منظوريه هذه هي مهمته الأساسية. من أقحمه في السياسة هو من دعاه إلى وثيقة قرطاج 1 و2. أرادوا مرة ثانية توظيف الاتحاد لمصالحهم لكن عندما يدافع عن مصالح منظوريه هنا نتهمه بأنه تجاوز الحدود..الانسجام في المواقف مطلوب. من ناحية أخرى أن السياسيين يتحملون المسؤولية اليوم في تضخيم صورة الاتحاد وتحميله مسؤولية المشاكل الحالية.. هذا ناتج أيضا عن غياب المعارضة وتشتتها وضعفها على الميدان وفي المؤسسات التمثيلية.. في نهاية الأمر الاتحاد يملأ فراغا.. إذا ملأت القوى السياسية هذا الفراغ سيقل تدخل الاتحاد في الشأن السياسي شيئا فشيئا. في موضوع المطلبية والتفاوض، هنالك خلل في المنهجية العامة للحكومة. لا ننسى أن هنالك المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي تأسس في 14 جانفي 2013 ولكن للأسف لم يتم وضعه إلا أخيرا أي بعد مرور 5 سنوات.. لم يريدوا تفعيله في حين أنه الإطار الأمثل في رأيي الذي يمكن أن تطرح فيه الخيارات العامة للبلاد لأنه يجمع الأعراف والاتحاد والحكومة. ويمكن أن يحصل فيه اتفاق على التوجهات العامة. ولو تم تفعيله حقيقة حتى نعرف وجهتنا لتفادينا المزايدات وما نعيشه من احتقان. هنالك مسلّمات لأن من يمارس الحكم لديه ضغوطات ومن يدافع عن الطبقة الشغيلة من حقه ذلك ومن ينتقد التعامل مع صندوق النقد عندما يتولى الحكم غدا سيتعامل معه كلما دعت الضرورة لذلك... لابد من تجاوز الخلافات الإيديولوجية والاتفاق حول نموذج تنموي اقتصادي واجتماعي جديد يحقق الكرامة التي اندلعت الثورة من أجلها. ●ما رأيكم في ما يسمى «لعنة النهضة» أو بمعنى آخر أن النهضة تحطم سياسيا كل من يحكم معها، النداء.. التكتل.. المؤتمر..؟ لو يتغير السؤال إلى كيف يمكن لنا نحن أن نحافظ على تماسكنا؟ كما أن الأمر لا يتعلق بالأحزاب التي كانت في الحكومة فحسب، أين أحزاب مثل المسار والجمهوري؟ حتى الأحزاب التي كانت في معارضة شرسة ضد الترويكا هي أيضا خسرت مواقعها.. وما سمي التصويت المفيد لم تستفد منه إلا الأطراف التي قامت بشيطنة بعضها البعض وسيطرت ماليا وإعلاميا على المشهد. ●حاليا هنالك استعادة لنفس سياق التصويت المفيد.. نعم هذا ما يفعلونه اليوم.. إذ تحول الأمر إلى أصل تجاري يتم استدعاؤه وقت الحاجة. وخاصة ليلة الانتخابات. ● في انتخابات 2019، هل يمكن أن تقدموا ترشحكم للرئاسة؟ من المبكر الحديث عن ذلك.. أنا كمواطن ومناضل أرى أني أهل لتحمل المسؤولية وقد ترشحت سنة 2014 ولكن يجب على الإنسان عندما يدخل في منافسة وفي ظل عدم استقرار المشهد السياسي الذي مازالت رماله متحركة أن تكون له حظوظ معقولة. وأن يفكر مليا في برنامج ما بعد الانتخاب حتى نتفادى ما حصل بعد انتخابات 2014 من تناقض بين الموعود والمنجز. ●يعني حسب المنافسين الذين يمكن أن يترشحوا؟ لا حسب تطور الأوضاع.. الإنسان عندما يترشح لا يترشح لنفسه ولكن عندما يقتنع أنه قادر على الإفادة.. وأن له حلولا للمشاكل المطروحة.. ●هل تتوقعون أن للرئيس السابق المنصف المرزوقي حظوظا في 2019؟ اسألي الزرقوني رغم أن مسألة سبر الآراء تثير الكثير من الجدل. والمشهد السياسي اليوم متحرك ولا يمكن التنبؤ بصاحب الحظوظ الأكبر.. ● ورئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي قادر على أن ينافس؟ نعم هذا لا شك فيه ولكن الترشح مرة أخرى مرتبط بتقييمه لأدائه إذا كان يرى أن ولايته ناجحة فمن المنطقي أن يعيد الكرة. هو قال إن الوضع سيئ ويسير إلى الأسوأ. لا أعرف هل بدأ الأسوأ أم سيأتي وما هي نسبة مسؤوليته في ما يجري؟ هذا سؤال يطرح عليه.