قال الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، إن الاتفاق النووي المبرم بين بلاده ودول مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا) عام 2015، عبارة عن سلسلة التزامات أحادية الجانب، مضيفا "لو كان الأمر بيدي ما كنت وقعت مثل هذا الاتفاق مطلقا". جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع نجاد، الذي تولى الرئاسة الإيرانية فترتين متتاليتين بين عامي 2005 2013، قبل الرئيس الحالي حسن روحاني، وقيم فيها السياسة الخارجية التي تتبعها طهران، وكذلك التطورات التي تشهدها المنطقة، فضلا عن انطباعاته عن الاتفاق النووي. وأوضح نجاد، أن المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي، وبإعادة المباحثات مع الولاياتالمتحدة، "يجب أن تقوم على أساس من العدالة، والاحترام المتبادل، والاعتراف بالقانون الرسمي لكل طرف"، مضيفا "فالاتفاق الأحادي الجانب إذا طبق لفترة وجيزة، سيكون مصيره الفشل على المدى البعيد". وانتقد الاتفاق النووي الذي وقعته حكومة روحاني عام 2015، قائلا إنه "عبارة عن سلسلة من التزامات أحادية الجانب، كما أنه ليس إنجازا رائعا لأي طرف، ومبادئ التفاوض عليه لم تكن صحيحة، وإذا تناولنا الموضوع على أسس خاطئة فلا يمكننا أن نحصل على نتائج مناسبة، وبالتالي لو كان الأمر بيدي ما كنت وقعته". واعتبر المزاعم القائلة إن الاتفاق النووي حال دون تشكّل تحالف عالمي ضد إيران "غير صائبة"، مشيرا إلى أنه لا يرى "عيبا في التفاوض مع أي طرف بما في ذلك الولاياتالمتحدة، غير أنه لا توجد هناك فائدة لمفاوضات غير واضحة المعالم وناشد نجاد، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وطهران، "تقديم الدعم اللازم للمفاوضات التي ستجرى من أجل تأسيس صداقات، وتأكيد مبدأ رفض الحرب". وشدد على أن "الحرب ليست في مصلحة أي طرف، كما أن إمكانات التعاون أكثر بكثير من العداوات"، مضيفا "فمن الممكن أن تكون هناك علاقات ودية بين واشنطنوطهران، فإذا أجرينا استطلاعا للرأي أو استفتاء، لوجدنا بالتأكيد أن الناس يفضلون السلام والعدالة. 7 مليارات و500 مليون إنسان بالعالم يرغبون في هذا". واستطرد "تفاوضنا مع الولاياتالمتحدة في اتفاقية الجزائر (عام 1981، لحل أزمة الرهائن الإيرانية، توسطت فيها الحكومة الجزائرية)، كما تباحثنا في الشأنين الأفغاني والعراقي، ففي الماضي لم يكن هناك شيء من قبيل (التفاوض مع الولاياتالمتحدة مرفوض)". ولفت إلى أن "الولاياتالمتحدة تتبنى سياسة ممارسة الضغط على الشعب الإيراني، مع توجيه هذا الضغط للنظام الحاكم بطهران، لكن هذه السياسة لم تسفر عن أي نتائج"، مضيفا "ولنفترض أن واشنطن ضد النظام الإيراني، فلماذا تطبق عقوبات، وتمارس ضغوطا على الشعب؟ وهذا يوضح أن القائمين على الشأن السياسي بالولاياتالمتحدة في صراع مع الشعب الإيراني، وليس سلطات بلاده كما يزعمون". وطالب نجاد بضرورة اعتراف الولاياتالمتحدة رسميا إذا كانت مع السلام العالمي بقوانين الشعوب، مضيفا "فرض الهيمنة والسيطرة على الآخرين فكرة شيطانية شريرة، لذلك على الولاياتالمتحدة أن تترك الضغوط التي تمارسها، والسياسات، والعقوبات الأحادية الجانب، وتعود إلى التفاوض العادل، وأعتقد أن أرضية التعاون أوسع وأرحب من أرضية العداء، فواشنطن وقفت ضدنا في الثورة (الإيرانية)، وعند تأميم النفط، لكنها لم تحصل على أي مكاسب". في الشأن ذاته، شدد الرئيس الإيراني السابق على أنه مع ضرورة القضاء على الأسلحة تماما، وحل كافة الأزمات عن طريق الحوار. وأضاف "لو كانت الأزمات تحل بالأسلحة لما بقيت أي أزمة حتى الآن، فعلينا أن نقضي على مصانع الأسلحة التي