تلميذ يعتدي على أستاذه بسكين..وزارة الأسرة تتدخل..    وزيرة التربية تتعهد بإنتداب الأساتذة النواب    رفعَ ارباحه ب 43%: بنك الوفاق الدولي يحقق أعلى مردود في القطاع المصرفي    معرض تونس الدولي للكتاب يفتح أبوابه اليوم    تجهيز كلية العلوم بهذه المعدات بدعم من البنك الألماني للتنمية    عاجل/ مسؤول إسرائيلي يؤكد استهداف قاعدة بأصفهان..ومهاجمة 9 أهداف تابعة للحرس الثوري الايراني..    الداخلية تعلن إلقاء القبض على عنصر إرهابي ثالث..#خبر_عاجل    الاحتلال يعتقل الأكاديمية نادرة شلهوب من القدس    كأس تونس لكرة السلة: إتحاد الانصار والملعب النابلي إلى ربع النهائي    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات مقابلات اليوم من الدور السادس عشر    إصابة 23 سائحا في حادث إنزلاق حافلة سياحية.. التفاصيل    عاصفة مطريّة تؤثر على هذه الدول اعتباراً من هذه الليلة ويوم غد السبت    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    معرض تونس الدّولي للكتاب يفتح اليوم أبوابه    غوغل تسرح 28 موظفا احتجّوا على عقد مع الكيان الصهيوني    حراك 25 جويلية يناشد رئيس الجمهورية الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة    عاجل/ بعد منع عائلات الموقوفين من الوصول الى المرناقية: دليلة مصدق تفجرها..    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    في اجتماعات الربيع: وزيرة الاقتصاد تواصل سلسلة لقاءاتها مع خبراء ومسؤولي مؤسسات تمويل دولية    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر هذا البلاغ    وزير السياحة يلتقي رئيس الغرفة الوطنية للنقل السياحي    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    التوقعات الجوية لهذا اليوم..سحب كثيفة مع الأمطار..    عاجل/ زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه الولاية التركية..    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بورصة تونس: "توننداكس" يقفل حصة الخميس على استقرار    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    عاجل: القبض على عنصر إرهابي ثان بجبل السيف بالقصرين    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    ارتفاع نوايا الاستثمار المصرح بها خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية ب6.9 %    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمائة خلال شهر فيفري 2024    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د اقبال الغربي لالصباح: الفكرة الإرهابية تتحول الى «عمل» إرهابي في «مناخ» يمجّد الإرهاب ويقدم للإرهابي تطمينات روحية تعفيه من أي مسؤولية
نشر في الصباح يوم 08 - 03 - 2020

-رغم مشاركة النساء في الثورات العربية بقوة إلا أن الربيع العربي تحول من وعد إلى وعيد
-من الاسئلة المرهقة التي واجهت الباحثين في مجال التطرف و الارهاب كيف يمكن للتونسية التي تحضي بترسانة من الحقوق والامتيازات أن تنضم إلى مجموعات إرهابية معادية للمرأة في جوهرها
-الدعاية الإرهابية تقوم بضخ إحساس الألم و مشاعر الذنب عبر التسويق لصور ومناظر مؤلمة وأناشيد مختارة تبث في نفوس النساء رغبة في الانتقام
الحديث الى الدكتورة اقبال الغربي لا يخل من خصلتين اساسيتين اما الاولى فهي بالتاكيد استكشاف سعة معارف و اطلاع و دراية هذه الباحثة التونسية في شتى المجالات و اما الثانية و نخالها الاهم بالنسبة لنا و للقارئ فهي الجزم بالاستفادة من بيداغوجية و رقي و رفعة الباحثة إقبال الغربي التي تاسر الحضور كلما شاركت في الندوات العلمية في تونس و خارجها .. . و هي الصوت النسائي الجريئ الذي فرض نفسه في عالم الاجتهاد حيث اقتحمت مبكرا اسوار جامعة الزيتونة لتكون اول من درس علم النفس فيها .اقبال الغربي المختصة في علم النفس و الانتروبولوجيا تحدثت الينا في اليوم العالم للمرأة و توقفت عند مختلف التحديات و التعقيدات التي تواجه المرأة في المجتمعات العربية التقليدية و المرأة التونسية خصوصا لتضع الاصبع على الكثير من مواقع الداء و الاسباب التي تدفع فتاة القرن الواحد و العشرين تتحول الى "داعشية " تقبل أن تكون مجرد اداة في خدمة التنظيمات المتطرفة و الجماعات الارهابية ... و تقول محدثتنا أن "الخطاب الشعبوي والممارسات البدائية ادت الى انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة. قد أحيت منظمات ك"داعش"و القاعدة و حركات سلفية أخرى المتاجرة بالنساء و أسواق النخاسة البغيضة وفرض البرقع الأسود و منع التمدرس و الاختلاط بين الجنسين و ختان البنات و تعدّد الزوجات. " و فيما يلي نص الحديث.
