تونس الصباح للفنان المسرحي توفيق الجبالي موقف أضحى معروفا من المهرجانات الصيفية.. إنه وبعد ان كان لا يتردد في أن يكون حاضرا ضمن سهراتها وعروضها اما من خلال اعماله المسرحية أو بصفته ممثلا (مسرحية «اسماعيل باشا») ذات صائفة على مسرح قرطاج الأثري.. فإنه أصبح يتحاشى بالكامل هذه المهرجانات الصيفية خاصة في السنوات القليلة الماضية ويعتبرها مجرد «تخميرة» فارغة وبدون معنى ولا هدف واضح.. أذكر أنني سألته ذات مرة: لماذا تقاطع المهرجانات الصيفية ولا تطلب برمجة انتاجات «التياترو» المسرحية ضمن عروضها؟ فنظر إليّ نظرة فيها من الاستغراب بقدر ما فيها من اللامبالاة وأجابني على طريقته اللاذعة والساخرة: عن أية مهرجانات تتحدث؟.. لقد تحولت المسألة الى «رموفة»!» وانني أفضل أن انصرف الى الراحة طيلة الصيف على المشاركة في مهرجانات «تطييح القدر»!. بالفعل، انه باستثناء مشاركة يتيمة خلال الدورة الماضية (صائفة 2007) لمهرجان قرطاج الدولي بعرض مسرحي فرجوي كان من اخراجه ومن انتاج التياترو احتضنه قصر العبدلية بالمرسى فإن الفنان المسرحي توفيق الجبالي ظل «مقاطعا» على امتداد السنوات الاخيرة للمهرجانات الصيفية سواء منها الدولية أو الوطنية.. وها هو يجدد «مقاطعته» لها هذه الصائفة ايضا من خلال غيابه وغياب انتاجات «التياترو» المسرحية عن أي مهرجان من هذه المهرجانات.. الجعايبي... يُصرَّ بالمقابل، يبدو الفنان المسرحي فاضل الجعايبي «مهووسا» بالحضور من خلال اعماله المسرحية في كبريات المهرجانات الدولية (قرطاج، الحمامات...) بل وحتى في ما دونها قيمة واشعاعا... كاتب هذه السطور حضر ذات صائفة عرضا لمسرحية «عشاق المقهى المهجور» للفاضل الجعايبي وجماعته بمسرح بوقرنين مثلا، في اطار مهرجان بوقرنين بحمام الأنف... وما من شك في أن الفنان المسرحي فاضل الجعايبي ينطلق في اصراره على أن يكون حاضرا بأعماله المسرحية في المهرجانات الصيفية من «نظرة» تختلف بالكامل عن «نظرة» زميله توفيق الجبالي لهذه المهرجانات.. فهو (الجعايبي) لا يعتبرها مجرد «رموقة».. بل يرى فيها مناسبة لجمع أكبر عدد ممكن من الجمهور في سهرة واحدة لمشاهدة عرض مسرحي.. والفاضل الجعايبي الذي احتج وغضب بسبب عدم برمجة مسرحيته «خمسون» ضمن عروض الدورة الماضية لمهرجان قرطاج الدولي (دورة صائفة 2007) يبدو سعيدا ومتفائلا ببرمجته ضمن عروض دورة هذه الصائفة من مهرجان قرطاج الدولي.. والواقع أن اصرار فاضل الجعايبي وحرصه على أن يكون حاضرا بمسرحياته في المهرجانات الصيفية قد يكون يعكس ربما جانبا آخر من شخصيته باعتباره فنانا معروفا بنرجسيته وبأنه يملك قناعة بأنه المسرحي الوحيد القادر على استقطاب «الآلاف المؤلفة» من الجماهير لمشاهدة عروضه المسرحية! محمد ادريس.. الاستمرارية أما الفنان المسرحي محمد ادريس الذي نجده حاضرا هذه الصائفة بمسرحيته «الموسوس» في اطار عروض الدورة 44 لمهرجان قرطاج الدولي فهو يبدو سائرا على «وتيرة» واحدة من مسألة الحضور أو عدم الحضور في المهرجانات الصيفية.. فالرجل لم يعرف عنه موقف يميزه من المهرجانات الصيفية.. فلا هو «مهووس» بالحضور كما هو الشأن للفاضل الجعايبي، ولا هو ايضا «مقاطع» لها كما هو الشأن لتوفيق الجبالي.. فهو يحضر عندما يكون لدى المسرح الوطني ما به يحضر ويقنع ويغيب عندما يتعين الغياب.. واذ يقدم محمد ادريس ويقرر هذه الصائفة العودة الى جمهور مسرح قرطاج الأثري بمسرحيته «الموسوس» فهو بالتأكيد يكون قد أعد عرضا مسرحيا فرجويا يجمع بين الامتاع بالفرجة والمؤانسة بالمضمون.. فالرجل لا يمكن أن يغامر وأن «يقتحم» على جمهور مهرجان قرطاج الدولي الذي أصبح معروفا خلال السنوات القليلة الاخيرة بتعلقه بالزهو وحب المرح والفرجة فضاءه الصيفي بعمل مسرحي لا يجمع فيه بين الامتاع والمؤانسة كما فعل الفاضل الجعايبي الذي قرر أن يقترح على جمهور مهرجان قرطاج مسرحية «خمسون» السياسية والعنيفة لفظا وصورة ومواقف.