منذ أيام بقرطاج، عندما تحل السابعة مساء يكون ذلك إيذانا بانطلاق التمارين لعرض الإفتتاح بمهرجان قرطاج الدولي في دورته لهذا العام. العرض وكما هو معروف يحمل عنوان "لمة وزهو". وهو من إخراج البشير الدريسي بمساعدة كل من منير العرقي وسليم الصنهاجي. وثلاثتهم من أهل المسرح وسبق لهم أن قدموا أو شاركوا في صياغة عروض احتفالية في عدد من المناسبات الوطنية أما الموسيقى فهي بإمضاء فيصل القروي وهو عازف ساكسوفون بالأساس وتدور فكرة العرض حول الشباب التونسي. منذ فترة اتخذت الجماعة مواقعها بمسرح قرطاج الأثري. الصوت يصلنا على بعد مسافات من المسرح والنسق أصبح تصاعديا. فلم يعد يفصلنا عن الموعد أي يوم 11 جويلية الجاري سوى يومين أو ثلاثة باحتساب يوم العرض. وأصبح الإهتمام منكبا على التفاصيل وعلى بعض الجزئيات التنظيمية أما الشكل العام للعرض فقد تم الإتفاق عليه تقريبا مساء الإثنين من هذا الأسبوع كانت لنا زيارة إلى مكان التمارين أي إلى مسرح قرطاج الأثري حيث شاهدنا جزءا من العرض ووقفنا بالخصوص عند أجواء الإعداد للسهرة في هذا التوقيت الذي يعتبر صعبا نظرا لاقتراب موعد تقديم الحفل ولبداية الدخول في العد التنازلي قبل انطلاق الدورة الرابعة والأربعين لمهرجان قرطاج الدولي... كانت كل الأطراف المعنية بالأمر على عين المكان باستثناء موضب الموسيقى. كان هناك البشير الدريسي ومن حوله سليم الصنهاجي ومنير العرقي وكان مدير المهرجان السيد سمير بالحاج يحيى وطبعا الشباب المشارك في العرض والمشرفين على العمليات التقنية وغيرهم. مائة بالمائة من طاقة الشباب بل وأكثر إذن عند هذا التوقيت (السابعة مساء) تهب نسائم المساء ويصبح الطقس ألطف بكثير مما كان عليه كامل اليوم. يستعيد الشباب المشاركون في العرض جزءا كبيرا من نشاطهم ويسترجعون نسبة من الطاقة والحيوية التي نخالها تنقص كثيرا بالنهار نظرا لمفعول الشمس والحرارة المخنقة في هذه الأيام الحارقة من شهر جويلية. لكن ذلك لا يكفي على ما يبدو من وجهة نظر المشرفين على عرض الإفتتاح. فهم يطالبون بمزيد من الحيوية وبكثير من المشاعر.. يبحثون عن روح الشباب أكثر منه الحركة والرقص وفق ما استمعنا لهم يقولون. فما فتئ سليم الصنهاجي مثلا يطالب من خلال المكروفون الجماعة بمزيد من البذل وبمزيد من الإحساس محاولا بذلك أن يبث فيهم روح الحماس وأن يجعل الرغبة تتوقد فيهم من أجل استنزاف ما لديهم من طاقة مائة بالمائة. كل الطرق ممكنة لبلوغ هذا الهدف. فكانوا يتوجهون أحيانا إلى الشباب في لغة الجمع وأحيانا أخرى يتوجهان مباشرة إلى ذلك الفتى أو تلك الشابة إلخ. تارة بلغة حازمة وتارة أخرى بكل لطف والمراوحة تقع دائما بين الشكر واللوم والمرور من حالة الشكر إلى حالة اللوم في مثل هذه الظروف يتم في سرعة خاطفة.. ما فتئ المشرفون على العرض يؤكدون لجماعتهم أنهم أصحاب الدار وأنهم يستضيفون الجمهور الذي يجب أن يقوموا بكل شيئ حتى يصفق معهم هذا الجمهور. الضحك , مزيدا من الضحك , كثيرا من الضحك. بهذا كان يطالب سليم الصنهاجي الجماعة. وهو يكون بذلك منسجما مع عنوان العرض. "لمة وزهو". وإن كنا فهمنا العنوان فلابد من بعض التفاصيل حول