يبدو أنّ أزمة القوقاز في طريقها إلى التهدئة بعد الزيارة التي أدّاها الرئيس الفرنسي إلى موسكو ولقاءاته مع القيادة الروسية حول النزاع القائم بين روسيا وجورجيا والتداعيات السياسية والعسكرية لهذا الخلاف، إقليميا ودوليا. لقد تم الإتفاق على سحب القوات الروسية من الأراضي الجورجية ونشر مراقبين دوليين في إطار مهمّة أممية مع احتفاظ إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية باستقلالهما عن جورجيا. ويبدو أن الرئيس الفرنسي قد توفّق في نزع فتيل هذه الأزمة بعد الاتفاق مع روسيا على سحب قواتها العسكرية إلى مواقعها السابقة بعد شهر من الآن كما ساهم باسم الاتحاد الأوروبي في تخفيف حدّة التوتر بين واشنطنوموسكو بسبب هذه الأزمة وسرعة الردّ الأمريكي في ارسال بوارج حربية وسفن إلى البحر الأسود بدعوى تقديم مساعدات انسانية إلى الشعب الجورجي. لقد تفجّرت أزمة القوقاز منذ شهر في وقت كانت الأنظار متّجهة بشكل خاص إلى العنف المتصاعد في العراق وأفغانستان والصدامات المتكررة في الشارع الباكستاني بين مناصري ومعارضي الرئيس المتخلي والتقارب الكبير بين سوريا ولبنان وتقدّم المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب... إنّ الخلاف الناشئ بين روسيا وجورجيا يؤكد مرّة أخرى أن ّ الولاياتالمتحدةالأمريكية مصرّة على تقليص حجم الكرملين ودوره السياسي إقليميا ودوليا بعد إعلان دول الاتحاد السوفياتي سابقا التحاقها تباعا بالاتحاد الأوروبي وانضمام بعضها إلى حلف «الناتو». وبحكم حقائق الجغرافيا الجديدة أصبحت روسيا في عزلة متزايدة خصوصا بعد الغزو الأمريكي للعراق ووضع اليد على هذا البلد وثرواته والتغلغل العسكري الغربي في دول أوروبا الشرقية. لقد بدا واضحا أنّ القيادة الجديدة للكرملين مدفوعة بمواقف القيادات العسكرية الروسية التي تراجع صيتها وحظوتها تريد استعادة موقعها السياسي وحتى العسكري ولو إقليميا عبر بوابة الدول المستقلة عنها وذلك بإرسال رسائل قوية وواضحة إلى حلفائها وأعدائها. وهذا ما دفع الرئيس الجورجي إلى تحذير بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا من أن تكون هدفا لما أسماه بالتوسع الروسي.. مشبّها سياسة موسكو وممارساتها بما كان يقوم به الاتحاد السوفياتي في القرن الماضي.. قبل انهيار المعسكر الاشتراكي.. ولكن هل يعيد التاريخ نفسه، أم أنّ الغرب بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية يريد تصفية حسابات قديمة وجديدة مع أكثر من طرف في وقت واحد؟.