لا يكتمل نجاح عمل تمثيلي سواء كان تلفزيونيا أو سينمائيا إلا متى توفرت فيه الشروط البديهية التالية: سيناريو محبوك وإخراج متميز وممثلون جيدون.. ويمكن الجزم بأن الشق الثالث أي الممثل يتحمل المسؤولية الاكبر في العمل لانه في النهاية هو الذي يوصل صوت السيناسيرت وصورة المخرج للمشاهد وهو إما أن يمرر الفكرة والصورة بشكل جيد فينقذ العمل وإما العكس فيسقط السيناريو بالضربة القاضية حتى وإن كان ممتازا وقد سبق أن شاهدنا أعمالا عصف بها بعض الممثلين لسوء أدائهم رغم أن القصة موضوعة بإتقان كما رأينا ممثلين يبدعون في أدوارهم رغم أن العمل هش من حيث الموضوع. الممثل المناسب في الدور المناسب منذ أن تفتحت عيوننا على تجارب غيرنا في الحقل الدرامي أدركنا أننا مازلنا نعاني بعض الشوائب على مستوى اختيار الممثلين.. وهنا لا أقصد افتقارنا لممثلين جيدين بل على العكس لدينا من النجوم ما يكفينا لتأثيث أعمال درامية ليس بصفة موسمية فحسب وإنما على امتداد السنة أيضا.. ما أقصده هو أننا مازلنا غير قادرين على إعطاء الممثل الدور الذي يجيده ويناسبه وليس الدور الذي يختاره له المخرج لمجرد كونه يرى أنه لا يمكن أن يكون إلا كذلك... صعب جدا أن يقنعك ممثل بآدائه وأنت كمتفرّج تدرك وتشعر في عمق أعماقك أنه لا يصلح لهذا الدور أو ذاك.. فلنأخذ كمثال التجربتين السورية والمصرية وهنا أفتح قوسا لاقول لبعض المنادين بعدم جواز المقارنة بيننا وبين التجارب الفنية الاخرى، أنه فقط بالمقارنة وبالاطلاع على تجربة الاخر نتعلّم ونتقدّم ونتميّز - ولننظر إلى الممثلين الذين يتم ترشيحهم للادوار في مختلف الاعمال سواء كانت دينية أو تاريخية أو دراما اجتماعية.. ألا يشعر الواحد منا وهو يتابع هؤلاء وكأنه يقف فعلا أمام تلك الشخصية التي يتقمصها.. الشخصية التي يلبسها وتلبسه فتؤثر في المتلقي الذي لا يملك إلا أن يبكي لبكائها ويضحك معها أو عليها.. إن الدراما كما نعرفها تساعد في حل القضايا و بالتالي فإن الممثلين عبر آدائهم - يحوّلون الكتابة الجافة إلى واقع حياتي يراه المشاهد بعينيه ويسمعه بأذنيه فيرى نفسه في ذلك الواقع أي يرى أنه احدى شخصيات تلك الدراما وهنا تكمن قوة الممثل في الاقناع والابهار وحمل المتفرّج على تصديقه والتعاطف معه إذا لعب دور المظلوم والتحامل عليه إذا ما أتقن دور الشرير. معضلة الكاستينغ عندنا الكاستينغ عملية صعبة تتطلب عدا الخبرة والتجربة أن يفهم المخرج ومساعدوه النفس البشرية لان هذا الجانب مهم جدا في بناء الشخصيات الدرامية.. وهو أيضا عنصر أكثر من مهم في نجاح عمل المخرج في حد ذاته. ما نعيبه على مخرجينا لا سيما الذين يخطون خطواتهم الاولى في هذا الاختصاص أنهم لا يحتكمون في عملية " الكاستينغ" واختيار الممثلين للمنطق وإنما لمعايير أخرى قد نعرف منها شيئا وتغيب عنا أشياء.... ما نعرفه هو أن الحسن (للاناث) والوسامة (للذكور) صفات لا يمكنها أن تصنع وحدها ممثلا ناجحا ما لم تكن مطعمة بخبرة في التعامل مع الكاميرا ومع النص.. وقد لاحظنا في احد الاعمال الدرامية الرمضانية الحالية التي تعرض على احدى قنواتنا كيف أن بعض الوجوه التي لم نرها من قبل تتحرّك ب"الكوموند" وتتعامل مع النص وكأنها تلقي أنشودة أو تستحضر محفوظة أمام المعلّم.. ولا يمكن بأي حال من الاحوال أن نلومها على ظهورها بذلك المستوى الهزيل هي التي دعيت للتمثيل فلبت الدعوة... اللوم كل اللوم يقع على من قام بعملية "الكاستينغ" بوصفها مرحلة صعبة من مراحل العمل وأي فشل في هذه المرحلة قد يفسد العمل بأكمله ويلقي به في مزبلة الفن والتاريخ... على مخرجينا والمسؤولين عن هذه العملية التدقيق في الاختيار قبل توزيع الادوار على هذا وذاك دون الاعتماد على أية مقاييس فنية.. فساحتنا تعج بالممثلين القديرين من المخضرمين ومن الشباب ولكن بعض المخرجين يسقطونهم من قائمة دعواتهم لحساب وجوه لا تضيف شيئا لا للعمل ولا للمشاهد. وهنا لا يسعني إلا أن أتساءل: إذا ما استثنينا معيار الجمال والوسامة فما هي معايير المخرج في اختيار الممثل الانسب لاداء الشخصية؟ وهل هو حقا واع بدوره الريادي في تطبيق المطلب العام "الممثل المناسب للدور المناسب"؟