-إلى أي مدى ساهمت التشريعات في تغيير العقليات في مجتمعنا وهل أن حضور المرأة في مختلف المجالات في تونس يعكس تطور التشريعات وكيف تقرئين حضورها في المشهد السياسي و لماذا يظل الأمر محدودا و دون التطلعات؟
-لابد من التوضيح أن التشريعات ساهمت في تغيير وضعية النساء في تونس و في تعديل العقليات وهو ما سمي بالاستثناء التونسي الذي جسدته مجلة الأحوال الشخصية. و لكن ما نلاحظه اليوم أن وضعية النساء و حقوقهن لازال محدودا و دون تطلعاتنا المشروعة . و لنا في رفض مشروع الحريات الفردية و المساواة في الإرث خير مثال و السبب أن النساء في تونس لسن كتلة متجانسة و متماثلة . فالعديد من النسوة تماهين مع الخطاب الذكوري المعادي لحقوقهن و لمكاسبهن . هؤلاء النسوة استبطنن عبوديتهن و دونيتهن فهم ضحية العنف الرمزي. هذا العنف الهادئ اللامرئي و اللامحسوس يطمس الوعي النسوي . و يتمثل العنف الرمزي في مشاركة الضحية في تصورات جلاديها عن نفسها و عن المجتمع و عن العالم و أن يعتبرا معا هياكل الهيمنة و الاستغلال من المسلمات و الثوابت . فالعنف الرمزي هو الذي يجعلنا نعتبر دونية المرأة لا كواقعة تاريخية و ثقافية بل كظاهرة فطرية طبيعية لا تحتمل المسائلة و التشكيك و عكسها هو العجب! .من جهة أخرى نلاحظ أن قبل الثورات العربية كان الخطاب النسوي العربي يتطور و يتعمق عبر حواره مع النظريات الجنسوية ونظريات ما بعد الاستعمار التي وجهت خطاب نقديا للنسوية التقليدية. وكان يناكف النظرات الاستشراقية من جهة والاسلاموية من جهة أخرى ويحاول طرح قراءات بديلة للديناميكيات المجتمعية خاصة فيما يتعلق في حقوق النساء بمقاربة نسبية وتاريخية متجددة
. ورغم مشاركة النساء في الثورات العربية بقوة إلا أن الربيع العربي تحول من وعد إلى وعيد. و تحولت الآمال المدنية والديمقراطية إلى خوف ورعب من سيطرة قوى تقليدية سلفية شرسة مضادة للحياة ومعادية للمرأة و لحقوقها. كما انتشر خطاب ناقد للحركة المدنية والحداثية باعتبارها تابعة ومذيلة للغرب من جهة ومشوّه للحركات النسوية بربطها مع الأنظمة الفاسدة وباعتبارها "نسويّة دولة" من جهة أخرى. و قد طبّع هذا الخطاب الشعبوي مع ممارسات بدائية و انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة. قد أحيت منظمات ك"داعش"و القاعدة و حركات سلفية أخرى المتاجرة بالنساء و أسواق النخاسة البغيضة وفرض البرقع الأسود و منع التمدرس و الاختلاط بين الجنسين و ختان البنات و تعدّد الزوجات.
