السفن التي ابحرت لم تكن تعرف عناوين وجهاتها.. وكنت تائها تظللك كل الثمار الممنوعة سحب تغمرك بمغناطيس الحواسيب ولم تكن انت كما أنت.. وعمرك كان جرحا.. فيه صمت.. وفيه مطر بلا طعم المطر ان تكون انت الممتحن.. خذ اليك كل ما يلزم من شؤون السفر.. ستفسح لك الارض مجالها العريض وتلهمك السماء قدرا كبيرا من حرية.. كل الابواب معشوقة من لا يفحتها.. كم فتحت.. وكل النوافد بلا ستائر مثل الوجوه العائدة فيها أشباح التبعية.. انتصرت.. وكانت الظروف الطبيعية منعدمة التجاذبات فيها امتداد منكسر الاطراف.. وكل الدروب فيها اختبار.. ان كنت تعلم.. قبل أن تأتي هذا متفق عليه.. تمهيد اول لكل المجانين الذين حاربوا وماتوا.. قبل أن تولد منك ورقتك الخضراء.. وتغمرك الارواح المتهللة بالصمت.. ما كنت لتصمت.. لو لا هذا العشق الموهوب لك وحدك.. الارض والبحر والشفاء.. ما كنت لترحل ونحن اتفقنا ان لم تخني الذاكرة في آخر لقاء.. ان نجمع اشلاءنا ونمتطي قطار الشرق.. ونعيد المكعبات السالبة الى أوج العطاء.. لك أن ترى ما لا نرى لانك منذ خمسين عاما تمتطي صهوة هذا الجواد الأبيض. وتنادينا بأسماء أوطاننا../وتشفع لدى التاريخ.. ما كنت لتنام الآن والشعر لم يجف بعد.. وعناقيد العنب تبحث عنّا.. وأزهار اللوز تبعث عنا.. واشجار الزيتون.. ترجل لنذهب سويا الى عكا.. الى شواطئ حيفا الممتدة في مياه الغضب الصامت.. محمود.. كان ينتحب على لحن قيتارة قديم موجع.. يتربع على وجوه طيبة مسالمة في وضع انتظار فجأة انبرى محمود يبحث عن اسطوانة الماء.. كلهم يتسترون خلفك.. لا تنسحب.. الحقيقة ان تكون شيئا مميزا.. مثل طباشير الكتابة بين اصابع الصغار.. او مثل كبرياء الملائكة عند التقاء جنتين من عدن.. امرأة انتزعوها من عرشها.. فحلوا هويتها من شعرها الطويل لا ترحل يا محمود.. كم كنت شاهدا وانت تحمل في الذاكرة ألف دليل.. قبل أن تنغرس السكين في الجبين.. لم تشعر ساعتها أن الألم قريب من القلب.. سافرت شرقا.. وسافرت غربا.. وكنت ابحث عنك.. في عناوين الجرائد والمجلات والكتب.. وسافرت اكثر في المجرّات.. آه كم كنت واثقا من نفسك.. وكنت القناص الذي لا يرحم وانت تطارح عروس البحر الغرام.. يا ملك الدنيا التي ما نمت في حضنها دافئا.. كم كنت رائعا من نفسك.. والعير تلهث.. تضرب في الصحراء.. كم كنت تضحك.. دائرة ضوئية في البحر تاتي من اسفل تسافر في الاصفر الممزوج بالاخضر.. كم كنت تضحك.. انت الان بلون الصولجان الملكي.. النواقيس لم تعد تصلي.. ولا العشق يفتح ابواب شهواته.. انت الان بلون جدي الذي رحل يبحث عن مقلتين اضاعها في عالم لم يسجله التاريخ لرداءة احوالك العاطفية.. أم أنت بلون دمي الذي باعوه في المزادات المنفردة.. وعندما تكون يا محمود متحدا مع نفسك تشعل قيتارتك بمعزوفة الخلود. قم يا محمود.. لم يحن بعد أن نفرش الزرابي.. ونقيم لك حفل تأبين.. ان الخطأ وارد حتى في الموت.. مازال في الوقت متسع.. وهو يضم الحياة التي ستأتي اليك صاغرة. انا هنا في انتظار ان نلتقي من جديد.. لنواصل معا وساطة بني رسام وريشة ولوحة.