ايقاف 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بنيويورك    مدير عام منظمة الصحة العالمية.. الجائحة التالية ليست سوى مسألة وقت    أخبار المال والأعمال    دليل مرافقة لفائدة باعثي الشركات الأهلية    انقسامات داخلية حادة تهز الاحتلال حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    منوبة .. تهريب أفارقة في حشايا قديمة على متن شاحنة    برنامج الغذاء من أجل التقدم 110 مليون دينار لدعم إنتاج التمور في تونس    إطلاق منصّة جبائية    لوقف الحرب في غزّة .. هذه تفاصيل المقترح الأمريكي    رابطة الأبطال: الريال بطل للمرّة ال15 في تاريخه    علوش العيد .. أسواق الشمال الغربي «رحمة» للتونسيين    رادس: محام يعتدي بالعنف الشديد على رئيس مركز    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    بن عروس.. نتائج عمليّة القرعة الخاصّة بتركيبة المجلس الجهوي و المجالس المحلية    أمطار الليلة بهذه المناطق..    الفيضانات تجتاح جنوب ألمانيا    إختيار بلدية صفاقس كأنظف بلدية على مستوى جهوي    الرابطة 2.. نتائج مباريات الدفعة الثانية من الجولة 24    كرة اليد: الترجي يحرز كأس تونس للمرة 30 ويتوج بالثنائي    بنزرت: وفاة أب غرقا ونجاة إبنيه في شاطئ سيدي سالم    شاطئ سيدي سالم ببنزرت: وفاة أب غرقا عند محاولته إنقاذ طفليه    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    الحمادي: هيئة المحامين ترفض التحاق القضاة المعفيين رغم حصولها على مبالغ مالية منهم    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة    عاجل/ إتلاف تبرعات غزة: الهلال الأحمر يرد ويكشف معطيات خطيرة    إمكانية نفاذ منخرطي الكنام إلى فضاء المضمون الاجتماعي عبر منصة 'E-CNAM'    وزارة التربية: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة الخاصة بالمترشحين لامتحان بكالوريا 2024    الهلال الأحمر : '' كل ما تم تدواله هي محاولة لتشويه صورة المنظمة ''    كرة اليد: اليوم نهائي كأس تونس أكابر وكبريات.    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    بعد إغتيال 37 مترشحا : غدا المكسيك تجري الإنتخابات الاكثر دموية في العالم    وزيرة الإقتصاد و مدير المنطقة المغاربية للمغرب العربي في إجتماع لتنفيذ بعض المشاريع    حريق ضخم جنوب الجزائر    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    عاجل/ بنزرت: هذا ما تقرّر في حق قاتل والده    لأول مرة بالمهدية...دورة مغاربية ثقافية سياحية رياضية    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    ماذا في مذكرة التفاهم بين الجمهورية التونسية والمجمع السعودي 'أكوا باور'؟    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي 'أكوا باور'    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الإعلامية "الإسرائيلية" الجديدة 2-4


تأليف: دوني سيفير / ترجمة وعرض: بشير البكر
يعتبر الصحافي والكاتب الفرنسي دوني سيفير من أكبر المتخصصين في قضايا الصراع العربي “الإسرائيلي” في فرنسا. وفي جعبته الكثير من الكتب التي تتطرق لهذا الصراع، وآخرها الذي صدر حديثا في باريس عن دار “لاديكوفيرت” تحت عنوان “الحرب الاعلامية “الاسرائيلية” الجديدة”، الذي يلقي الضوء على تغطية وسائل الاعلام، “بعد واحد وعشرين يوما من العنف الأشد، ما هو التأويل السائد لدى مواطنينا، ولدى المستهلكين المتوسطين للأخبار، وبشكل خاص لأخبار الراديو والتلفزيون أو القراء المنتظمين؟
يرى الكاتب أن فرنسا معرَّضة لهذا المشكل بصفة مباشرة. وبسبب السوسيولوجيا والتاريخ فهي من دون شك البلد الغربي الأكثر إحساسا بقفزات الصراع الشرق الأوسطي: إذ إنها تستقبل على أراضيها أكبر جالية يهودية في أوروبا، وأيضاً أكبر جالية إسلامية. كما أنها تحمل في ذاتها الذاكرة الحية لماضيها الكولونيالي ولإبادة اليهود”.