عودة المكبوت هذه مع بروز الفجوة بين الخطابات النسوية من جهة والممارسات الظلامية التي عادت من وراء القبور من جهة أخرى شكلت صدمة للنسويات وللخطاب النسوي لم تنتهي آثارها بعد..
–أثارت عودة العناصر النسائية التونسية من بؤر التوتر جدلا كبيرا في مختلف الأوساط السياسية و الإعلامية حسب رأيك ما الذي يدفع التونسية إلى الانتماء الى هذه الحركات المتطرف و الإرهابية من اين يبدأ العلاج و ما المطلوب ثقافيا و اجتماعيا خاصة؟وماذا عن اطفالهم و كيف يمكن تجنب إعادة تصنيع جيوش من الارهابيين مستقبلا هل تعتقدين أن هناك مخاطر حقيقية تستهدف المجتمع التونسي عموما و المرأة التونسية ؟
-من الاسئلة المرهقة التي واجهت الباحثين في مجال التطرف و الارهاب هو كيف يمكن للتونسية التي تحظي بترسانة من الحقوق والامتيازات تميزها عن بقية النساء في العالم العربي أن تنضم إلى مجموعات إرهابية معادية للمرأة في جوهرها و في مشروعها؟ علينا أن نقر أنّ التحولات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية غيرت الصور النمطية للذكورة والانوثة و أنّ الأحداث المعاصرة في العراق وسوريا و ليبيا أنتجت زلزالا في منظومة توزيع الأدوار، فقد زُجّ بالنسوان و ذوات الخدور في أتون الحروب و في ساحات الوغى. و أصبحت صور العواتق الحاملة للرشاش و للأحزمة الناسفة تتصدر الجرائد و المجلات. و هنا نشير أن وسائل الإعلام المحلية والدولية غالبا ما نظرت إلى علاقة المرأة بالتنظيمات الإرهابية من زاوية الضحية أو السبية . كما يبدو أن معظم الكوادر السياسية و الأمنية لم تكن مهيأة للتحولات الأنثوية وللأدوار المتزايدة للنساء داخل المنظمات "الإرهابية". وقد شكلت تصوراتهم وتوقعاتهم الذكورية عوائق معرفية حالت دون فهم التطورات الأمنية و الأخطار المستقبلية. و هنا نذكر بعملية قبلاط الأليمة عندما أدي تواجد امراة داخل منزل الإرهابيين ضمن العملية الى تعطيل و تعكير التدابير الامنية. و كذلك نشير الى صدمة ودهشة الناطق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي عندما استعملت الإرهابية طفلها كدرع بشري في عملية واد الليل. علينا أيضا أنّ نقر أنّ النموذج التونسي الحداثي الذي جعل من تحرر المرأة شعاره و من مدونة الأحوال الشخصية جوهره أثبت محدوديته . فتواجد حوالي 100 سجينة في تونس في قضايا إرهابية ونحو 700 امرأة يقاتلن في «جبهة النصرة» و«داعش» يمنح تونس المرتبة الأولى و مركز الريادة بين البلدان المصدرة للمقاتلين والمقاتلات...
انطلاقا من كل هذه الاحداث و التطورات قبل وبعد الثورة هل يمكن تحديد الاسباب حتى يتضح العلاج لمثل هذه الظواهرلا سيما هذه الالاف من الشباب من الجنسين الحاقد على الدولة ؟
هناك العديد من العوامل.
