الشريط حاصل على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي لسنة 2007 يعرض على شاشة مهرجان الحمامات الدولي مساء اليوم الثلاثاء 19 اوت فيلم «تحت القصف» للسينمائي اللبناني فيليب عرقتنجي.. وقد تصلح عبارة «تحت القصف» عنوانا لاحد الاخبار التلفزيونية الساخنة، لكن المخرج السينمائي اللبناني فيليب عرقتنجي اتخذها اسما لفيلمه الذي تدور احداثه حول قصة حب بين اثنين من ديانتين مختلفتين اثناء الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006 وحصل به على جائزة افضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي لسنة 2007. الفيلم انتاج مشترك بين المخرج فيليب عرقتنجي وتلفزيون «ارته» الفرنسي. وقد سبق للمخرج نفسه ان انجز فيلم «البوسطة» الذي يستوحي تفاصيل حادثة عين الرمانة. مع تفاقم التدمير العسكري الاسرائيلي، كان فيليب يبحث عن وسيلة للتفاعل مع الحدث الموغل في دمويته، فكان ان اهتدى الى فكرة فيلم سينمائي يمزج، وفق الية نادرة، بين الوثائقي والتمثيل الدرامي. فكان ان اختلط اداء ممثليه بتلقائية الجنوبيين اللبنانيين في تعبيرهم عن مأساتهم، في صورة فريدة، حتى بتنا لا نفرق بين الممثل والمواطن الممتحن في وجوده. في الفترة التي كانت الطائرات الاسرائيلية، تلقي خلالها بحممها القاتلة فوق معظم الارجاء اللبنانية، حمل المخرج السينمائي عدته وتوجه الى مرفأ بيروت المتحول معبرا لاخلاء الاجانب من لبنان المستباح بفعل الة الدمار المتطورة. وهناك كانت الصور الاولى التي عكست في بعدها الوثائقي مضمون الاخلاء، بما يعنيه من فقدان لبنان لصلاحية العيش الامن، اما على المستوى التمثيلي فقد جسدت المشاهد مدخلا الى الحكاية، حكاية زينب (جسدت دورها الممثلة ندى ابو فرحات) المرأة الجنوبية القادمة من دبي للبحث عن ابنها وشقيقتها في الجنوب المشتعل. بعد يومين اثنين من وقف العمليات الحربية، كان المخرج وفريق عمله التقني، اضافة الى الممثلين الثلاثة: جورج خباز وندى ابو فرحات وراوية الشاب، قد باشروا انجاز العمل السينمائي، معتمدين طريقة الارتجال في مد جسور الحوار مع العائدين الى الجنوب، او الى انقاضه، اذ شئنا الدقة، حاملين هاجسا موحدا يتمحور حول سبل ازالة اثار العدوان. كان المشهد لا يزال طازجا: الانقاض الجاثمة فوق الاجساد، الدماء المحتفظة ببقايا الدفء الانساني، وايضا العيون التي تتجاوز فيها الدهشة مع التصميم على البقاء. لم يكن الامر يستلزم ديكورات ومؤثرات خاصة، فقد تكفلت الالة الحربية المتطورة بكل ذلك، كما لم يكن الابطال الحقيقيون للفيلم (وهم اهل الجنوب) يحتاجون الى تدريب على الاداء، او الى حفظ نصوص ادوارهم، الجميع كان جاهزا بفعل اختمار التجارب، وكان على الكاميرا ان تدور لتنقل حكايات اغرب من ان تكون واقعية. وكان على الممثلين ان يبتدعوا تمايزا في الاداء يليق بهذه العفوية النادرة التي مارسها شعب وجد نفسه في خضم المأساة فجأة. يقول الفنان جورج خباز، الذي يؤدي دور سائق سيارة اجرة اقل زينب من المرفأ الى الجنوب، قبل ان يخوضا تجربة عاطفية محظورة بفعل الاختلاف الطائفي: ان الدهشة لم تغادره منذ خطوته الاولى فوق الارض المشتعلة: الدمار شبه الشامل، الموت الفائض عن حاجة القتلة الى الحياة، وايضا الايمان المطلق الذي ابداه الجنوبيون بحقهم في الوجود. ويحلو له ان يروي حكايا