بعد انقضاء الأسبوع من تاريخ ضخ التمويلات الجديدة في خزينة الدولة والمتأتية من إصدار بلادنا لسندات في السوق المالية العالمية والمقدرة بحوالي ال 500 مليون يورو أي ما يعادل ال 1635 مليون دينار تونسي بما يغطي 10 أيام توريد، تم استنزاف ما يقارب ال 1120 مليون دينار من مدخراتنا من العملة الصعبة لينتقل عدد أيام التوريد من 83 يوما بتاريخ 31 اكتوبر 2018 إلى حدود ال 79 يوم توريد بتاريخ يوم أمس. ليعود بذلك رصيد تونس من العملة الصعبة إلى 12.8 مليار دينار حتى موفى شهر أكتوبر المنقضي بعد أن تعدى بفضل القرض الجديد حدود ال 13.3 مليار دينار، وبما أن يوم توريد واحد يساوي 160 مليون دينار فقد تم بذلك استنزاف أكثر من 50 بالمائة من حجم التمويلات الجديدة، حسب تفسير عدد من المراقبين في الشأن المالي. وبالتالي فان التوقعات تؤكد من جديد بان تتجاوز حاجيات بلادنا من العملة الصعبة ال 1600 مليون دينار خلال الأيام القليلة القادمة وهو ما سيؤدي إلى عودة تناقص مدخراتنا الوطنية من العملة الأجنبية في ظل غياب مصادر التمويل التقليدية على غرار التصدير والسياحة.. وبالرغم من الانتعاشة الطفيفة التي تشهدها خزينة الدولة بين الحين والآخر بفضل القروض والتمويلات الخارجية، مازالت بلادنا تعاني من نقص كبير في احتياطها من العملة الصعبة ليأخذ في الآونة الأخيرة منحى سلبيا ويسجل أدنى معدلاته منذ مطلع السنة الجارية بعد نزوله إلى ما دون ال70 يوم توريد. هذه المعدلات التي سجلها الاحتياطي الوطني لأول مرة منذ عقود تفسر الانهيار التاريخي والقياسي مقارنة بالمعدلات العالمية لاحتياطي أي دولة والتي يقاس من خلالها استقرارها المالي وقدرتها على سداد الديون والتوريد والاقتراض.. فاليوم، لا يمكن للدولة أن تعول فقط على القروض والتمويلات الخارجية بل هي مطالبة بإطلاق إجراءات فعلية للحد من نزيف العملة الأجنبية دون الاقتصار على البعض منها على غرار الإجراءات الحمائية التي لم تأت أكلها والتي كانت قد أطلقتها الحكومة خلال السنة الجارية بهدف ترشيد التوريد باعتباره السبب الرئيسي وراء تراجع المخزون. كما طالب العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي بضرورة توقيف التوريد نهائيا لمعظم المواد الكمالية والسماح فقط بتوريد الأدوية والمواد الأساسية والمحروقات. كذلك، من الضروري أن يهتم البنك المركزي ومن ورائه الدولة بالتحكم أكثر ما يمكن في انهيار سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية المرجعية وهي اليورو والدولار باعتبارها من أهم الأسباب وراء تراجع المخزون الوطني من العملة الصعبة، إذ فقد الدينار أكثر من 13 بالمائة من قيمته مقابل اليورو، وفي حدود ال 7.6 بالمائة مقابل الدولار الأمريكي في الفترة الممتدة ما بين شهر أوت 2017 وأوت 2018. وبحل مثل هذه الإشكاليات والصعوبات يمكن للدولة أن تتجاوز أزمتها الكبيرة المتعلقة بتواصل تناقص العملة الأجنبية التي تلازمها طوال السنوات الأخيرة.. وفاء بن محمد