-1 الاستبداد السياسي ومن نتائجه عزوف النساء عن العمل السياسي والجمعياتي . و هنا نذكر أن ركائز الاندماج الجمهوري المتفق عليها من طرف علماء الاجتماع هي المدرسة و الأحزاب السياسية و النقابات و المؤسسة الدينية التي تلعب دورا مهما في تأطير الشباب و تدريبه و الإحاطة به. في ظل دولة الاستبداد و التتبعات البوليسية أصبح الشباب التونسي يعيش حالة من التهميش، والفراغ، يساوره هاجس الخوف من الانخراط في العمل الحزبي والنقابي والجمعياتي المحفوف بالمخاطر و الماسي . ويرى عبد اللطيف حنَّاشي، الباحث الاجتماعي المتخصّص في الحركات الإسلامية، أنّ محاولة النظام مصادرة الفضاء العام و إغلاق منابر الحوار و تجريم الجدل و النقاش " دفع بالشباب إلى الانزواء في فضائهم الخاص، الذي يشكّل البيت جزء مهماً منه". و هو ما أدي إلى تقسيم المجتمع . و هكذا أدي الاستبداد السياسي إلى تدمير الفضاء العام بوصفه فضاء سياسي بامتياز وظيفته بناء إرادة سياسية بطريقة أفقية هدفها صناعة التوافق و التلاقي والتواصل على حد تعبير الفيلسوف الألماني هابر ماس.
-2 الفقر و التهميش الاجتماعي يؤكد علماء الاجتماع، والمحللون المتخصصون في دراسة الحركات الإسلامية، أنّ القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها الحركة التكفيرية الجهادية، غالبا ما تكون من الفئات الاجتماعية الفقيرة، التي تعاني من تدني مستوى تعليمها، ومحدودية تكوينها الثقافي، ومن التهميش الاقتصادي. وفي مثل هذه البيئة الفقيرة والمهمشة، انبثقت الأصولية الجديدة ، التي لا تكتفي بمحاربة الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، بل تدين أيضا الأنظمة العربية الحاكمة، باعتبارها أنظمة كافرة ومرتدّة حسب زعمها. لقد عرفت تونس حركة نزوح من الأرياف اقتلعت الآلاف من بيئتهم الأصلّية، الذين استقروا في الأحياء الشعبية الفقيرة في أحزمة المدن التونسية، عاجزين عن التحوّل إلى بروليتاريا صناعية بحكم عجز المنظومة الرأسمالية عن إدماجهم في دوائر اقتصادية عصرية، وعن تعويض آليات التضامن الآلي التقليدي بآليات التضامن العضوي و العصري التي وصفها لنا دوركايم ، كما حدث في مرحلة "الثورة الصناعيّة" التي عرفتها الدول الرأسمالية الغربية (الضمان الاجتماعي المعمم و مآوي العجز و المحاضن و رياض الأطفال الدولية الخ).
فالأجيال الجديدة للعائلات النازحة فقدت كلّ ارتباط بالعائلة الموسّعة، وتحديداً بالعشيرة و بالقبيلة التقليدية التي كانت تلعب دور الحماية والمساندة المادية و الرمزية. و في المقابل قوضت برامج التحرر الاقتصادي أنظمة الرعاية الاجتماعية القائمة و ألغيت ضمانات التوظيف في القطاع العام من دون أن تقيم على أنقاضها بدائل إجرائية . كما أدى انعدام الفرص الاقتصادية وضعف نظام الرعاية الاجتماعية إلى اللجوء إلى أطراف أخرى بديلة عن الدولة والقطاعات الاقتصادية القانونية. ونتيجةً لذلك تضاعف نمو اقتصاديات الظل الموازية و تفاقمت مشكلة البطالة بين الشباب حيث تصل نسبة الشباب العاطل عن العمل إلى 29%، كثيرون منهم حائزون على شهادات جامعية. و في بحث سوسيولوجي، تناول ملفّات 1208 من المحكومين سابقاً في قضايا السلفيّة الجهاديّة، تبين أنّ 89 في المائة منهم شباب، وأنّ 70 في المائة منهم إمّا عمّال (ذو دخل محدود) أو تلاميذ وطلبة (لا دخل ثابت لهم عموما). ويشير الخبير بالجماعات الإرهابية عبد اللطيف الحناشي إلى أن أغلب المشاركين في "خليّة سليمان" الجهادية (نهاية 2006 - بداية 2007) أتوا من المناطق الداخليّة الفقيرة و المهمشة.
