المفاجات التي ترتبط بتوجهات وخيارات السياسة الخارجية للرئيس الامريكي لا يبدو انها قريبة من نهايتها.. فبعد ان اعلن ترامب تعزيز الوجود العسكري الامريكي في افغانستان يأتي الاعلان من جانب الخارجية الامريكية عن تقدم حاصل في المفاوضات مع حركة طالبان بهدف تحقيق المصالحة والسلام المفقود في هذا البلد.. والمفاجات لا تتوقف عند هذا الحد حيث سيكون الملا اختر منصور القائد الجديد لطالبان بعد موت الملا عمر شريك في هذه المفاوضات ويتحول بذلك من مرتبة المقاتل واحد القيادين المؤسسين لتنظيم طالبان الى مفاوض لا من اجل السلام فقد ولكن وهذا الارجح من اجل احتمال عودة طالبان الى مقاليد الحكم في افغانستان حيث سيكون من غير الممكن ان تقبل الحركة بالدخول في مفاوضات مع واشنطن واسلام اباد دون الحصول على ضمانات باستعادة السلطة التي خسرتها في اعقاب شهرين من التدخل الامريكي في افغانستان.. والارجح ان الايام القليلة القادمة وحدها ستكشف مدى صحة هذه التوقعات التي تستند كذلك الى العودة القوية للهجمات والتفجيرات اليومية التي تنفذها الحركة في مختلف انحاء افغانستان وخاصة في العاصمة كابول بما في ذلك المناطق المعزولة عسكريا وذلك بعد أن كبدت طالبان القوات الامريكية والقوات الافغانية الكثير من الخسائر المادية والبشرية. ولكن ايضا ان تكشف وهذا الاهم أن العقيدة التي قامت عليها طالبان لتاسيس دولة الخلافة لم تسقط من حساباتها ولم تختف من اولوياتها.. وقد لا يكون من المبالغة اعتبار ان في ذلك فشل للقوات الامريكية ولقوات التحالف التي تتولى منذ عقد ونصف تدريب القوات الافغانية لتحمل مسؤولية حماية المنشآت في البلاد والتي كشفت عن فشل وعجز في تحمل المهمة.. ... وبعد ثمانية عشر عاما على اجتياح افغانستان في اعقاب هجمات سبتمبر 2001 وظهور اسامة بن لادن على قناة الجزيرة لتبني تلك الهجمات, تعلن ادارة الرئيس ترامب قرارها سحب قواتها من هذا البلد مقبرة السوفيات وقبلهم البريطانيين, بل وتكشف الادارة الامريكية عن مفاوضات مع حركة طالبان التي شنت عليها الحكومات الامريكية المتعاقبة حربا طويلة ستسجل بانها أطول الحروب الامريكية واكثرها كلفة على الاطلاق بعد حرب فيتنام للقضاء على التنظيم الذي يبدو أنه تحول الى شريك جديد للامريكيين بهدف الهروب من المستنقع الافغاني.. وللتذكير فقد كان الامين العام المساعد للحلف الاطلسي اباتوراي الذي كان في زيارة لتونس قبل ايام كشف في حديث ل»الصباح» التقدم الحاصل في المفاوضات مع طالبان.. والغريب أن تتجه الخارجية الامريكية الى هذه المفاوضات بمعزل عن السلطات الافغانية الرسمية أو هذا على الاقل ما يفترض اذا اعتبرنا أن الرئيس الحالي تولى السلطة خلفا لقرضاي بعد انتخابات وصفت بالشفافة وهو ما يشكل حرجا بالنسبة للرئيس الافغاني الذي يجد نفسه في موقف المتفرج على المفاوضات الثلاثية الامريكية الباكستانية الطالبانية والتي اذا ما انتهت الى الاهداف والنتائج التي حددتها واشنطن بأن تلتزم طالبان بالتصدي لتنظيمي»القاعدة وداعش» في هذا البلد فقد يكون ذلك بداية تهيئة الارضية لتطبيع العلاقات مع طالبان وربما لتمكينها من العودة الى السلطة وتنتهي بذلك حلقة من الحروب التي استمرت ثمانية عشر عاما منذ هجمات سبتمبر الماضي ولكن دون أن تنجح في القضاء على تنظيم حركة طالبان او حتى الحد من امتدادها وهيمنتها على المشهد الافغاني بعد كل الخسائر المادية والبشرية التي منيت بها القوات الامريكية في افغانسان وبعد نجاحها في القضاء على زعيمها اسامو بن لادن.. ولاشك أن في تصريحات وزير الخارجية الامريكي بومبيو بشأن التقدم الحاصل في المفاوضات مع طالبان ما يعزز القناعة بفشل سياسة الخيارات العسكرية الامريكية والاطلسية في هذا البلد حيث تعود الادارة الامريكية الراهنة الى نقطة البداية وتقبل التفاوض مع ما كانت تعتبره العدو الاول منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط العدو السوفياتي.. بومبيو الذي كتب على موقعه على تويتر»إن الولاياتالمتحدة جادة في إعادة القوات المسلحة إلى الوطن وملتزمة جديا بتحقيق السلام، مما يضع حدا للوضع الذي تظل فيه أفغانستان مرتعا للإرهاب الدولي. وستعمل بجد لتحقيق المصالحة والسلام في أفغانستان»تعني اعترافا صريحا بالفشل في افغانستان وهو ما يدفعها للبحث عن مصالحة مع طالبان. ويبدو أن بومبيو وجد في زلماي خليل زاده الامريكي الافغاني الذي تولى حقيبة الخارجية في حكومة قرضاي وسيطا مهما في هذه المفاوضات التي يبدو أن الهجمات اليومية الدموية لطالبان والتي استهدفت المصالح الامريكية والاجنبية ونجحت في اختراق اكثر المناطق المعزولة وضرب مراكز الجيش ومختلف المؤسسات العسكرية والرسمية دفعت واشنطن الى هذه المفاوضات كرها وليس عن قناعة او رغبة في ذلك.. وقد بات واضحا أن طالبان تحولت من موقع العدو الى الشريك وستحتضن الدوحة جولة مرتقبة من المفاوضات بعد أن بات لها مكتب في قطر يديره احد زعماء الحركة الملا عبد الغني برادار.. وفي انتظار ما ستؤول اليه تطورات المشهد الافغاني ونتيجة المفاوضات التي خرجت من السرية الى العلن يبدو جليا محدودية الخيار العسكري في مسار الحرب على الارهاب بما يعني انه سيتعين توقع المزيد من التغييرات في مسار المواقف الامريكية باكثر من مائة وستين درجة ومن يدري فقد يكون في ذلك مقدمة لفتح جسور التفاوض مع مزيد من الحركات الارهابية المتطرفة في سوريا والعراق وليبيا.. وربما المزيد من الصفقات الخفية في مسار الحرب على الارهاب..