ارتبطت على مدى الساعات القليلة الماضية اخبار السياسة بفتاوى الايمة والمشايخ من بغداد الى باكستان وفلسطين وافغانستان حتى بلغت درجة من الاختلاط والغموض والتضارب بما يعكس واقع مشهد ارتبط بالعالم العربي والاسلامي فلم تعد القتامة صبغته الوحيدة بعد ان طغت عليه حالة اشبه ما تكون بالواقع العبثي حيث يختفي المنطق وتحل الفوضى في اسوا مظاهرها فبين انباء فتوى تحريم مشروع قانون النفط القادمة من بغداد وبين فتوى اطلاق سراح الصحفي البريطاني الان جونستون ومن قبله فتوى ارضاع الكبار وفتوى ختان البنات وغيرها من الفتاوى التي قد يخجل القلم من تدوينها والتي اريد لها ان ترتبط بالاسلام يتيه العقل بين اجتهادات المحللين والمحرمين وتفانيهم في بحث حلول او منافذ قد تساعد على تجاوز احدى الازمات السياسية او انقاذ ماء وجه احدى التنظيمات او الحركات المتشددة وهي فتاوى باتت تحرج المسلمين وتؤرقهم اكثر مما تساعد على تجاوز الحالات التي قد يواجهونها وذلك ليس بسبب اصرارها على الارتباط بالدين الاسلامي الحنيف بل بسبب ما تحمله في طياتها من تطاول وتشويه واعتداء على الدين وما تنزله من اهانة واستهتار بالمسلمين في اكثر الاحيان وكانما على المسلم الجيد الا يظهر الا في مظهرالمقاتل الهمجي المختفي خلف قناعه الاسود او الانتحاري المستعد لتفجير حزامه الناسف في الاسواق الشعبية وعلى عتبات المساجد والمدراس او حتى في المستشفيات ومواقع العزاء... ربما لم يكن الان جونستون الصحفي البريطاني المحرر يعتقد يوما وهو الذي تولى تغطية سبعة وعشرين عملية اختطاف في الاراضي المحتلة على مدى ثلاث سنوات ان يقع بدوره ضحية بين ايدي خاطفيه ولكن يبدو ان مسيرة الان جونستون الطويلة ومتابعته للقضية الفلسطينية واصراره على ان يكون شاهدا ومراقبا على ما يحدث هناك من احداث وانتهاكات الاحتلال الاسرائيلي وخروقاته التي لاتنتهي لم يكن ليجنبه تلك التجربة التي خضع لها خلال الاشهر الثلاث الماضية والتي لم يكن لها من نتيجة سوى انها ساعدت في مزيد الاساءة الى المشهد الفلسطيني ومزيد الاذى للشعب الفلسطيني ولاحدى القضايا الاكثر عدالة وشرعية على وجه الارض.... ولاشك ان الكثيرين قد تنفسوا الصعداء لتلك النهاية التي الت اليها قضية الصحفي البريطاني المختطف والتي امكن بمقتضاها تجنب الاسوا وربما تكشف الايام القادمة المزيد عن حقيقة الصفقة او الاتفاق الذي تم التوصل اليه مع الخاطفين بمقتضى الفتوى التي اعلن عنها احد مشايخ التيار السلفي في القطاع تؤكد بان الان جونستون من المؤتمنين الذين لا يجوز للمسلمين التعرض لهم... ومع طي صفحات ملف قضية الصحفي البريطاني المختطف في غزة تفتح ملفات اخرى كثيرة لا مجال لتجاوزها واولها تلك الحملة الدعائية التي قادها اصدقاء الان جونستون داخل وخارج غزة وهي حملة اعلامية على درجة من التنظيم لم تتوقف يوما واحدا منذ اختطاف جونستون وقد امتدت من نشر العرائض وتوقيعها الى تنظيم المظاهرات وتكرار النداءات الى قرار الصحافيين البريطانيين مقاطعة الحكومة الفلسطينية الى محاولات الاستفادة من كل الاطراف والفصائل الفلسطينية للوصول الى تلك النتيجة وقد اعادت الحملة من اجل انقاذ جونستون للاذهان حملة مماثلة قام بها الايطاليون بعد اختطاف مواطنتهم الايطالية في العراق واستمرت الى حين الافراج عنها وهي مستمرة ايضا في فرنسا من اجل الصحافية الفرنسية بيتن كور بما يكشف في كل الحالات اهمية وقيمة الحياة البشرية لدى المجتمعات الغربية وتجند هذه المجتمعات لحماية ونصرة أي فرد من افرادها... ولعله من المشاهد التي ارتبطت بالافراج عن جونستون والتي لايمكن ان تغيب عن اعين مراقب تلك التي ارتبطت بظهوره انتهاء محنته الطويلة مع خاطفيه في غزة وعلى كتفيه العلم الفلسطيني وقد كان لذلك المشهد ابلغ رسالة حملتها نهاية المغامرة المثيرة التي عاش على وقعها الان جونستون طوال اربعة اشهر من الاسر فالرجل لم يتنكر لمواقفه المعلنة من القضية الفلسطينية ولم يتحدث بما يمكن ان يحمل اساءة للشعب الذي طالما ارتبط اسمه باحدى اروع الملاحم النضالية المعاصرة ولم يعرب عن ندم لاهتمامه ومتابعته وحضوره الاختياري ليكون شاهدا في غزة على جرائم الاحتلال اليومية... ولعل ما لم يفصح به جونستون ولكن اطوار عملية الاختطاف تحدثت عنها بالنيابة ان تغيير واقع العرب والمسلمين وازالة الصورة السلبية التي ارتبطت بهم ولازمتهم لن تتحقق ببضع فتاوى تصر على تغييب المنطق واحالة العقل والفكر البشري على التقاعد المبكر وتروج للتسليم بقيم وعادات متصلبة وتتمسك بحلول وخيارات تفرق بين ابناء الشعب الواحد وتمزق اواصر وحدتهم وتحمل معها ما يسيئ اليهم والى قضيتهم اكثر مما يمكن ان تجلب لهم من مزايا او فوائد ان وجدت... وفي كل الاحوال فان منع اسرائيل وصدها عن مواصلة موسم حملات الاغتيال الذي اعادت تدشينه بقوة او كذلك كسب المعركة الاعلامية والديبلوماسية على الساحة الدولية او اعادة دفع القضية الفلسطينية لتحتل المكانة التي تستحق في مختلف المنابر الدولية واعادة بناء وحدة الصف الفلسطيني وكسب التاييد الدولي لا يمكن ان تتحقق ولن تتحقق بدون خيارات استراتيجية صلبة وثابتة تجعل من المصلحة الوطنية مصلحتها العليا في مواجهة مختلف التحديات القائمة وتجنب المزيد من التنازلات المجانية التي لا طائل من ورائها...