بدأت بعض الحقائق تنكشف حول الانتهاكات الخطيرة التي يتعرّض لها السجناء سواء في العراق أو في قاعدة غوانتنامو الأمريكية أو في أفغانستان إثر صدور شهادات لمحققين ونشر صور ووثائق حول أوضاعهم في السجون بعد أن مارس جنود أمريكيون أبشع أشكال التعذيب وسوء معاملة لا سابق لها في حق معتقلين أفرج عنهم لاحقا دون توجيه أية تهمة ضدّهم. وإثارة ملف حقوق الإنسان وخصوصا حقوق المعتقلين بناء على ما نصّت عليه اتفاقيات جينيف حول الأسرى والمعتقلين والمدنيين وعلى ما نصّ عليه القانون الدولي والميثاق الأممي في هذا الظرف بالذات بعد سنوات من احتلال أفغانستان وغزو العراق وفتح معتقل غوانتنامو إنما مبعثه التهليل وموجة الإرتياح التي سادت العالم بما في ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد القبض على مجرم الحرب الصربي كراديتش الذي أشرف أواسط التسعينات في القرن الماضي على اقتراف مجازر بشعة في حق آلاف من البوسنيين مازالت المقابر الجماعية شاهدا عيها لتقديمه أمام المحكمة الجنائية الدولية. ثم بالتوازي مع ذلك ما عرضته القنوات الفضائية العالمية من صور مشينة للإحتلال الإسرائيلي ضدّ مدني فلسطيني معصب العينين ومكبّل اليدين وهو يضرب بالرصاص المطاطي وسط كوكبة من جنود الإحتلال. ثم تأتي مجموعة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» الحائزة على جائزة نوبل للسلام سنة 1997 لتشير في أحدث تقرير لها هذه الأيام إلى أن مسؤولين أمريكيين ارتكبوا جرائم حرب من خلال إصدار أوامر بتعذيب معتقلين حيث دعا أحد أعضاء المجموعة خلال ندوة في مجلس النواب الأمريكي إلى وجوب إجراء تحقيق شامل ومستقل حول ما حصل في غوانتنامو وأبو غريب وأماكن أخرى... مستعرضا شهادات معتقلين حول أساليب تعذيب مارسها جنود أمريكيون وصفت بالمهينة للذات البشرية ومنتهكة للقانون والكرامة. وجاء على لسان المسؤول الأمريكي المستقل الذي أشرف على التحقيق الرسمي حول فضيحة سجن أبو غريب في العراق صراحة: «ما من شك بعد الآن في أن الإدارة الحالية ارتكبت جرائم حرب» وأضاف هذا الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي: «السؤال الوحيد الذي ينبغي الإجابة عنه الآن هو ما إذا كان الأشخاص الذين أصدروا الأوامر باستخدام التعذيب سيحاسبون أم لا..؟». وفي سياق صحوة الضمير عالميا ضدّ كل أشكال التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وموجة التنديد بجرائم الحرب المقترفة ضدّ الانسانية بدءا بصربيا وأفغانستان والعراق وصولا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل أصدرت المحكمة الوطنية الإسبانية وهي أعلى جهة قضائية في إسبانيا مذكّرة اعتقال ضدّ سبعة من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين ضلعوا في قتل مدنيين فلسطينيين بينهم أطفال مما قد يمهّد لرفع دعاوى قضائية فلسطينية أخرى ضدّ مرتكبي جرائم الحرب من قادة الإحتلال الإسرائيلي. ولعلّ في انكشاف بعض حقائق التعذيب وصحوة الضمير العالمي ضدّ هذه الجرائم الوحشية ومحاكمة مقترفيها ما يخفف من معاناة الإنسانية ويردّ الاعتبار إلى الذات البشرية المنتهكة ويحدّ من هذه الممارسات مستقبلا.