كشف مهرجان مسقط في دورته الحادية والعشرين عن الاهتمام المتزايد لسياسة سلطنة عمان بالثقافة والفنون الذي ما انفك يسجل في السنوات الأخيرة ويتجلى ذلك من خلال العدد الكبير من الفضاءات الثقافية والمعالم والمواقع التراثية والأثرية في مسقط وغيرها من المدن الأخرى على غرار صلالة خاصة أن جل هذه الفضاءات حديثة العهد بالتشييد والنشاط لاسيما أن الدورة تضعها ضمن خارطتها السياحية التي تحاول الترويج لها على نطاق واسع وتستقطب هذه الفضاءات اليوم أعدادا كبيرة من السياح. لعل من أبرزها فضائي دار الأوبيرا السلطانية والمتحف الوطني والمتحف العماني الفرنسي بالعاصمة مسقط. إذ تعد دار الأوبيرا السلطانية، التي تتركز وسط العاصمة مسقط وتحديدا في مدينة "القرم" السياحية، مركز إشعاع للثقافة والعمانية من ناحية ومنارة لاستقطاب وتقديم عروض عالمية لجماهير من مختلف الجنسيات من ناحية أخرى وفق ما أكده القائمون على هذا الهيكل الذي يتميز باعتبار أنها أول دار أوبرا في منطقة الخليج العربي وفتحت أبوابها لاحتضان العروض منذ سنة 2011. وهي أشبه بتحفة معمارية شيدت على مساحة كبيرة وتتضمن 8 طوابق يقع 3 منها تحت الأرض، ويتناغم فيها التراث المعماري العماني والعربي والإسلامي في عهود مختلفة. وتبلغ طاقة استيعابها 1100 شخص ويمكن أن يرتفع العدد حسب مقتضيات العروض بتمدد المساحة الخاصة بالمقاعد والتي تتضمن أيضا شاشة لترجمة كلمات الأغاني. وتتضمن أيضا حدائق رسمية وسوق ثقافية إضافة إلى مركز الفن للإنتاج الموسيقية والمسرحية والأوبرالية وغيرها. فهذا المبنى الضخم والممتد على مساحات كبيرة هو متعدد الاستعمالات إذ يخصص لاحتضان حفلات الأوبيرا العالمية إضافة إلى العروض الموسيقية والمسرحية فضلا عن المؤتمرات والملتقيات الثقافية والفنية المختلفة. وهي من المعالم المصنفة في التراث العالمي "اليونسكو" كغيرها من المعالم العديدة الأخرى. واحتضنت خلال الأسبوع المنقضي عديد العروض الفنية العالمية لعل أبرزها عرض الفنانة نوال الكويتية وباليه الفلامينكو وميادة الحناوي وغيرهم. لذلك يعد هذا المبنى مزارا للسياح وللمواطنين والمقيمين بهذا البلد. شاهد على تاريخ خاص من جهته يعد المتحف الوطني العماني الذي تأسس سنة 2013 قبلة لأعداد كبيرة من الزوار بصفة يومية. ورغم حداثة تشييده فإنه يتضمن مادة متنوعة شاهدة على خصوصية هذا البلد الثقافية والحضارية وتجذره في التاريخ والحضارة باعتباره بلدا يعتمد بدرجة أولى على البحر كمورد للقوة الاقتصادية العسكرية والثقافية باعتبار انتشار الأغاني والفرق الموسيقية الخاصة بالبحر والبحارة. إذ يعد هذا المتحف الصرح الثقافي الأبرز في سلطنة عُمان ويتضمن مادة تراثية تشهد على عراقة هذا البلد أي من ظهور الأثر البشري في شبه الجزيرة العُمانية قبل نحو الملايين من الأعوام قبل ميلاد المسيح إلى يومنا الحاضر. ويهدف المتحف إلى تحقيق رسالته التعليمية والثقافية والإنسانية من خلال ترسيخ القيم العُمانية النبيلة وتفعيل الانتماء والارتقاء بالوعي العام لدى المواطن والمقيم والزائر لاسيما في مجالات الحفاظ على الشواهد والمقتنيات وإبراز الأبعاد الحضارية لعمان وذلك بتوظيف واعتماد أفضل الممارسات والمعايير المتبعة في مجالات العلوم المتحفية وبتقديم الرؤية والقيادة للصناعة المتحفية بالسلطنة خاصة أن هذا المتحف يتضمن 43 منظومة عرض تفاعلي رقمية تتوزع بين 14 قاعة تضم 5500 مادة أثرية وتاريخية من بينها ما استعاره