تتسم بقدر لافت من الدهشة، حكاية تلك المرأة التي لم يبق لها من منزلها اكثر من متر مربع واحد، وقد جلست تحت السقف المدمر تتناول وجبة طعامها المقتصرة على بضع حبات من الزيتون، لكن ذلك كله لم يمنعها من توجيه الدعوات الحارة الى الضيوف لمشاركتها اطايب المأدبة! يتابع جورج قائلا: «كنت ابحث عن الدموع في عيون كل الذين صادفتهم، الا انني عثرت على شيء غامض يشبه الدمع لولا تلك المسحة من الاباء». الممثلة ندى ابو فرحات ترفض القبول بوجود نوع من الخدعة التقنية في تعامل الفيلم مع الناس، عبر تحويلهم الى ممثلين دون علمهم، وتحرص على التأكيد انهم كانوا يعرفون كل شيء، ولم تكن تعنيهم الكاميرات الكثيرة التي احاطت بهم، فقد كانوا مشغولين عن كل ذلك باعادة صياغة حياتهم الطبيعية، مدركين ان السرعة عامل حاسم في انجاز المهمة. وتروي مثالا على ذلك: «اثناء عودتنا بعد يوم من التصوير، نفد منا الوقود، وظننا انفسنا في ورطة الا ان الحياة لم تكن قد عادت الى طبيعتها، لكننا فوجئنا بعابر سبيل يرشدنا الى محطة قريبة تديرها امرأة، وكان موقنا اننا سنجد حاجتنا عندها. وبالفعل فقد بادرت المرأة الى خدمتنا كأننا في مكان وزمان طبيعيين، موقف كهذا كان لابد له ان يؤول بسرعة الى مشهد من مشاهد الفيلم، فهل يمكن القول ان تلك المرأة كانت تمثل دورا؟!» تقول ابو فرحات: ان الحوار الدرامي سرعان ما كان ينبثق من اي محادثة عابرة مع الناس، دوما كان لديهم ما يقولونه، وما يمكن ادراجه بسهولة في خانة المثير للاهتمام الى حدود الدهشة. اما الانطباع الابرز الذي امدتها به تلك الاحاديث العابرة، فهو الكم الهائل من الصدق الذي انطوت عليه. «كانوا بواحين كما لو انهم يحدثون انفسهم، في لحظة مناجاة». فيليب عرقتنجي: روسيليني وحده انتج فيلما مشابها مخرج الفيلم يتحدث عن تجربته بكثير من الاعتزاز، ويشير الى انه كان سبق له التفكير عام 1989، ابان الحرب اللبنانية، في اخراج عمل سينمائي يعتمد على ابطال حقيقيين، وليس على ممثلين، لكن يفاعة السن وضآلة التجربة المهنية جعلتاه يحجم عن الفكرة. اما في عام 2006 يقول فيليب: «فكنت قد اكتسبت الخبرة والمراس، ذلك ان عشرين عاما قد مضت، انجزت خلالها ما يزيد على اربعين عملا وثقائيا، اضافة الى فيلمي الطويل: البوسطة». وعن هذا المزج بين الدراما والوثائق يقول عرقتنجي انه يستلزم تسجيلا دقيقا لما يحصل حولنا، اكثر مما هو الامر بالنسبة للعمل الوثائقي العادي، كما يستدعي الحضور بسرعة في موقع الحدث، حيث يجدر بالاشياء ان تكون ساخنة. لهذا، يضيف محدثنا: «بمجرد ان سمحت لنا الاوضاع الامنية، استدعيت الطاقم الفني والممثلين، وذهبنا الى الجنوب. كنا في بداية الامر اشبه بمجموعة من العميان تتحرك على غير هدى، لكن تجاوب الناس هناك وحماستهم للكلام ورواية ما حدث، ساعدتنا على تصويب الاتجاه. يقول فيليب ان مشكلة الاساس التي واجهته اثناء انجازه الفيلم تمثلت بالخوف، فثمة خطر جسدي حقيقي في الوجود على ارض مشتعلة. وهناك ايضا خوف مهني من اقتحام التاريخ دون عدة معرفية كافية، ودون احاطة تامة بمختلف التفاصيل. يرى عرقتنجي ان العمل جديد في عالم السينما، مشيرا الى انه كان سبق للمخرج الايطالي روسيليني ان انتج عملا مشابها 1947 تحت عنوان «ألمانيا العام صفر». ويضيف واثقا، «مع هامش الخطأ الطبيعي لا اعرف تجارب مماثلة».