الانسحاب من غزة كان مخططاً لإعلان الحصار
ليست الغارات “الإسرائيلية” هي التي تسبب أكبر الأذى لسكان غزة، بل إن الحصار والخنق الاقتصادي الذي يترتب عليه هما اللذان يؤثران أكثر في الفلسطينيين، “إلا أن هذا الحصار هو أيضا “الزاوية الميتة”، في الأخبار الفرنسية والدولية عن هذا الصراع. هذه الكارثة الاجتماعية والصحية لا توجد في سجلّ الأحداث”، والصحافة العالمية صوّرت خروج “الإسرائيليين” من غزة باعتباره عين الحكمة. ولكن دوني سيفير يكتب بحق عن حقيقة الأوضاع بعد الانسحاب “الإسرائيلي” الماكر: “إن التذكير بالأحداث التي طبعت السنوات الثلاث والشهور الأربعة يشهد بالتأكيد على واقع يُكذّب الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”. إن انسحاب 8500 مستوطن يهودي من غزة لم يَعْن أبدا الحرية والسيادة لسكان غزة”، والانسحاب “الإسرائيلي” أحادي الجانب لا يعني فك الارتباط. ويجب التساؤل حول التأويل الذي اقترحته آنذاك معظم وسائل الإعلام الغربية.
تعرف “إسرائيل” كيف تسوّق الأخبار. ويذكّرنا سيفير كيف قامت “إسرائيل” بإبراز المناوشات العنيفة التي حدثت بين الجيش “الإسرائيلي” والمستوطنين الرافضين لمغادرة قطاع غزة. “نحن نعرف ما تستطيع “إسرائيل” أن تفعله حين يتعلق الأمر بمنع تحول خبر إلى حديث كل وسائل الإعلام. ونحن نعرف أيضا ما تستطيع أن تفعله حين تريد أن تكشف للعالم بأسره ما هي بصدد فعله”، وبعد أربع سنوات ونصف السنة على الانسحاب “الإسرائيلي” من غزة بدأت الصحافة، التي كانت في البداية متحمسة للأمر، تتساءل حول معنى هذا الفعل السياسي الذي تم تقديمه باعتباره “تصرفا جريئا” من قبل أرييل شارون. والذي لم يكلف نفسه عناء التنسيق مع شريكهم في المفاوضات، رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن).
الكثيرون اعتبروا تصرف شارون أخرق، لكن المؤلف يرى عكس ذلك: “يمكن أن نوجه الكثير من الانتقادات لشارون، غير أنه لا يمكن اعتباره أخرق. إذاً، فليس من الممنوع الاعتقاد بأن الانسحاب من غزة في أغسطس/ آب 2005 والهجوم الدموي عليها في نهاية سنة 2008 وبداية ،2009 يجب أن نقرأهما معا باعتبارهما مجموعا متجانساً. حدَثَان ينتميان إلى متوالية تاريخية واحدة”، ويسترسل الكاتب “إن تفكيك المستوطنات من جانب واحد وطوفان النار على غزة تم التفكير فيهما باعتبارهما مرحلتين من نفس المشروع. إن عناد أرييل شارون في خنق اقتصادي لسكان غزة في اليوم التالي من الانسحاب يعزز من وجود فرضية استراتيجية طويل الأمد”.
بورتريه مقلق عن فلسطيني خيالي
يكتب سيفير “إن هذا الحصار المحدِّد للحياة اليومية والبسيكولوجيا الجماعية للفلسطينيين، والذي حدّد في جزء منه استراتيجية حركة حماس تعمّدت السلطات “الإسرائيلية” إخفاءه عن الرأي العام “الإسرائيلي”” ونتيجة لهذا الإخفاء “فإن رجل الشارع “الإسرائيلي” لا يفهم في شيء سبب صعود حماس ولا عن إطلاق صواريخها على المدن “الإسرائيلية” المجاورة”، ولأن رجل الشارع “الإسرائيلي” هذا لا يتوفر على آليات لشرح تعقيدات الصراع وتشعباته فهو يجد نفسه يبحث عن تفسيرات وتأويلات لا علاقة لها بالمنطق والحقيقة” بسبب حرمانه من التفسيرات الاقتصادية والاجتماعية، يبحث رجل الشارع “الإسرائيلي” عن أسباب هذه الأحداث في طبيعة حركة حماس بل وفي طبيعة “العرب”، الذين يحكم عليهم بكونهم عنيفين وميّالين للنزاع. إنه يُحلّل صعود حركة حماس كنتيجة ظاهرة أسْلَمَة تلقائية للسكان”، والخطرُ يكمنُ في أنه “حسب هذا المتخيَّل الجماعي الذي ينتج بدوره “عربيا متخيَّلا”، فإن “إسرائيل” توقفت انطلاقا من 12 سبتمبر 2005 - تاريخ انسحاب آخر جندي “إسرائيلي” - عن أي مسؤولية على مصير غزة”.