المعرض، ل"لقيات" ومجسمات وخرائط قديمة ومنحوتات وغيرها من معارض من بلدان أخرى من أنقلترا وفرنسا وتركيا وغيرها. وهو أول متحف بالشرق يعتمد منظومة "برايل"، الخاصة بفاقدي البصر، باللغة العربية. إذ يتضمن بعض ما اعتمده أحمد بن ماجد العماني الملقب بمعلم البحر ومجسم سفينة فاسكو ديقاما وكل ما يتعلق بالتاريخ البحري وعظمة الإسلام على غرار مخطوط بخط يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأزياء ومعدات حربية قديمة. كما توجد بمسقط وغيرها من المدن الساحلية والجبلية عديد الأبراج القديمة التي تعد بدورها من أبرز معالم سلطنة عمان التراثية والتاريخية وهي معتمدة ضمن المسالك السياحية للبلاد. عروض ومعارض لم تكن الثقافة والفنون مجرد أنشطة وتظاهرات تستقطب من لهم علاقة بمثل هذه الأنشطة وإنما أثبتت البرامج المنتظمة في إطار هذا المهرجان أنها كانت ضمن اختيار مدروس، فاعل وناجع على نحو يتم اعتمادها كأداة وعنصر أساسي في سياسة الدولة ليلقي بظلاله على مختلف الأنشطة والبرامج والمشاريع الاقتصادية. وهو ما تبين من خلال تفاصيل مهرجان مسقط حيث كانت الثقافة العمانية بخصوصياتها الحضارية والمعمارية والفكرية حاضرة بقوة في المعارض الطبية والصحية والصناعية والمالية والألعاب والأنشطة الترفيهية والرياضية وذلك من خلال ما تعرضه القرية التراثية من صناعات تقليدية وملابس وآلات موسيقية وأكلات. وهو ما جعل من هذه "السلطنة" تكون قبلة أعداد كبيرة من السياح من بلدان عربية والهند وإيران وغيرها من البلدان الآسيوية خلال هذه الفترة هو توفر أرضية تمهد للاستمتاع والترفيه والراحة. فموازاة مع أدوارها، احتضنت هذه الفضاءات عروضا وسهرات فنية متنوعة شارك فيها ثلة من الفنانين والفرق الموسيقية العمانية على غرار مسلم كيهود المعروف بأداء الأغاني الطربية وفن الشرح البدوي وفن البرعة والفنان الصاعد منذر الجنيبي ليقدم هذا الثنائي سلسلة من الحفلات الغنائية في نفس المهرجان فضلا عن عروض الفرق الفولكورية والشعبية الأخرى. كما كانت الفنون التشكيلية ضمن الخطوط العريضة لبرنامج مهرجان مسقط. فأروقة دار الأوبيرا السلطانية والمتحف الوطني ومنتزهات العامرات والنسيم والقرم وغيرها احتضنت في نفس السياق معارض للفنون التشكيلية والخط العربي لفنانين عمانيين رائدين في هذا المجال نذكر من بينهم راضيكا هاملاي المختصة في اعتماد النسيج في لوحاتها والفنان التشكيلي سالم المحروقي الذي تحدى إعاقته السمعية إضافة إلى إدريس الهوتي ومحمد فاضل وغيرهم. علي الحسني: تونس بوابة ثقافية أكد علي الحسني مساعد رئيس لجنة الإعلام بمهرجان مسقط أن تكاتف جهود عديد الجهات الحكومية وغيرها من أجل إنجاح هذا المهرجان يبرر أهمية هذه الفعاليات خاصة في ظل ما عرفه من تطور وشمولية بما يخدم الصورة الحقيقية لواقع سلطنة عمان ومميزاتها الثقافية والحضارية. لأن الهدف الأساسي حسب تأكيده هو انفتاح سلطنة عمان على الآخر الأجنبي عربيا كان أم غربيا خاصة في ظل ما تتميز به من أرضية طبيعية وثقافية ولوجيستية ومن مقومات حضارية كفيلة على جعل "السلطنة" مجالا سياحيا بامتياز فضلا عن سياسة الدولة لفتح المجال للاستثمار الأجنبي. كما اعتبر علي الحسني أن الانفتاح على تونس في هذه المرحلة يعد هدفا ومسعى ستعمل الجهات القائمة على المهرجان على تفعيله بشكل أوسع في الدورات القادمة للمهرجان على اعتبار أن هذا يمهد للانفتاح على البلدان العربية والإفريقية والأوروبية.