بعد النزيف المتواصل الذي عرفته مدخراتنا الوطنية من النقد الأجنبي الذي لازمها قرابة السنة، عرف بين اليومين الأخيرين انتعاشة ليصل إلى حدود ال 15096 مليون دينار أي ما يعادل 91 يوم توريد بما يغطي 10 أيام توريد إضافية، بعد أن كان خلال الأسبوع المنقضي في حدود ال 81 يوم توريد، وذلك بفضل ضخ تمويلات خارجية جديدة إلى بلادنا والتي تتعلق بالقرض الممنوح من قبل السعودية والمقدر ب 500 مليون دولار بما يعادل ال 1490 مليون دينار. وبالرغم من أهمية هذه التمويلات في الرفع من منسوب مدخراتنا الوطنية من العملة الأجنبية بفضل القروض والتمويلات الخارجية، إلا أنها تبقى ظرفية ولن تعالج الأزمة التي تعيشها بلادنا نحو ما يزيد عن الأربع سنوات متتالية بعد أن تواصل وبنسق سريع استنزاف مدخراتنا الوطنية من النقد الأجنبي لتصل إلى ما دون ال 10000 مليون دينار أي ما يعادل ال 69 يوم توريد خلال أشهر الصيف تحديدا في شهر أوت المنقضي.. هذه المعدلات التي سجلها الاحتياطي الوطني لأول مرة منذ عقود تفسر الانهيار التاريخي والقياسي مقارنة بالمعدلات العالمية لاحتياطي أي دولة والتي يقاس من خلالها استقرارها المالي.. وقدرتها على سداد الديون والتوريد والاقتراض... فاليوم، لا يمكن للدولة أن تعول فقط على القروض والتمويلات الخارجية بل هي مطالبة بإطلاق إجراءات فعلية للحد من نزيف العملة الأجنبية دون الاقتصار على البعض منها على غرار الإجراءات الحمائية التي لم تأت أكلها والتي كانت قد أطلقتها الحكومة خلال السنة الماضية بهدف ترشيد التوريد باعتباره السبب الرئيسي وراء تراجع المخزون، بعد أن فرضت اداءات جديدة على عدد من المواد الموردة، فضلا عن تحديد وزارة التجارة لقائمة تضم حوالي ال 220 منتجا غير ضرورية من بينها عدد من المواد الغذائية مثل أنواع من الأسماك والأجبان والفواكه إضافة إلى العطور والخمور وبعض الأجهزة الكهربائية مثل آلات التكييف. كما أمر البنك المركزي من جهته البنوك المحلية بوقف منح قروض للتجار لتمويل واردات حوالي 220 منتجا استهلاكيا في نفس السياق الذي يتنزل فيه قرار وزارة التجارة، باعتباره قرارا صادرا عن الجهتين الرسميتين. وبالرغم من المساعي الكبيرة من قبل الدولة والبنك المركزي للمحافظة على مدخراتنا من العملة الصعبة، إلا أنها لم تسيطر بعد على هذا الانزلاق المتواصل ليتجاوز اليوم الخطوط الحمراء. وتبقى مثل هذه الحلول الظرفية والتي على رأسها التمويلات الخارجية التي تنعش خزينة الدولة من النقد الأجنبي ظرفية ولن تعالج الأزمة الحقيقة للنزيف المتواصل، حيث يمكن أن تستنزف هذه التمويلات الجديدة في ظرف أسبوع وهو ما يعيدنا من جديد إلى أزمة تناقص المدخرات، وحتى التمويلات المزمع ضخها من قبل صندوق النقد الدولي والمقدرة بما يناهز ال 255 مليون دينار والتي تتعلق بالقسط السادس من القرض الممدد في صورة نجاح زيارة بعثة الصندوق...