هذه الشريحة الاجتماعية التي عجزت عن الاندماج في المجموعة الوطنية، وعن تبني قيم الحداثة، تبنت الفكر التكفيري كنتيجة منطقية لتنامي الشعور بالغبن الاجتماعي، والحقد الطبقي، و التهميش المستديم، يدفعهم إليه غضبٌ عارمٌ من جرّاء حربهم على المجتمع التونسي نفسه، وغياب أدنى شعور بالانتماء إلى الدولة التونسية التي عجزت عن احتوائهم و تلبية حاجياتهم الأساسية. و يؤكد الخبير الفرنسي في الجماعات الإسلامية فرحات كشوفار أن السمة المشتركة بين الجهاديين التكفيريين هي استبطان كراهية المجتمع و الحقد عليه مع تلبس دور الضحية والقناعة باستحالة إمكانية اندماجهم في المعايير السائدة و القوالب المهيمنة أي عمل قار ومنزل وعائلة. فهم يصنعون غلافا مقدسا يبررون به حقدهم و عنفهم و يسعون إلى القطيعة مع هذا المجتمع الذي أقصاهم.
3التحولات الجندرية في تقسيم الأدوار الجنسية بالنسبة للباحث الفرنسي فرحات خسخوكفار فان سبب نفير النسوان إلى الشام و انخراطهن في تنظيم الدولة الإسلامية هو البحث عن نموذج الرجولة التقليدية التي تجسدها شخصية المقاتل "الداعشي" كما صورته لنا الأفلام والدعاية الهوليودية. و يري هذا الخبير أننا نعيش ملامح تيار ما بعد نسوي مضاد للنسوية الكلاسيكية. هؤلاء النسوة يحلمن بكل رومانسية بالفارس المغوار الذي سيبدل بؤسهن نعمة و وحدتهن سعادة . ففتيات "داعش" لا يرغبن في دفع الثمن المضني مع كونه الوحيد للارتقاء إلى مستويات المسؤولية و النضج النفسي ، أي تحمل أعباء الحداثة و تبعات المساواة الكاملة مع الرجل . فهذه الفئة النسائية تنكّرت لقيم العصر، ورفضت مكتسبات حقّقتها أجيال من النساء عبر نضال طويل و مرير. بل إنها تريد استبدال نمط عيش عصري أجبرهن على الكد و العمل وفرض الذات بنمط عيش تقليدي يتحمّل فيه الرجل عبء القوامة والحماية وتؤدي فيه المرأة بكل سلبية طقوس الطاعة والولاء. فهن يقايضن الفر دانية بالشعور بالانتماء. و يقايضن الحرية بالأمن والاستقرار النفسي.
-4العوامل العاطفية من أسباب نفير شد الرحال إلى "بلاد الإسلام" في ليبيا أو في العراق و الشام العوامل العاطفية. فقد أكد الباحثانKaren Jones وPaul Taylor أنّ أسباب انخراط الذكور في التنظيمات الإرهابية يعود إلى عوامل سياسية واجتماعية وإلى ضغوطات من طرف مجموعة الانتماء الاثنية أو القبلية. أما بالنسبة للإناث فيلعب العامل الشخصي الذاتي و الانفعالي دورا مهما في أخذ قرار الانتماء إلى هذه المجموعات و تبرزهنا سهولة تعبئة الشعور الأنثوي بالثأر لمظالم مختلفة من مسلمي بورما إلى أطفال سوريا. فالدعاية الإرهابية تقوم بضخ إحساس الألم و مشاعر الذنب عبر التسويق لصور ومناظر مؤلمة وأناشيد مختارة تبث في نفوس النساء رغبة في الانتقام و تعاطفا مع أنين الجرحى والمصابين، مع تمرير فكرة أبدية الصراع مع الغرب، باعتباره العدو الدائم المتربص والمتآمر على المسلمين. فتصنع ثقافة الكراهية، ثقافة تخاطب الجانب الغرائزي و الانتماءات الأولية في الإنسان، كالقبلية والطائفية و المذهبية والقومية الضيقة و تنمي و تغذي مشاعر الكراهية و البغضاء و في نفس الإطار بينت الدراسات الميدانية أنّ العديد من الإرهابيات التونسيات انخرطن في الفعل الإجرامي بدافع الانتقام أو بسبب علاقات غرامية. و يكشف الواقع أنّ أغلب المجندات في الجماعات الإرهابية نشأن في بيئة سلفية تكفيرية و تم توظيفهن تحت التهديد وغسيل الدماغ و الكثيرات منهن زوجات لعناصر في التنظيم بتشجيع من الأب أو الأخ المتعاطف مع الفكر التكفيري.
