هذا الأسبوع اعتذر الرئيس مبيكي عن الجرائم التي اقترفت في بلاده ضدّ المقيمين الأجانب من المهاجرين الأفارقة في جنوب إفريقيا. الحرب العنصرية التي استهدفت هؤلاء المهاجرين حصدت أرواح أكثر من ستّين بشرا وحملت معها صورا مقيتة لعنف عنصري إفريقي-إفريقي ومشاهد بشعة للسحل والتعذيب مارسها مواطنون سود في حق سود آخرين في بلد تعوّد فيه العالم أن يعاني لسنوات خلت مشاهد التمييز العنصري التي مارستها الأقلية البيضاء في حق الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا. تتضاعف الغرابة وحجم التناقضات في القصة لا فقط لمضمونها العنيف المرعب الذي نقل إلى العالم صور القتل والتعذيب بالسيوف والسكاكين بل وأيضا بالنّظر إلى قيمة وموقع البلد الذي شهد هذه الأحداث في ذاكرة إفريقيا والإرث الذي راكمته تجربته في مقاومة سياسات الميز العنصري، ذلك الإرث الذي تحوّل إلى رمز عالمي إنساني لنضال قوى الخير والحرية ضدّ العنصرية. الغرابة إذن هو أن بلد هذه الأحداث العنصرية ضدّ المهاجرين الأفارقة هو بلد نيلسن مانديلا والمؤتمر الوطني الإفريقي، قلعة النضال المرير التي أطاحت بأحد أعتى الأنظمة العنصرية في العالم. ركّزت التحاليل التي تعاملت مع هذه الأحداث على مصاعب الإقتصاد وتردّي الأوضاع المادية لسكّان بعض أحياء جوهانسبورغ من سود جنوب إفريقيا الذين لم يجدوا فرصهم في العمل فركّزوا غضبهم وانتقامهم على المهاجرين الأجانب الذين رأوا فيهم السبب في تقليص فرص العمل، عنصرية رأت فيها بعض التحاليل وجها آخر لعطالة التنمية وجيوب القساوة في جسم العولمة الذي اهترأ تحت وقع مصاعب الظرف الاقتصادي العالمي وتنامي مظاهر الجوع والفقر في العالم. الأكيد أن لهذه المقاربات وجه من الصّواب ولكن الاقتصار على تلمّح هذه الأحداث من زاوية خلفيتها الاجتماعية أو الاقتصادية فقط تبقى قاصرة حين تتجنّب الأسئلة المحيلة إلى التناقضات الساكنة في القاع الرمزي والثقافي لما حصل في جنوب إفريقيا. الإحراج في كل ما حصل هو ذاك الذي يدفع عقولنا كعرب أو كمسلمين أو كأفارقة أو كعالمثالثيين إلى مراجعة تلك البنية المترسّخة في تفكيرنا وفي مجمل التصوّرات التي صاغتها تجاربنا في التحرّر الفكري والسياسي والوطني، تلك البنية التي تقوم على فكرة أنّ الشرّ لا يمكن أن يأتي إلا من غيرنا، ذاك الغير الذي كان تاريخيا الإستعمار وحاليا الغرب وتعبيراته الإمبريالية المختلفة. مشهد القتل العنصري الإفريقي/الإفريقي مرّ باردا دون أن يثير نفس الغضب والإشمئزاز لو أنه انضبط تقليديا للصورة التاريخية للعنصرية البيضاء تجاه السود. ها أننا نثبت للعالم أن موقعنا في التاريخ كضحية لا يمنعنا من ممارسة الجريمة، عنصريّون سود في جنوب إفريقيا وعنصريون أيضا في بلداننا بصمت وبشيء من الضجيج أحيانا. إنّ تشريح عقل الضحية مشروع ضروري لفهم وتفكيك حظوظ العنف والجريمة في حاضر ومستقبل الوجود البشري لأن أمثلة صارخة تؤكد أن أبشع مظاهر الإجرام هي التي يرتكبها ضحايا تحت وضع ضراوة مأساتهم الماضية. إسيرائيل أهمّ مثال.... ونحن أيضا!!!