يقتات من ورائها كثيرون، وهذا أمر بالغ السوء، على أن نقوم برفع مستوى الرفاهية من خلال الاهتمام بالزراعة، والصناعة، والسلع البيضاء، والأمور الأخرى. فلماذا يصرون على التربح من وراء قتل البشر؟". كما ذكر أن "الولاياتالمتحدة تمتلك 5600 قنبلة ذرية متطورة من الجيل الخامس، وتزعم أن إيران تريد امتلاك أسلحة ذرية"، مضيفا "كما تقول واشنطن: على إيران أن تثبت أنها لا تريد إنتاج قنابل ذرية. كيف بإمكاننا إثبات شيء غير موجود؟". وتابع نجاد قائلا "الولاياتالمتحدة لا تخاف من القنابل الذرية، علينا أن نتحدث بصدق مع العالم. فواشنطن لديها قنبلة ذرية، وهي الدولة الوحيدة التي تستخدمها. بعد كل هذا هل نحن من بات يشكل خطرا، ويتعين علينا أن نعاقب جراء ذلك؟". وبين أن "الاقتصاد الأمريكي لم يستفد من فرض العقوبات على إيران، كل ما في الأمر أن ترامب منح اقتصاد بلاده أنفاسا قصيرة الأمد"، مشددا على أن "الاقتصاد الأمريكي سيتدهور على المدى الطويل". وأشار إلى أن "الموارد الاقتصادية والثروة الطبيعية في العالم، أصبحت اليوم تحت حصار قوة ما، وإذا تركت هذه الثروة لمبادرة الشعوب، فسيصبح الناس أقوياء ويتطورون وينمون، وهذه المشكلة ليست متعلقة بإيران وحدها، بل موجودة في العالم بأسره، وتختلف من مكان لآخر". وأردف في السياق ذاته "في الولاياتالمتحدة نفسها هناك 50 مليون إنسان يعانون ضيق العيش، وعدد يراوح بين 4 إلى 5 ملايين شخص ينامون على الكرتون. والأغلبية الكبيرة تعيش تحت ضغط اقتصادي". وواصل نجاد حديثه، موضحا أن كون ترامب، رجل أعمال قبل أن يصبح رئيسا، جعله يحسب جيدا، ويضع المصالح الأمريكية على المدى البعيد نصب عينيه، مضيفا "التسبب في اندلاع حرب أصعب بكثير من تحقيق السلام، والأجواء بالخليج العربي مواتية لاندلاع حرب، فعلى واشنطن أن تكون حذرة حيال ذلك. فالشرارة التي سيتم إشعالها هنا لن تحرق الخليج العربي فحسب، بل العالم بأسره". الأجواء في الخليج العربي مواتية لاندلاع حرب، فعلى واشنطن أن تكون حذرة حيال ذلك، فالشرارة التي سيتم إشعالها هنا لن تحرق الخليج العربي فحسب، بل العالم بأسره كما أكد نجاد أن دول الجوار تمثل أولوية قصوى بالنسبة إلى بلاده، مشددا على ضرورة تطورهم معا، لأنهم يعيشون في نفس المنطقة الجغرافية. وأضاف "كما أن الفرص تكون متاحة بشكل أكبر بسبب الصداقات التاريخية، والأواصر الثقافية المشتركة مع الجيران، فضلا عن أن هناك عادات وتقاليد مشتركة، في المأكل والمشرب والملبس". واستطرد "فإيران، وتركيا، والعراق، وأذربيجان، وتركمانستان، وباكستان، وأفغانستان، ودول الخليج العربي، بحاجة إلى بعضها من أجل التنمية، وإذا خسرت إحداها فلن تربح الأخرى، وذلك لأننا مرتبطون ببعضنا بعضا، وبالتالي علينا التحرك من خلال التعاون مع تركيا والجيران الآخرين. والعلاقات التركية الإيرانية دائما ما تقوم على الود". رئيس إيران السابق أكد كذلك أنه "لن يكون هناك رابح من الصراعات التي ستحدث، فلن يستفيد أحد سوى من يكنون العداوة لكافة شعوب المنطقة"، مضيفا "فتركيا، وسوريا، والأردن، ومصر، والعراق، والسعودية، وأفغانستان، وأذربيجان، وباكستان، وتركمانستان، ودول الخليج الأخرى، تغطي جميعا منطقة جغرافية كبيرة من العالم، تصل جميع الممرات المائية، كما أن هذه المنطقة لديها أكبر مصادر الطاقة، وتعتبر نقطة اتصال عالمية". وشدد نجاد على أن القواسم المشتركة عادة ما تكون أكثر من الخلافات، غير أن الخلافات هي التي برزت، فتمت تنحية الأمور المشتركة جانبا. وأضاف "فمثلا إذا خصصت السعودية الأموال التي تنفقها على الأسلحة في اليمن، لمساعدة الناس، فلا شك أنها ستجني نتائج أفضل"، مشددا