كل هذا على الرغم من أن كل البنى التحتية التي تفتح غزة على العالم - المطار والميناء- ممنوعة من قبل الدولة العبرية، وعلى الرغم من أنّ المحطة الكهربائية والجسور كانت هدفا لقصف الطيران “الإسرائيلي” من الأيام الأولى للحرب، كما أن شاحنات الإمدادات يتم إيقافها حتى تفسد البضائع التي تحملها في عين المكان. لا يهم إن كان قد فُرِضَ على 2700 فلسطيني من الذين يشتغلون في “إسرائيل” أن يبقوا في غزة ويصبحوا عاطلين. ومن هنا فسكان مستوطنة سيديروت ما أن يروا الصواريخ تنهال عليهم حتى يشعروا بأن سكان غزة جاحدون. وينقل الكاتب عن لقاء بين صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية وبين أري شافيت الصحافي في صحيفة “هآرتس” الذي يعلق على التوتر الحاصل بين غزة و”إسرائيل”. يقول شافيت: “إن غزة هي الجبهة التي قامت “إسرائيل” تجاهها بما يتوجب عليها أن تفعل. لقد فككت المستوطنات وانصاعت لطلبات اليسار “الإسرائيلي” والمجتمع الدولي” ويضيف شافيت: “لكن الجواب لم يكن هو السلام. ولا حتى الهدوء. ولكن الجواب هو إرساء نظام عدواني ومتطرف بعد انقلاب بروائح فاشية”. يرسم الكاتب، ساخرا، وجهة النظر الرسمية “الإسرائيلية”: “غزّاويون أحرار وذوو سيادة واقتصاد مزدهر، ينتخبون حركة حماس ويطلقون صواريخ على سديروت، فقط بسبب حقدهم على “إسرائيل””.
هذا التصور “الإسرائيلي” عن فلسطينيي غزة تعزّز خلال هذه السنوات 2002-2009 من خلال بثّ الأيديولوجيا المسماة “صدمة الحضارات”، خصوصا من طرف الإدارة الأمريكية بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 وفي غياب الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية فإن تمرد سكان غزة، الذي يُعتَبَر صعودُ نجم حركة حماس إحدى تمظهراته، لا يمكن أن يكون سوى “دينيا” و”حضاريا”.
حماس في وسائل الإعلام
أهون الأشياء في الغرب أن تكون الصحافة الغربية معادية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في الغرب يربطون بين حركة حماس والعمليات الانتحارية الفظيعة في طرق استعمالها وفي أهدافها: موت مدنيين من المفترض أنهم أبرياء. أمّا في فرنسا، وربما أكثر من أي مكان آخر، فحماس تتعرض لعداء، ليس فقط بسبب عملها بل أيضا بسبب أيديولوجيتها التي ترفض كل فكرة عن المجتمع الذي لا يُسيَّر من طرف الدين. لكن المؤلّف لا يكتفي بالإشارة إلى نفور الفرنسيين من المرجعية الدينية لحركة حماس، وعلى الرغم من أن الصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني لا يترك المرء لا مباليا، ويطالب بطرح الأسئلة. وينطلق من بدهيّة يميل الكثيرون إلى نسيانها وهي “أنّ حركة حماس ليست هي التي خلقت الصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني”، وينتقل المؤلف للحديث عن ثنائية “الإسلاموي والحداثي” المغلوطة، ويقول حركة حماس تأسست في ديسمبر/ كانون الأول من سنة ،1987 أي بعد أربعين سنة على تأسيس دولة “إسرائيل”. وإذا فهي نتيجة من نتائج الصراع ذي الطبيعة الكولونالية. كما أن تطورها يمكن تفسيره بالشعور المتقاسم بين الفلسطينيين بأن مفاوضات أوسلو ألحقت بهم ضررا ولم تؤدّ إلى أي نتيجة بخصوص الدولة الفلسطينية، بل على العكس أتاحت، بموازاة ذلك، تزايد عدد المستوطنات. وفي ما يخص الطابع الديني لحركة حماس فالمؤلّف يرى بحق أنه “يتوجب وضعه في سياق العالم العربي وليس في ضوء تقليدنا العلماني”.
