شهدت العاصمة السويسرية جنيف خلال الأيام الماضية انعقاد اجتماعات مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة والتي تلتئم بصفة دورية كل أربع سنوات لمناقشة تقارير الدول الأعضاء حول وضع حقوق الانسان فيها. وقد تميّزت هذه الدورة بسابقة لم تشهدها منذ انبعاث منظمة الأممالمتحدة وهي تقديم أمريكا لتقرير للمرة الأولى حول مدى احترامها لحقوق الانسان على المستويين الوطني والدولي. وأمام هذا الحدث النادر سلطت «الشروق» الضوء على مسألة حقوق الانسان في الغرب، فهل أن الدول الغربية هي بالفعل المعقل الأول لحقوق الانسان؟ أم أن تلك المقولة هي مجرد أكاذيب ولا وجود لها إلا في «المخيال الشعري» العربي؟ حاول الوفد الأمريكي لاجتماعات مجلس حقوق الانسان التعتيم على وضع أمريكا في هذا المجال مثلما تحاول كل الوفود الغربية، لكن وبالرغم من تلك المحاولة إلا أن العديد من الدول التي «ذبحها» سيف حقوق الانسان الذي طالما شهرته في وجهها الولاياتالمتحدة، جعلت النقاش أثرى مما توقّع البيت الأبيض. ولم تكن الادارة الأمريكية تعرف أن الانتقادات التي ستواجهها ستخرج عمّا تسميه ب«مثلث الشرّ» فبالاضافة الى إيران وكوريا الشمالية تقدمت دول عدة بالكثير من الانتقادات وأظهرت حقيقة الدولة التي تنصّب نفسها راعية حقوق الانسان في العالم. وطالبت مصر الولاياتالمتحدة بمواجهة التيارات المتصاعدة لكره الاسلام والعنصرية في المجتمع الأمريكي، كما طالب مندوب مصر لدى الأممالمتحدة في جنيف السفير هشام بدر واشنطن بسنّ قوانين تتصدّى للممارسات والتشريعات التي تقمع الأمريكيين المتحدّرين من أصول إفريقية وعربية ومسلمة وكذلك المهاجرين الأجانب. وطالبت القاهرة بتحقيق جدي بمزاعم عن الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمريكية الغازية في العراق اضافة الى إحالة معتقلي غوانتانامو على محاكمة عادلة. وانضمّت مصر الى كل من ليبيا والسودان في الاعراب عن قلقها من تنامي العنصرية في الولاياتالمتحدة وطالبت بإلغاء إجراءات تتعلق بدخول مواطنين من 25 بلدا ورفع الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا والسودان. ومن جانبها قدّمت 103 منظمات وائتلافات غير حكومية تشارك في الاجتماعات تقريرا تطالب فيه الولاياتالمتحدة ببذل جهد في قضايا المساواة وعدم التمييز والتقصير في التوقيع والمصادقة على المعاهدات الدولية، مثل معاهدة حقوق الانسان والاتفاقات الدولية لحقوق الانسان والطفل والمرأة وممارسة التعذيب، إضافة الى معالجة الخروقات الحقوقية في المجال الدستوري والتشريعي. وطالب التقرير الذي ورد في 26 صفحة بضرورة مساءلة واشنطن عن الانتهاكات التي ترتكبها في أفغانستان والعراق بوصفها قوة محتلة، كما دعا الى إعادة تقويم قوانين الأمن القومي ومكافحة الارهاب التي تطبق على منظمات المجتمع المدني في الولاياتالمتحدة وخارجها. وما زاد «الطين» الأمريكي بلّة في الاجتماعات هو الحضور غير المسبوق لممثلي منظمات المجتمع المدني الأمريكي في جنيف، فقد حضرت أكثر من 450 منظمة وقدموا عشرات التقارير التي تنتقد التقصير الفاضح في سجل حقوق الانسان في الولاياتالمتحدةالأمريكية بما في ذلك التمييز في سجن المتهمين والمشتبه فيهم دون توجيه اتهامات واضحة لهم الى جانب الممارسات «الوحشية» ضد المهاجرين. وكات الجلسات فرصة مناسبة بالنسبة الى الدول التي تتهمها أمريكا بصفة خاصة بانتهاك حقوق الانسان حيث دعت إيران مثلا الى حظر التعذيب وطالبت المقرّرين الخاصين لحقوق الانسان بزيارة معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب في العراق، فضلا عن وضع حدّ للانتهاكات التي وصفتها بالخطيرة التي تقوم بها الاستخبارات الأمريكية وتكييف القوانين المركزية في الولاياتالمتحدة مع معايير حقوق الانسان العالمية الى جانب منع التدخل في شبكات الأنترنات والتنصّت على المواطنين الأمريكيين. وحثّت طهرانواشنطن على مكافحة جرائم العنف ضد المرأة والاتجار بالأطفال داخل المجتمع الأمريكي. كما أدانت كل من كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وروسيا والصين ونيكاراغوا جرائم الحرب التي تقوم بها أمريكا خارج حدود بلادها مطالبة بالقيام بتحقيقات جدية في هذا الخصوص ومعاقبة المتورّطين في انتهاكات حقوق الانسان داخل وخارج الولاياتالمتحدة الى جانب اتخاذ المزيد من التدابير للتخلص من انتهاكات حقوق الانسان خلال «الحرب على الارهاب»، إضافة الى «إجراء تحقيقات موضوعية في قضايا التعذيب في مراكز الاعتقال السرية مثل معتقل باغرام في أفغانستان وأبو غريب في العراق وغوانتانامو في كوبا ومحاكمة المسؤولين واتخاذ ما يلزم لتأهيل الضحايا ومنحهم تعويضات». ربما تكون أمريكا أكثر الدول الغربية انتهاكا لحقوق الانسان خاصة خارج أراضيها لكن في حلفائها وأصدقائها من يشاركها في مختلف تلك الجرائم ومنهم من ينسج على منوالها، فبريطانيا مثلا كانت شريكة في الجرائم التي ارتكبت في العراق وأفغانستان وقد تورّط جنودها في العديد من الممارسات وصلت الى حدّ القتل من أجل التسلية. وفي الجانب الآخر نجد «المعقل التاريخي» لحقوق الانسان فرنسا تشنّ حملة مسعورة على المهاجرين والغجر، حملة تراوحت بين سن القوانين العنصرية كما وصفها الأوروبيون أنفسهم وممارسات لا تخلو من الوحشية مثل الطرد القسري وهو ما حاولت روما مؤخرا أن تنسج على منواله حيث سنّت هي الأخرى قوانين لترحيل الغجر وللتضييق على المهاجرين ومواصلة دعم جرائم قواتها في أفغانستان. تلك هي «قلعة» أو «قلاع» حقوق الانسان التي احتلت العراق ل«تحرير» شعبه وتحاول تقسيم السودان واليمن «دفاعا» عن الانسانية هي بصدد بناء معتقلات جديدة لتعذيب من يرفض «الديمقراطية» الأمريكيةالغربية في تلك الدول، لكن ربما ستتأخر هذه المشاريع قليلا فقد افتضح أمرهم وأصبح الضحية يعرف جلاده جيدا حيث لا يمكن لأي إنسان على وجه الأرض أن يقبل بممارسة حقوقه الانسانية داخل معتقل مثل أبو غريب أو غوانتانامو أو باغرام.