على "ضرورة تناول إيران الوضع في سوريا على نفس الشاكلة". وتابع "لا يوجد طرف رابح في سوريا حتى الآن، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لتحقيق مطالب الشعب السوري، وما عدا ذلك ضرر، وكل شخص يقتل ضرر، فلا حرج في الجلوس معا والتوصل إلى توافق". وطالب نجاد بضرورة أن يحدد كل شعب مصيره، وأن يحترم الجميع هذا المبدأ، مضيفا "فإذا لم يتم احترام هذا المبدأ ستزيد فرص قدوم أطراف ما من أماكن بعيدة لتفرض نفسها وتتدخل في المنطقة". ولفت إلى أن "اليمن، والعراق، وأفغانستان، وسوريا، تحولت جميعا إلى أطلال وخراب، والولاياتالمتحدة تريد اندلاع حرب جديدة في مسعى منها لتدمير السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر". واعتبر أن الأمريكيين "يبيعون السلاح من أجل التدمير، ثم يجنون الأموال من أجل إعادة الإعمار، لذلك يتعين على إيران والسعودية اتخاذ زمام المبادرة من أجل حل هذا الأمر". وأوضح: "يجب أن نجلس بجوار بعضنا دون أن يفكر أحد منا في أنه انتصر لتراجع الآخر خطوة إلى الوراء، علينا أن نكون واقعيين ونفكر في شعوبنا، ونجعل همنا الصداقات الطويلة الأمد، ثم نحول هذا إلى صداقة مع العالم بأسره". داخليا، ذكر الرئيس الإيراني السابق أن بلاده "تمتلك ثروة مادية وطبيعية قلما نجد لها مثيلا في العالم"، مضيفا "وفي حال الاستفادة من هذه الثروة بالشكل الصحيح، فلن يتبقى للعقوبات أي معنى أو تاثير على الإطلاق". وبيّن أن "العقوبات تكون مؤثرة حينما يكون هناك ضعف في الدولة المطبقة عليها"، مشيرا إلى أن "من يديرون الملف الاقتصادي بإيران، لم يتمكنوا من الاستفادة الكافية من إمكانات البلاد". واستطرد "يجب أن يعطوا الفرصة من أجل تنمية الشعب، وإدارة الاقتصاد، ومن ثم فإن الأمر يقتضي ضرورة تحسين الهيكل الاقتصادي في إيران، والسبيل الوحيد لذلك هو تقديم الثروة الطبيعية ليستخدمها الشعب، فعلينا أن نخلص الاقتصاد من الحصار حتى يتسنى للناس إعادة إنشائه من جديد، ومن ثم يتعين أن يكون شعبنا صاحب زمام المبادرة في كل المجالات، ولا سيما الاقتصاد". في السياق ذاته، اعترف نجاد أن "المشاكل الاقتصادية عندنا تتعمق بسبب العقوبات، لذلك الأمر يقتضي تحسين الهياكل الاقتصادية، وأن يكون المواطنون أكثر فعالية، فلا شك أن الإمكانات إذا تم توفيرها للناس فإن الاقتصاد سرعان ما سيتحسن. وخير مثال على ذلك أننا خلال سنوات مضت، تحولنا من دولة مستوردة لبعض المنتجات إلى مصدرة لها". في سياق آخر، أعرب الرئيس الإيراني السابق عن استنكاره للمزاعم القائلة بإن بلاده لم تنتج الطاقة النووية لأغراض سلمية، مشددا على ضرورة تحول كافة بلدان العالم إلى استخدام الطاقة النووية. وتابع قائلا "الطاقة النووية ضمان لتنمية الأمم والشعوب وتطورها، وذلك لأنها (أي الطاقة النووية) تمتلك العلم المتطور، والتكنولوجيا، وبإمكاننا رؤية المستوى المتقدم لكل العلوم فيها. فلو تطورت هذه الطاقة، لطورت معها كالقاطرة بقية فروع العلوم والصناعة. وهناك العديد من العلوم التي تتلاقى عندها، ومن ثم فإنك إذا تجاهلتها فلن يمكنك أن تحرز تقدما في العلوم الأخرى". وفي رد منه على سؤال حول ما إذا كان يعتزم العود إلى الحياة السياسية خلال الانتخابات التشريعية المزمعة عام 2021، قال أحمدي نجاد "بالطبع لا، لأننا معنيون بآراء شعوبنا". وختم نجاد حديثه مشيدا بتركيا وشعبها، وبحسن الحفاوة الذي استقبل به خلال الزيارات التي أجراها للبلاد حين كان رئيسا، مضيفا "أحب تركيا كثيرا، ولعل هذا سبب ما ألاقيه من اهتمام فيها، وشعب تركيا شعب مثقف، ومتحضر، كان له تأثير كبير على حضارة العالم، وما زال كذلك الآن".