الكاتب قارئ جيد للوضعية الفلسطينية ولحركات التحرر العالمية، وهو هنا يرصد “النفاق” الفرنسي فيما يخص حركة المقاومة الإسلامية حماس. ويعترف: “كاتب هذه السطور لم يَرْتَد أبدا الكنائس إلا حين أجرى تحقيقاً سنة 1983 في بولونيا حين كانت نقابة التضامن في صراع ضد دكتاتورية الماريشال ياروزيلسكي. وفي ما يخص لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية التي قادت العديد من الرهبان في أمريكا اللاتينية إلى أن يكونوا بجانب المقاومة الشعبية، فهو لم يُثر الاحتجاج في فرنسا العلمانية. على العكس، كم من مرة سمعنا من أنصار عراق صدام حسين يدافعون عن “نظام علماني”؟
يستعرض الكاتب الاتهامات والتقولات التي طالت حماس ويفندها. و”من بينها حقيقة أن حركة حماس ليست هي التي اخترعت العمليات الانتحارية. إضافة إلى أن حماس ليس لها احتكار استهداف المدنيين. فخلال حملتين عسكريتين “إسرائيليتين” في لبنان سنة 2006 وفي غزة سنة ،2008 تسبّب الجيش “الإسرائيلي” في مقتل ما يقرب 2000 من المدنيين” ويضيف ساخرا من تبريرات الكثيرين من الغربيين و”الإسرائيليين”: “هل يمكن أن نعتبر القنابل أقل قسوة حين تلقيها طائرات “فانتوم 16” أو طائرة “ميراج” فرنسية من يد طيار “إسرائيلي”؟”، ويستحضر المؤلف الكلمة الشهيرة، التي تنطبق على الوضع الفلسطيني، للمناضل الجزائري، عضو جبهة التحرير الوطني الجزائري، لعربي بن مهيدي، سنة ،1957 وهو يجيب الصحافيين الفرنسيين بعد اعتقاله عن انتقادهم وضع المناضلين الجزائريين لقنابل في المقاهي: “أعطوني طائراتكم أمنحكم قنابلي”، ويذهب الكاتب بعيدا في تحليله، وهو ما يجعله متميزا بشكل جذري عن المُحللين الغربيين: “ليس لأن بعض عمليات حركة حماس تثير اشمئزازنا يتوجب علينا أن نفرغها من كل بعد عقلاني”، ويفسر الأمر: “وكما سوف سنشرحه لاحقا، فتفجيرات حماس لا تأتي أبدا بمحض الصدفة. إن حركة حماس، قبل أي شيء، حركة سياسية، أي حركة مسكونة بنزوع عقلاني”.
توجد دائما طريقتان، في نظر المؤلف، للنظر إلى حركة المقاومة الإسلامية: “أوّلاً من خلال منظور واسع يمكن اعتبارها عمياء عن كل ما يحيط بها، أو من خلال إعادة إدخالها في تاريخ وفي سياق. الطريقة الثانية ليست بالتأكيد نظرة أصحاب دعاية وبروباغاندا القضية “الإسرائيلية”. وللأسف، إن منهج بعض كبار الصحافيين والمعلّقين والمفكّرين الذين يحسون بالتشنّج والانقباض كلما تعلق الأمرُ بظواهر دينية، وبشكل خاص إسلامية. الطرف الثاني يلتحق في معظم الأحيان بالطرف الأول كي يحكم كثيرا بمقبولية الجرائم حين يرتكبها جيش نظامي”.
الوجه الحقيقي لمشوّه الأخبار
الصورة التي يعرفها الرأي العام عن حركة المقاومة الإسلامية، حماس، مصدرها أوكار الاتصالات “الإسرائيلية”. وهذه الصورة تلقفها العديد من اصحاب الدعاية الصهيونية ومن بينهم فريدريك انسيل المعروف عنه بأنه احد زعماء حركة “بيتار” الصهيونية المتطرفة، ويرى الكاتب انه يسوق افكاره باعتباره خبيرا، ومختصاً في الجيوسياسة، الذي ينتشر في العديد من الصحف ويؤثّر في بعض المُعلّقين”. ويقول المؤلف ان هؤلاء الدعائيين يختارون برامج ومواقع على قدر مستوياتهم وجمهورهم، ومن هنا يحذرون من ارتياد برنامج ريبوست على قناة مجلس النواب، أو برنامج “نقاش” لسيرج مواتي على القناة الخامسة، ويركّزون على مجلات متخصصة وخاصة بالجالية اليهودية”، وفي صناعة لوبي مؤيد ل “إسرائيل” يتوقف المؤلف عند دور انسيل ويستحضر مقالا له كتبه من دون تصنع نشر في سبتمبر ،2007 ويذكر المؤلّف أن المجلة أرسلت 5000 نسخة إلى وزارة الشؤون الخارجية و5000 نسخة إلى مسوؤلين سياسيين واقتصاديين في البلد.