الفكرة وحول المشاركين في هذا العرض وحول فلسفة سهرة الإفتتاح لمهرجان قرطاج الدولي في دورته لهذا العام. وتولى منير العرقي وهو وكما سبق وذكرنا أحد المشاركين في إنجاز الحفل تولى الإجابة عن بعض الأسئلة. عرض لمة وزهو يستمد فكرته حسب تأكيده من سنة الحوار مع الشباب بتونس وهو يقدمه وبقية المشرفين عليه هدية للشباب التونسي بهذه المناسبة. يمثل الرقص جزءا محوريا في العرض وقد فسر منير العرقي ذلك قائلا أنه وعلى اعتبار أن الإحتفاء هو بالأساس بالشباب فإنه من الطبيعي أن يكون للجسد حضور كبير. فالشباب طاقة وحركة قبل أي شيء آخر. لم يقع الإقتصار في هذا العرض على لون واحد من الرقص بل تعددت الألوان والمدارس. هناك طبعا الرقصات التونسية التقليدية وهناك الرقص الشرقي والرقص الغربي ومنه الرقص الكلاسيكي والرقص الذي يحبذه الشباب والذي يمارسه في مختلف المناسبات , ذلك الرقص الذي يعتمد على الإيقاع العالي وعلى الإستعراض البدني خاصة ما يعرف بال"بريغ دانس"... الموسيقى والرقص ومختلف فنون السيرك والشعر والتمثيل العرض يدور على الركح وعلى المساحة التي أسفل منه وعلى سطح الركح وكذك بالأعلى حيث تتدلى الأشرطة والحبال التي يستعملها الشباب للحركات البهلوانية وسيقع ليلة العرض الإستغناء عن الكراسي ذلك أن الجماعة احتاجت لهذا الفضاء أيضا.. ويعتمد العرض على الإستعداد البدني الكبير للمشاركين حيث أنه مطلوب من بعضهم تسلق جدار المسرح في قفزة واحدة. تم إنجاز هذا العرض حسب منير العرقي وفق نص وأفكار مترابطة أما الفكرة الأساسية فهي تدور حول الواقع الحالي والحنين إلى الماضي. وهو لا يقتصر على الموسيقى والرقص والبهلوانيات ومختلف فنون السيرك بل نجد أيضا الشعر من خلال إلقاء الشاعر الشعبي محمد نجيب الذيبي لبعض من أشعاره ونجد أيضا نصوصا مسرحية أو نصية مشهدية وفق تسمية منير العرقي من تأليف ظافر ناجي. الجانب التمثيلي يؤمنه كل من جعفر القاسمي ووجيهة الجندوبي وسفيان الداهش. عدة أسماء ساهمت في بناء اللوحات الكوريغرافية ومن بينهم نذكر جلال دومة وسفيان العرب وجميلة كامارا. كما تم التأكيد على الإستفادة من تقنيات جديدة من ذلك استعمال تقنية جديدة في الإضاءة. لا يدوم هذا العرض أكثر من ساعة ونصف وقد فسر منير العرقي ذلك بتذمر الجمهور في السابق من العروض الطويلة التي تفتتح أو تختتم مهرجان قرطاج الدولي. ويعول العرض على عدد هام من الشبان والشابات من مشارب متعددة من بينهم تلاميذ مراكز الرقص بالعاصمة وكذلك ببعض مناطق البلاد كما فتح المجال لبعض المغرمين بالرقص من الشباب لخوض المغامرة. ويمكن للجمهور المغرم بالرقص أن يتعرف بسهولة إلى وجوه من بين تلاميذ سهام بلخوجة. لمة وزهو هي ووفق ما يكشف عنه العنوان عنوان للفرح والإحتفال على طريقة الشباب أو بالأحرى وفق ما تبين لصائغي العرض من أنها الطريقة التي يستعملها الشباب للتعبيرعن الفرح أو عن نفسه عموما. بقي علينا أن ننتظر رأي الجمهور وخاصة منهم الشباب لمعرفة ما إن كانت هذه الإحتفالية أو هذه الهدية كي نستعيد وصف منير العرقي للعرض حيث سبق وقلنا أنه يعتبره هدية للشباب التونسي بمناسبة سنة الحوار مع الشباب قد راقت لهم.