يبدو أن التعهد بين البيت الأبيض والحكومة العراقية بالتوصل إلى اتفاق استراتيجي بين البلدين بنهاية شهر جويلية الماضي يمنح بموجبه للولايات المتحدةالأمريكية احتلالا طويل الأمد للعراق قد تأجل لموعد لاحق بعد فشل المفاوضات بين الطرفين بهذا الشأن. ومع الاقرار بهذا الفشل فإن الرئيس بوش أكد منذ يومين أن ادارته تحرز تقدما في محادثاتها مع حكومة نوري المالكي للتوصل إلى اتفاق يستند إليه الوجود العسكري الأمريكي طويل الأمد في العراق عندما ينتهي تفويض الأممالمتحدة حول بقاء قوات الاحتلال الأمريكي هناك نهاية ديسمبر المقبل. وهذا الاتفاق الاستراتيجي التي تسعي الادارة الأمريكية إلى تحقيقه مع الطرف العراقي يهدف إلى إعطاء صبغة الشرعية للوجود العسكري الأمريكي في البلاد وتأبيد الاحتلال بناء على اتفاقية طرفها العراقي لا يمتلك الشرعية لإمضائها بحكم أن البلاد تحت الإحتلال والحكومة ليست لها الأهلية القانونية ولا الشعبية لإمضاء مثل هذا الاتفاق باعتبارها حكومة منصّبة لخدمة المصالح الأمريكية لمرحلة معينة. إن العراق بعد أكثر من خمس سنوات من الاحتلال قد تراجع عقودا من الزمن إلى الوراء نتيجة انهيار كل مقومات الحياة بما في ذلك مؤسسات الحكم وهياكل الدولة والنهب الممنهج للمقدرات الاقتصادية وعلى رأسها النفط... وتفتت الشعب إلى طوائف وأعراق بعد أن كانت تجمعه رابطة الوطن ووحدة الإنتماء. وفي ظل هذا الإنهيار الشامل الذي مهدت له وغذته قوات الإحتلال لم يبق سوى إضفاء طابع الشرعية على مواصلة الاحتلال لعقود وذلك بالتوقيع على اتفاق أمني وعسكري. وبين تلدّد الحكومة العراقية المنصبة نتيجة ضغوط شعبية هائلة لرفض مثل هذه الاتفاقية والتهديدات والاغراءات الأمريكية المبطنة والمعلنة لأعضاء البرلمان العراقي للاسراع في المصادقة عليها تتجه تحاليل بعض المراقبين للشأن العراقي إلى امكانية تقسيم البلاد اداريا وعسكريا إلى أقاليم ثلاثة ذات خلفية طائفية مع سعي الادارة الأمريكية للإلتفاف على السلطة المركزية بإثارة الأكراد حول مضمون قانون مجالس المحافظات ورفضه والمطالبة بانفصال شمال العراق عن المركز. ولعل في عملية التقسيم العملي للبلاد طائفيا ما يريح الولاياتالمتحدةالأمريكية من امضاء اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد لتقنين الاحتلال حتى تتعامل بشكل أيسر مع زعماء أقاليم ومحافظات «تحيطهم بالشرعية» لإمضاء اتفاقيات مشابهة دون الرجوع إلى الحكومة المركزية حتى وإن ظلت منصّبة.