تحت عنوان مُغْرٍ “وجه حماس الحقيقي”، يهب الكاتب الفرنسي الصهيوني لنجدة “إسرائيل” عشية حدث قمين بتغيير إيجابي لصورة حماس في الرأي العام الغربي. “بعد شهر من سيطرتها على قطاع غزة استطاعت حماس أن تطلق سراح الصحافي البريطاني ألان جونستون الذي كان في أيدي مجموعة راديكالية فلسطينية”، وكانت الردود إيجابيةً من قبل العواصم الغربية على هذا العمل، وحتى وزارة الخارجية البريطانية أرسلت رسالة شكر. وهو ما تسبب في إثارة قلق “إسرائيل”. ومن هنا كان عمل الخبير الفرنسي الصهيوني يتمثل في تشويه سمعة حماس. وتم الأمر من خلال الزعم بأنّ اختطاف الصحافي البريطاني من قبل مجموعة تطلق على نفسها “جند الإسلام” وتحريره بعد شهور من اختطافه خططت له حركة حماس.
ولأن الكاتب دوني سيفير لا يكتفي بسرد رواية فهو يلجأ إلى رواية أخرى للحدث، كي يقارع الحجة بالحُجّة. ويذكر رؤية لهذه القضية وردت في كتاب “البقاء حيا في غزة” للفلسطيني محمد الرنتيسي، وهو أخ القائد الحماسي عبد العزيز الرنتيسي الذي اغتاله الجيش “الإسرائيلي” سنة ،2004 وملخصها أن “الصحافي البريطاني كان يتمتع بتقدير كبير من قبل الفلسطينيين لنزاهة مقالاته، اختطف بعيد انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية “من أجل إعطاء انطباع بأن غزّة أصبحت من الآن فصاعدا تشبه العراق”، ويصف محمد الرنتيسي مختطفي الصحافي البريطاني بكونهم “متعاونين (مع العدو) ومافيوزيين”.
يقف الكاتب في مفترق الطرق بين الروايتين، ولكنه يبحث عن منطق معين يمكن القبول به على الأقل. ويقول بخصوص منطق حماس: “لا يمكن أن نرى جيدا الفائدة التي يمكن أن يجنيها زعماء حماس، الباحثون عن المصداقية في اليوم التالي من انتصارهم الانتخابي، من زرعهم للفوضى”، ويعود سيفير إلى مقال فريديريك إنسيل ويكشف عما كان عليه تعليقه على سيطرة حماس على غزة في حزيران ،2007 إذ يصف “إعدامات بلا محاكمة للشرطة الفلسطينية، و”التدمير والاستيلاء على مملكات الفلسطينيين الذين ظلوا موالين للرئيس المنتخب محمود عباس”. ولكن سيفير لا يتوقف عند مجرد الاستشهاد بأقوال الصحافي الفرنسي الصهيوني فريديريك إنسيل بل إنه يحلل خطابه وقاموسه المستخدم. ويتوقف عند كلمات “موالين” والرئيس “المنتخب”. ويعلق “كما لو أن حماس لم تكن هي الأخرى “مُنتَخَبة” في يناير/ كانون الثاني ،2006 وكما لو أنه لم تحدث مواجهات مع مجموعات من حركة فتح فاسدة ومافيوزية، تعادل حركة حماس قسوة وعنفا، والتي لم يكن حافزها الأول، بالتأكيد، هو “الولاء” لمحمود عباس، وحين يعود الكاتب الصهيوني إنسيل إلى قضية حماس ونشوئها، يقوم بخلط الكثير من الأشياء والمغالطات ويقوم بتشويه الوقائع. “وبعد أن يصف حركة “الإخوان المسلمين” بكونها “جماعة متعصبة” (وهو ما يرى فيه سيفير فقرا مدقعا بالنسبة ل”خبير”!) يتناول موجتي العمليات التفجيرية ذات النمط الانتحاري في سنتي 1994 و،1996 ولكنه “يخفي الأوضاع التي سبقت هذه التفجيرات”، ويلاحظ سيفير أن إنسيل، يحرص على انتقاء قاموسه، ولا يتركه لمحض الصدفة. “لا مجال لذكر