بعد انقضاء أسبوع من ضخ التمويلات الخارجية المتعلقة بالقرض السعودي الذي تحصلت عليه تونس، عرف منسوب المدخرات الوطنية من العملة الأجنبية تناقصا بحوالي 6 أيام توريد، فبعد أن عرف انتعاشة بحر الأسبوع الماضي ليصل إلى مستوى 14900 مليون دينار أي ما يعادل 91 يوم توريد نزل بتاريخ يوم أمس إلى حدود 14355 مليون دينار بما يساوي 86 يوم توريد. وهو ما يؤكد في كل مرة يتم فيها ضخ تمويلات خارجية بالعملة الصعبة إلى خزينة الدولة الانتعاشة المؤقتة لمخزوننا الوطني من النقد الأجنبي أمام تواصل نزيف استغلاله في وقت وجيز نظرا لارتفاع الطلب على العملة الأجنبية. ويرى العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي أن الدولة اليوم لا يمكن أن تعول فقط على التمويلات المالية المتأتية من القروض الخارجية لأنها تبقى ظرفية ولن تعالج الأزمة التي تعيشها بلادنا نحو ما يزيد عن الأربع سنوات متتالية بعد أن تواصل وبنسق سريع استنزاف مدخراتنا الوطنية من النقد الأجنبي لتصل إلى ما دون ال10000 مليون دينار أي ما يعادل ال69 يوم توريد خلال أشهر الصيف تحديدا في شهر أوت المنقضي.. وبالتالي فان الدولة اليوم مطالبة بإيجاد حلول بديلة تحافظ من خلالها على مستوى هام من المخزون من العملة الأجنبية وإجراءات لتنظيم الطلب على العملة عبر سن قوانين صارمة تقنن من الاستغلال العشوائي للعملة، كما من الضروري اليوم أن تهتم الدولة بأهم المصادر المدرة للعملة الصعبة على غرار السياحة التي حققت عائداتها نموا مطردا في السنة الماضية ب23 % على أساس سنوي، فضلا عن قطاع التصدير خاصة في الفسفاط والمواد الفلاحية.. وبعد أن أجمع خبراء المال والأعمال على أن السبب الرئيسي لنزيف العملة الصعبة هو التوريد العشوائي، فقد اعتبر العديد منهم أن الحكومة مطالبة بالوقوف جديا عند ملف التوريد والارتفاع الكبير للواردات التونسية في ظل تواصل انخفاض الصادرات وهو ما أدى بدوره إلى تواصل عجز الميزان التجاري... وبالرغم من الإجراءات التي أوجدتها الحكومة للحد من نزيف العملة الأجنبية والتي تم تفعيلها كامل سنة 2018 من قبيل الإجراءات الحمائية ومساعي البنك المركزي من خلال وقف منح القروض للتجار، إلا أنها لم تأت أكلها ولم تتمكن من السيطرة على هذا الانزلاق التاريخي ليتجاوز اليوم الخطوط الحمراء. وهو ما دعا العديد من المتدخلين في الشأن المالي إلى ضرورة إيقاف التوريد نهائيا في عدد من المواد الاستهلاكية خاصة الكمالية منها باعتبار أن الواردات ارتفعت لتصل في مجملها الى قرابة 60 مليار دينار، منها 6 مليار دينار مواد استهلاكية ضرورية في حين تناهز بقية الواردات ونعني الكمالية منها حدود 52 مليار دينار.. ويبقى في هذه الحالة إجراء وقف التوريد من أنجع الحلول للحد من النزيف المتواصل لاستغلال العملة الأجنبية وربح موارد مالية إضافية لخزينة الدولة من النقد الأجنبي وهو ما سيجنبها التعويل على مصدر بعينه وهو الاقتراض لأنه يظل من المصادر المسكنة التي لا تعالج أزمة تناقص مدخراتنا من العملة الصعبة.