أنهت بعثة صندوق النقد الدولي أول أمس زيارتها إلى تونس والتي امتدت من يوم 27 مارس الماضي لتتواصل على مدى أسبوعين تم خلالها إجراء مباحثات مع المسؤولين في الحكومة والبنك المركزي حول المراجعة الخامسة من برنامج القرض المبرم مع تونس الموقع منذ سنة 2016 بقيمة 2.8 مليار دولار. وقد حصلت تونس حتى الآن على 1.4 مليار دولار من إجمالي القرض. وفي ختام هذه الزيارة، لم تخف بعثة صندوق النقد التقدم الذي أحرزته تونس رغم محدوديته وأكدت على الانتعاشة المتواضعة التي شهدتها البلاد نتيجة شكوك سياسية واقتصادية. التمسك بمطالب إصلاحية وأكدت بعثة الصندوق على ضرورة «مواصلة الجهود للتقليص من عجز الميزانية ودعم المدخرات من العملة الصعبة وإرساء سياسة نقدية صارمة والإلغاء التدريجي لدعم المحروقات مع حماية الأسر الهشة». وذكر بيورن روذر رئيس البعثة «سيكون، أيضا، من المهم مزيد التحكم في كتلة التأجير العمومي، التي تبدو من بين أكثر الكتل حجما في العالم مقارنة بالناتج الداخلي الخام. وسيسهم ذلك في مزيد فسح المجال للنفقات الأساسية المخصصة للأسر الهشة والتعليم والصحة». وأضاف: «إننا نعترف أن الإجراءات الضرورية لها تأثير على الشعب التونسي لذلك تكتسي الجهود الرامية إلى مصاحبة الإصلاحات بدعم نظام التغطية الاجتماعية الأولوية. ومن الضروري التسريع مجددا في الإصلاحات الهيكلية خاصة لتحسين حوكمة وبيئة المؤسسات، ومن الضروري دعم الثقة وتحرير الإمكانات أمام القطاع الخاص وإفراز المزيد من فرص التشغيل لكامل التونسيين». احتواء ضغوط التضخم وتابع: «عملت كل الأطراف على الضغط على السياسة النقدية بهدف احتواء ضغوط التضخم ونجحت في التقليص بشكل واضح من عجز الميزانية. كما مكنت الإجراءات الجبائية في 2018 وتعزيز عملية تجميع الأداءات من تحسين العائدات في حين أن أسعار الطاقة سمحت باحتواء نمو دعم المحروقات ومكن ذلك من زيادة النفقات المخصصة للاستثمارات العمومية واحداثات الشغل والبرامج الاجتماعية التي تحولت على التوالي من 5،6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام الى 2،7 بالمائة في 2018». وكان الصندوق أشار في بيان له صادر أول أمس أن الاقتصاد التونسي سيشهد انتعاشة تدريجية خلال السنة الحالية والسنة القادمة لتصل نسبة النمو إلى 2,7 بالمائة سنة 2019 و3,2 بالمائة سنة 2020 مقابل 2,5 بالمائة سنة 2018. وذكر الصندوق أن بعض الشكوك التي رافقت سياسات الحكومة التونسية، اجلت حصولها على التمويل في كثير من الأحيان وهو ما أثر على ميزانيتها ليبقى النمو غير كاف للتخفيف من حدة البطالة، التي ما تزال مرتفعة. إخلالات تهدد الاقتصاد وقال الصندوق في بيانه، أن السلطات التونسية ورغم مواصلتها للإصلاحات فان بعض نقاط الضعف ما تزال قائمة في الاقتصاد الكلي وهو ما يهدد استقرارها الاقتصادي. وثمن الصندوق الإجراءات الضريبية التي تم اعتمادها سنة 2018 والتي أدت إلى تحسين الموارد المالية للدولة. وفيما يتعلق بأسعار المحروقات ذكرت بعثة الصندوق أن الزيادات في أسعار الطاقة ساعدت على احتواء نمو الدعم في المجال وهو ما ساعد على زيادة الإنفاق على الاستثمار العام والبرامج الاجتماعية التي توفر فرص العمل. ورغم ذلك وحسب صندوق النقد الدولي فانه « اختلالات كبيرة ما زالت تعيق نمو تونس وإمكاناتها الوظيفية.. وما يزال النمو يعتمد بشكل كبير على الاستهلاك، وظل الاستثمار والصادرات غير ديناميكيين». الموقف من الزيادة في الأجور وبالرغم من المخاوف من ردود فعل الصندوق حول الزيادات في الأجور والتي كان قد حذر منها، فان موقف الصندوق من الإجراء الحكومي لم يكن موضوع لقاءات أو حديث معمق من قبل بعثة الصندوق رغم أن موقف الصندوق واضح من المسالة حتى انه أجل زيارة كانت منتظرة في شهر جانفي الماضي إلى مطلع شهر مارس ثم إلى آخره واكتفى الصندوق بحث الحكومة على التحكم في كتلة الأجور مثلما اشرنا إليه أعلاه. ويبدو ان تبريرات الحكومة حول الاتفاق مع اتحاد الشغل فيما يتعلق بالزيادة في أجور القطاع الخاص والوظيفة العمومية أقنعت نوعا ما بعثة الصندوق، حيث ذكر توفيق الراجحي الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى سابقا أن الحكومة اعتمدت في ما يخص هذا القرار على معادلة صعبة وفقت من خلالها بين توفير السلم الاجتماعية من جهة والمحافظة على سلامة المالية العمومية حتى لا يتجاوز عجز الميزانية العمومية ال3.9 بالمائة من جهة ثانية. وحتى يعطي صندوق النقد موقفه الرسمي والنهائي من الإصلاحات الاقتصادية في تونس والتي بمقتضاها سيتم تسريح القسط السادس من القرض،فان المالية العمومية يمكن أن تتأثر بالتأخير الحاصل في منح هذا القسط والذي ستتأجل معه بقية المواعيد المضبوطة لتسريح بقية الأقساط من القيمة المتبقية من القرض الجملي الذي كان محددا آخره في شهر أفريل من سنة 2020. سفيان رجب