تنتهي بتاريخ موفى ديسمبر في السنة الجارية مدّة التفويض التي منحتها الأممالمتحدة لوجود القوات الأمريكية في العراق. وفي غياب التوصّل إلى اتفاق عراقي - أمريكي حول هذه المسألة قبل الموعد المحدّد قد يجد الجنود الأمريكيون أنفسهم في العراق خارج أي إطار شرعي. ولتفادي هذه الاشكالية القانونية وما قد يترتب عليها من تداعيات أمنية وعسكرية واقتصادية اختارت الولاياتالمتحدةالأمريكية في الظرف الراهن سياسة الضغط والمساومة في مسعى للتوقيع على اتفاقية أمنية تشرّع الوجود الأمريكي في العراق قبل نهاية العام حيث التجأ البيت الأبيض إلى تحذير الحكومة العراقية من أن هامش المفاوضات بشأن هذه الاتفاقية «يتقلص بسرعة» مع تأكيده رفض أي شكل من أشكال المساومة حول بعض المبادئ الجوهرية التي يتضمّنها مشروع الإتفاقية. ولئن لم تتضح بعد المبادئ الأساسية لهذا المشروع فإن انتقادات حادّة وعديدة قد أثارتها رموز سياسية ودينية في العراق تجاه مسودّة الإتفاقية محذرة من المساس بالسيادة العراقية ومقدّرات البلاد الاقتصادية وخصوصا ثروتها النفطية إلى جانب الحفاظ على الوحدة الوطنية للشعب العراقي بكل أطيافه مما حدا بحكومة المالكي إلى إدخال تعديلات عديدة على هذه المسودّة وهي حاليا قيد الدرس من الجانب الأمريكي. وباستثناء الكتلة الكردية التي أعلنت موافقتها على مشروع الاتفاقية الأمنية فإن أيا من الكتل السياسية العراقية سواء سنية كانت أم شيعية لم تبد رأيا جليا حولها مما يعزّر المخاوف من احتمال اللجوء إلى تقسيم العراق إلى أقاليم ذات خلفية دينية أو عرقية المستفيد الأكبر منه هم الأكراد في الشمال. لقد تحدّث الرئيس العراقي - وهو من أصل كردي - وأطنب الحديث عن أهمية توقيع هذه الاتفاقية التي قال بشأنها «سنحقق مكاسب عديدة للشعب العراقي في المجالات السيادية والاقتصادية والأمنية»، وهذا المديح يخفي في طياته المكاسب الاقتصادية والسياسية العديدة التي سيجنيها الأكراد الذين يطالبون باستقلال المحافظات الشمالية عن الحكم المركزي وقد يتعزّز هذا التوجه في انتخابات مجالس المحافظات المنتظر اجراؤها قبل نهاية جانفي المقبل خصوصا وأنّ الإدارة الأمريكية تسعى لتجسيم خيار التقسيم المذهبي للعراق إلى ثلاثة أقاليم كبرى موزعة على الأكراد والسنة والشيعة. وبين الضغوط الشعبية والسياسية المسلطة على الحكومة العراقية أملا في رفض هذه الاتفاقية التي قد «ترهن البلاد والعباد» لقوات الاحتلال وبين ضغوط أمريكية لإضفاء صبغة الشرعية على القوات الغازية بعد انتهاء التفويض الأممي قد يحسم الأمر بإقرار الأممالمتحدة تمديد التفويض الحالي أو اللجوء إلى نوع من الاتفاقيات بين البلدين يؤبّد وجود القواعد عسكرية أمريكية في العراق.