و بسبب علاقتها المباشرة بالمدعو لقمان أبو صخر وجدت الإرهابية التي تدعى فاطمة الزواغي نفسها صلب أخطر كتيبة إرهابية وحسب مصدرنا الأمني فقد جمعتها علاقة عاطفية بخالد الشايب وهذا ما جعله يعينها على رأس الجناح الإعلامي للكتيبة الإرهابية و يذكر أنّ فاطمة الزواغي طالبة بالسنة الثانية طب وتبلغ من العمر 20 سنة من منطقة دوار هيشر من ولاية منوبة وتنحدر من عائلة فقيرة. الهشاشة المعرفية و النفسية يؤكد لنا الخبير بالمجموعات المتشددة ألفيي روا أنّ منطق البؤس و الإحباط و طغيان العوامل الموضوعية الاقتصادية و الاجتماعية غير كاف لتفسير المرور إلى الفعل الإرهابي إن لم تعاضدها آليات معرفية و نفسية. توفر الخطابات و السرديات الإرهابية شبكة معاني جديدة للمرأة تهيكل ذاتها و تساعد على بناء شخصيتها خاصة في فترات المراهقة التي تتميز بهشاشة سيكولوجية معروفة. حسب التقديرات تتراوح أعمار المقاتلات التونسيات في التنظيمات الإرهابية ما بين 18 و35 عاما. فهي تمنحها - هوية جديدة - معالم هادية - منظومة قيم - إطار معرفي - رابطة جماعية و شعور بالانتماء.
و ماذا عن مشروع الدولة المدنية و انت جزء من هذا المشروع ؟
-الدولة المدنية هي الحل الجذري للعديد من التوترات التي تعاني منها البلاد اليوم
تصاعد التيارات الشعبوية و تفشي الخطابات العدائية للغيرية نفضت الغبارعلى قراءات و تاويلات رجعية للدستور وللاسلام إذا بدأنا بتحديد المفاهيم نرى أن المواطن هو ذات قانونية أي مجردة عليه جملة من الواجبات يمكن حصرها في مبدأ الطاعة أي طاعة القانون العام و المجرد و له جملة من الحقوق السياسية يمكن حصرها في مبدأ المقاومة أي مقاومة استبداد السلطة السياسية أو الدينية إذا انتهكت هذه السلطة الحقوق الأساسية لهذه الذات القانونية أي الحقوق الطبيعية أو ما يسمى اليوم بحقوق الإنسان . هذه الحقوق
التي تمثل عقدا اجتماعيا جديدا يضمن التعايش بين الأفراد و يضبط علاقة هؤلاء بالسلطة وهي اليوم تجسد خطا احمر لا يجوز لأية سلطة مهما كانت قداستها أن تتخطاه . و قد أصبحت اليوم حقوق الإنسان مطلبا ملحا لحل مشكلة الاستبداد و كذلك لتجاوز مشكلة الأقليات . ذلك انه ليس من باب الصدفة أن قضية الأقليات لا تطرح اليوم إلا في ظل الأنظمة المستبدة حيث وضع الأقليات الدينية اللغوية و الاثنية مأساوي :فهي غالبا ما تكون ضحية ظلم مضاعف : ظلم الأنظمة الجائرة وظلم الأغلبية المقهورة التي تبحث عن كبش فداء تسقط عليه أحقادها و احباطاتها وتحملها جرائر التوترات الاجتماعية و السياسية التي تعاني منها . أما بخصوص تحديد المفاهيم فالهوية هي، كما حددها عالم الانتروبولوجيا لفي شتراوس، مجموع السمات المشتركة التي يتعرف بها مجموعة من الأفراد و يتعارفون بها . يبدو إذن أن هناك تعارض و تقابل بين الهوية و المواطنة حيث أن المواطنة تتجاوز سمات الهوية و تتعالى عن كل الخصوصيات العرقية و الدينية. لكن هذا التناقض الظاهري يفسر حاليا بغياب المواطنة و سيطرة الطغيان و