الانتفاضة ولكن يذكر “الحرب “الإسرائيلية” الفلسطينية”. كما أن هذه الحرب ليس لها سوى حصيلة واحدة، وهي الضحايا “الإسرائيليين”: 411 من سنة 2000 إلى ،2007 كما أن نحو خمسة آلاف فلسطيني قتل في نفس الفترة”، ويرى سيفير أن إنسيل يريد بل يتمنى رؤية الفلسطينيين منهكين في حرب أهلية. “ولكن هذا الحلم الذي يعبر عنه الكاتب الصهيوني تَرافق مع عبور شاحنات إلى غزة محملة بالأسلحة ومصفحات خفيفة لتسليح مجموعات من فتح”، وينقل المؤلف عن محمد الرنتيسي وهو يكتب عن هذا الدعم “الإسرائيلي” لمجموعات من فتح في صراع غزة، بنوع من السخرية: “لا يُقال لنا إن هذه المصفحات أتت عبر الأنفاق السرية”، والأمر واضح وبديهي بالنسبة لمحمد الرنتيسي، كما يلاحظ المؤلف: “ثمة عائلات مافيوزية مدعومة من قبل “الإسرائيليين” تسليحها وإمدادها بالأموال من أجل اغتيال قادة من حماس”، وهي “فرضية اتفقت معها شهادات جمعها محمد الرنتيسي من غزاويين لم يُعرف عنهم تعاطُفٌ مع حماس”.
من التضليل الإعلامي إلى الإسلاموفوبيا
وكي ينقل لنا المؤلف الآراء الأكثر كاريكاتورية عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ينتقل من ال”خبير” المُفضَّل لدى وسائل الإعلام المرئية والبصرية، إلى أحد كبار الصحافيين الفرنسيين، وكاتب الافتتاحيات في مجلة “لوبوان” الفرنسية الأسبوعية، وهو كلود أمبيرت، “الذي لا يُخفي مشاعره المعادية للإسلام”. ويقول نقرأ في قاموس أمبيرت كل الأوصاف المقذعة عن حركة حماس وحزب الله: “إن رجال حماس “سحرة” وأفاع سامة و”سمّ” و”مجانين الله” و”مسعورون” ومهتاجون، أما الشعب الذي يحمي حماس فهو عبارة عن جمهور يعِج عجّاً كما القمل والبراغيث”.
هذا الموقف المعادي لحركة حماس جعل كلود أمبيرت يضع ضحايا الغارات “الإسرائيلية” بين قوسين. ويصف مظاهرات التأييد للفلسطينيين بأنها “هيجان شعبي” أو أن “الحشد يتحمس”، ويعلق الكاتب على الأمر بأن الصحافي امبيرت يريد “أن ينزع عن حماس وعن الشعب الفلسطيني وعن المتظاهرين الذين يناصرنوهم أدنى عقلانية”، ويضيف: “إن قارئ كلود امبيرت ليس مدعوّا إلى أن يفهم، بل هو مدعوٌّ إلى أن يخاف وإلى أن يكره هذه المجموعات البشرية الشيطانية ذات المحفزات التي يستحيل سبرها”، و”من الأولى أن نقول إن الاستيطان “الإسرائيلي” والقمع والحصار ليس لها معنى في خطاب امبيرت”.
ليست مجلة “لوبوان” ذات النزوع الصهيوني وحدها من يعادي حركة المقاومة الإسلامية حماس، بل ينتقل بنا الكاتب إلى الصحيفة اليمينية اليومية “لوفيغارو”.
في شهر ديسمبر/ كانون الأول من سنة ،2008 وبعد يومين من الغارات “الإسرائيلية” على غزة، كتب الصحافيّ ثيري أوبيرلي بعنوان لافت: “حماس أو استحالة التخلي عن سلاح الإرهاب”. يتطرق فيه إلى تصريح لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، عن عودة العمليات الاستشهادية، فيتحدث أوبيرلي عن “العنف الأصلي”، وليس فيها ما يمكن أن نقرأ فيه أن العمليات يمكن أن تكون ردا على اعتداءات “إسرائيلية”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.