سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
علينا أن ننظر للتمييز بين الجنسين في سياقه التاريخي والفكري والسياسي الدكتورة آمال القرامي للشعب:
الفضاء العام ينبغي ان يكون فضاء مشتركا ورحبا يتسع للتعدد الفكري
أستاذة جامعيّة، باحثة أكاديميّة، كاتبة مشغولة بقضايا الشأن العام وبالحفر في المسكوت عنه... تنتبه لمن لا يُنْتَبَهُ لهم عادة: تلك الفئات المنسيّة التي تشمل المعوقين والصبيان القُصّر والعوانس والأرامل والمختلفين... تنتبه لهم وتصغي، وتحكي حياتهم في سياقاتها الاجتماعية سعيا لتأطير بعض ظواهرها وأملا في تكريس بعض حقوقهم... إنّها الدكتورة التونسية آمال القرامي التي انجزت أطروحة دكتوراه باشراف الدكتور الجليل عبد المجيد الشرفي بعنوان «ظاهرة الاختلاف في الحضارة العربية الاسلامية الاسباب والدلالات»، أسالت الكثير من الحبر نقدا وإعجابا... صوّر للدكتورة القرامي قبل أطروحتها كتابان هما: «قضية الردّة في الفكر الإسلامي»، تونس 1993 «حرية المعتقد في الاسلام»، المغرب 1997. تتفاعل القرامي، الاستاذة المؤطرة مع جمهور طلبتها كثيرا لأنها تؤمن بأهمية الدور التوعوي التحسيسي في علاقة بفئة المتعلمين من أجل دراسة الظواهر وتحليلها واستقراءها، تؤطر وتكتب الدراسات والمقالات وتساهم في بعض أنشطة المجتمع المدني... ضمن مشاغلها الكثيرة خصّت جريدة الشعب بهذا الحديث: تناولتم في أطروحة الدكتوراه التي ناقشتموها بالجامعة التونسية، موضوع النوع الاجتماعي في الإسلام، ماهي الأسس التي انبنت عليها مقاربتكم للموضوع، وأين تضعون نتائجها في سلم الدراسات المعاصرة؟ حاولنا من خلال هذا البحث ان نخضع الثقافة العربية للمساءلة سعيا إلى تحديد موقف «الثقافة العالمة» من المختلف (جنسيّا، عرقيا، دينيّا،...) وكان الهاجس الذي حرّكنا ودفعنا الى مزيد الاستقصاء والتمحيص في كتب التراث هو: ماهي الاسباب التي حالت ولازالت تحول دون تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، السيد والعبد، الأبيض والأسود، الغني والفقير؟... وما الذي جعل التمييز بين الجنسين قاعدة في إرساء العلاقات التبادلية بين الناس؟ أمّا النتائج التي توصّلنا إليها فإنّها تتخلص في الآتي: ضرورة الانتباه الى أنّ مسار الثقافة العربية في تعاملها مع المغاير لا يختلف عن مسار قطعته ثقافات أخرى، وهو ما يفنّد الزعم بأنّ الثقافة العربية الإسلامية ثقافة لا تؤمن بالمساواة وقائمة على نظرة استنقاصيّة للآخر المختلف إلى غير ذلك من الصور النمطيّة التي تستشري اليوم بخصوص الإسلام والمسلمين. ثمّ إنّ التمييز بين الجنسين لابد أن ينظر إليه في سياقه التاريخي والفكري والإجتماعي والسياسي، ذلك أنّ مسار التعامل مع الجنس الآخر يختلف من عصر إلى آخر وفق درجة الوعي والتحولات الطارئة على البنى الاجتماعية والذهنيّة والنفسية وغيرها... من خلال كتاباتكم يلمس القارئ انخراطكم في الشأن الاجتماعي والحضاري للعالم العربي وفيماله علاقة بإقامة الانسان الجديد بل المرأة تحديدا فيه، ولكنكم مقلون في تناول ما يطرأ في تونس من قضايا وهي كثيرة (الإعلام المتدين إذاعة الزيتونة مثالا، المصارف الإسلامية، انتشار الحجاب، جمعية للدفاع عن عفيفات تونس، منع رياضيات من المشاركة في رالي، قانون منع سفر الأم بمحضونها، تنازل أخت لأخيها عن وظيفتها، إجازة المفتي للطلاق الشفاهي...) لماذا؟ إلتزاماتي المهنيّةكثيرة ومجالات انشغالي عديدة، وهي تتراوح بين التدريس والتأطير والمشاركة في الندوات والانخراط في أنشطة فكرية مختلفة، وهو أمر يجعلني مقلّة في الكتابة وفي الحضور وفي جميع أنشطة المجتمع المدني. ولكن انخراطي في الشأن العام يتجلّى من خلال أشكال متعددة، وفي الواقع تختلف وسائل معالجتي «للقضايا من فترة إلى أخرى ومن سياق إلى آخر فالتفاعل مع جمهور الطلبة بالخصوص له وجه توعوي تحسيسي بالظواهر الاجتماعية التي ينبغي أن تخضع للتحليل والاستقراء فالناظر في التحولات الطارئة على مستوى العلاقات التفاعلية بين مختلف الشرائح الاجتماعية في تونس يلاحظ أنّنا بدأنا نسير نحو الانغلاق الفكري والجمود. ولعلّ أبرز مثال دال على ذلك مظاهر الفصل بين الجنسين وممارسة الإكراه، وانتهاك أدبيات الحوار، والقبول بالرأي المغاير وغيرها من الممارسات التي تدعونا الى البحث عن العوامل التي تقف وراء هذه الظواهر والانخراط في حوار بناء. مامدى توافق الإفتاء المعاصر برأيكم مع ما يعرض للفرد في حياته من تفاصيل ومستجدات؟ مؤسسة الإفتاء مرّت بمراحل تاريخية متعددة ولكن ما نعيشه اليوم هو ظاهرة الافتاء المستند على وسائل الاعلام وما وفرته الثورة التواصلية من إمكانيات استغلت للتأثير في الجماهير والهيمنة على العقول وتشكيلها بحيث تضمن طاعتها التامة للشيخ / الداعية / الزعيم. وباستثناء بعض الفتاوى التي تحاول حلّ جزء من القضايا التي يتخبط فيها المسلم في العصر الحديث فإنّ أغلب الفتاوى صارت تستهين بعقل المشاهد وتعبث بكرامته وتحوّله الى عبد خاضع، والحال أنّ رأي المفتي غير إلزاميّ إنّما هو مجرّد اجتهاد. إن عمليّة الاجتهاد يجب ان تظلّ فاعلة ومتصلة بالواقع متجددة بتجدده وهو أمر يتطلب من المجتهد ان يوسّع من دائرة معارفه وأن يغيّر رؤيته للدين والحياة، وأن يواكب تطور الحياة ووسائلها، وأن يتفاعل مع محيطه الاجتماعي حتى يستطيع فهم طبيعة القضايا المطروحة على الناس. كيف يمكن ان نبلغ مرحلة يكون فيها الفضاء الخاص مجالا للدين والفضاء العام مجالا للقانون الوضعي؟... وهل مازال هذا ممكنا؟ في السياق الثقافي والتاريخي الذي نمرّ به لا يمكن تحقيق هذا المطلب إذ لازالت العقليات السائدة رافضة لعملية الفصل وضبط الحدود بين المجالات، راغبة في فرض الوصاية على الآخرين. ولازالت المجموعة ترى أنّ من حقّها ممارسة الرقابة ومحاسبة النوايا والنطق نيابة عن اللّه. وحتى نبلغ وضعا تحترم فيه خيارات الفرد وقراراته المسؤولة وحقه في تقرير مصيره وفق ما يمليه عليه ضميره لابد أن تتهيّأ الجموع وأن نعيد النظر في أشكال التنشئة الاجتماعية وأساليبها ومنظومة القيم التي نريد ان نربي عليها الاجيال وان نراجع منظومتنا التعليمية... ورؤيتنا لأنفسنا وللآخرين وللكون. ولو ترك للعقلانيين العرب نفس فرصة المساحة الإعلامية المتوفرة للدينيين هل لهم ان يحققوا نفس التأثير لدى المتلقي؟ أذهب إلى أنّ من حقّ الجميع التعبير عن آرائهم وطروحاتهم المختلفة فالفضاء العام فضاء مشترك وينبغي ان يكون مفتوحا رحبا ومتسعا للتعدد الفكري، والاختلاف المؤدي الى الثراء، وما احتكار الفضاء الإعلامي أو السياسي أو... من قبل هذه الفئة أو تلك إلا علامة على رغبة جماعة ما في الهيمنة على حساب الآخرين، وهي ظاهرة غير صحيّة لا تسير بالمجتمع نحو التطوّر. الفكر النسوي في العالم يعيش انحسارا بيّنا، فهل هي فترة تراجع ظرفي، أم أن مقولاته فشلت لأنها ببساطة ضد الطبيعة؟ لا أعتبر أنّ الفكر النسويّ قد تراجع والدليل على ذلك غزارة الإنتاج الغربي في هذا المجال المعرفي بفروعه المتعددة كالنقد النسويّ، والكتابة النسويّة، والمعالجة النسويّة السينمائية وغيرها حتى أننا صرنا نتحدث عن الفكر ما بعد النسويّ Post feminism، فضلا عن إنجاز المراجعات النظرية وظهور تيارات جديدة مثل النسويّة البيئية ecofeminism والنسويّة الإسلامية وغيرهما. أمّا فيما يتعلق بالعالم العربي فإنّه أضحى غير مهتم بقضايا يطرحها الفكر النسوي وقد يكون مردّ ذلك انتشار المدّ الإسلاموي، والتشويه المقصود الذي حدث لعديد النظريات الغربية، هذا بالإضافة إلى «الردّة» المسجلة على مستوى الوعي النسائي. ماذا يمكن للمثقف التونسي ان يقول لشباب جامعي في تونس الحديثة اليوم، يعتبر ان مجرّد مشاركة الفتاة له في الفضاء العام هو عنف مسلّط عليه؟ هذا خطاب من بين خطابات أخرى تتجاور وتتنافس وتتصارع وتدّعي أنها قادرة على التأثير في الجمهور ولكن هذه الأفكار الرجعيّة هي، في الواقع وليدة «صناعة» أيديولوجية خضع لها عدد من الشبّان منذ سنوات وبدأت تعطي أكلها، فبدأنا نعاين العنف اللفظي إلى جانب العنف الرمزي، العنف المرئي الى جانب العنف الناعم. ولكن التجربة التاريخية تثبت أنّ السلطة تتوزع على مجالات متعددة بحيث لا يمكن ان نحكم على هذه الممارسات أو هذا الخطاب بمعزل عن الخطابات الأخرى ومن ثمّة لابد من تنسيب الأمور ويبدو لي أنّ إيلاء هذه الاراء أهميّة كبرى لا يخدم الا مصالح من أنتجوها إذ لا ينبغي أن نرسّخ «ثقافة النسيان»، نسيان إنجازات أجيال عديدة حققت مكاسب للمرأة التونسية وجعلت وعيها بكينونتها حافزا على تحقيق طموحات كبرى. النبيّ محمد خاض معاركه من أجل الفتوحات ومن أجل سيادة نموذج الدولة ولكن حروب، البعض من أتباعه الفقهاء والمفتين اليوم تنصبّ فقط على قضايا المرأة التي اختزلت فيها وحولها كل مشاكل الأمّة (فتوى الرضاع، الكرسي، الانترنات مع محرم، طول الذراع التي تضرب بها المرأة..) لماذا يقع برأيك هذا ولا يتوجه الافتاء نحو ما ينفع المجموعة؟ كلما شعرت الثقافة بأنها مهددة وأنها فقدت الريادة ولم تعد مهيمنة تضاعفت آليات الدفاع وهنا تعتبر المرأة رمز الوطن / الأمة ولذا تطفو قضايا المرأة على السطح ويصبح مدار النظر، كيف السبيل إلى حماية «نسائنا» من هيمنة الآخر، وإرساء علاقات بين الجنسين تعيد الثقة إلى الرجل وتنسيه الهزائم المتراكمة وهذا الهوس بفكرة الدفاع يخفي انحسارا فكريا وهشاشة كما أنه يفضي إلى إنتاج آراء تفضح أزمة الثقافة العربية، والفكر الديني على وجه الخصوص. إلى أين يسير الغرب في علاقته بالإسلام؟ من الرسوم المسيئة للنبي محمد في الدنمارك الى منع المآذن في سويسرا وتقسيم العالم الى خير وشرّ عند الأمريكان... هل يندرج هذا برأيكم في خانة الاستعداء للإسلام أم في خانة الدفاع عن الخصوصيّة وحماية الهويات؟ العلاقة بين الغرب و»العالم الإسلامي» صارت إشكالية تعبّر عن خوف من الآخر الذي كشف عن صورة أخرى غير متوقعة تقطع مع الصور النمطيّة المعهودة، وما دام الأمر كذلك فإن استراتيجيات تحديد العلاقات التبادليّة ستختلف عما كان عليه الأمر من قبل وتنحو باتجاه «الراديكالية» ويمكن القول إننا نعيش عصر صناعة العدوّ، وثقافة الكره، وثقافة الخوف من الآخر وتبرير إقامة الجدران العازلة بين الشعوب.