الاستبداد في عالمنا. فالانغلاق على الهوية هو غالبا ما يكون ملاذا وملجئا عندما تتعثر معايير الانتماء و تتوتر آليات الإدماج و الانصهار داخل الوطن الواحد. كما يبدو من خلال المقاربات المختلفة ان الهوية مفهوم مركب و معقد و متعدد الأبعاد و متشابك العناصر كما تبين ذلك الدراسات السيكولوجية و الانثروبولوجية . فقد أثبتت مدرسة جنيف أن الهوية لا تبنى و لا تتطور إلا في ظل التفاعلات الاجتماعية و في إطار الصراعات المعرفية التي تتغذى من الاختلاف و الغيرية . و يشهد على ذلك ثراء الحضارة الإسلامية و تنوعها بفضل إسهام الأقليات المسيحية و اليهودية و الفارسية و الصابئة و السريانية و الكردية . إذن الآخر هذا الأنا الذي ليس الأنا و المكمل للانا هو طرف حيوي في حياتنا وهو ليس مجرد وسيلة لتحقيق رغباتنا و أهواءنا بل له الحق في أن يكون إنسانا مستقلا عنا و عن وصايتنا الأبوية . كما بين التحليل النفسي أن اكتشاف الذات و الوعي بها يمر حتما بتجربة التعايش مع الآخر المختلف . فخلال طور المرآة الذي يمثل مرحلة مؤسسة و مهيكلة لشخصية الطفل و الذي درسه كل من فالون و لاكان يلعب الطفل أمام المرآة بالصورة التي تتشكل عليها و عندما يدرك أن هذه الصورة هي له فانه يتأمل مفتونا تلك الصورة و يلتفت دائما و في كل الحالات إلى الأم أي إلى الآخر لينتزع منها اعترافا أن هذه الصورة المنعكسة على المرآة هي صورته هو و لكي يطمئن على وحدته الجسدية و الذاتية و تدعم بالتالي لديه مفهوم الهوية.
-فيما يتعلق بالجريمة الارهابية التي استهدفت اول امس دورية امنية قرب السفارة الامريكية كيف يمكن قراءة توجهات و نوايا الارهابيين و هما على ما يبدو من جيل التسعينات و كيف يفسر هذا العداء المشين للوطن ؟
هناك عوامل موضوعية اقتصادية و اجتماعية و نفسية.يضاف الى ذلك الازمة العالمية و المحلية وتاتي التنمية الاقتصادية في المركزالاول أو في الأطراف لم تعد تعطي الرفاهية الموعودة بل هي تفرز عكسها و نقيضها من هشاشة اقتصادية و بطالة هيكلية و تلوث و تدمير للبيئة وأمراض نفسية وجسدية من ارق و قلق و انتحار.
و هناك مناخات مأزومة منها الخطابات الدينية العنيفة و التكفيرية . و نركز على عملية تجفيف الضمير الأخلاقي يلعب الشيخ المفتي دورا أساسيا في صناعة التطرف و الارهاب . فالفتاوى الدينية تصبغ على العنف الشرعية اللازمة بتحويله من جريمة بشعة إلى تنفيذ حد من حدود الدين أو فريضة من الفرائض .إذ لا تتحوّل الفكرة الإرهابية إلى «عمل» إرهابي إلا في «مناخ» يمجّد الإرهاب ويحرِّض عليه ويبرّره دينيا و يقدم للإرهابي تطمينات روحية تعفيه من أي مسؤولية ذاتية . تلعب الايدولوجيا التكفيرية و المعادية للمجتمع في هذه المحتشدات دورا أساسيا في نسف المسؤولية الفردية و في تحرير عدوانية و سادية الإرهابي من الضوابط الأخلاقية المعهودة ، وهي تجفف ما تبقى له من ضمير أخلاقي، ومن شعور صحي بالذنب.
حوار اسيا العتروس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.