تونس:الصباح في فصل الصيف تتزايد مصاريف العائلات التونسية وتكثر نفقات الترفيه والشواطئ وحفلات الأعراس والنجاحات في الامتحانات الوطنية وغيرها.. ويؤثر ذلك سلبا على ميزانيات الأسر حيث يعسر عليها تحقيق المعادلة الضرورية بين المداخيل والمصاريف.. وكثيرا ما أصبحت العائلة تلجأ مضطرة إلى ذلك اضطرارا إلى التداين والاقتراض.. ولمعرفة رأي التونسي حول ظاهرة التداين تحدثت "الصباح" إلى عدد من المواطنين فأكد جلهم على أن هذه ظاهرة أصبحت تبعث على القلق.. وقال بعضهم "التونسي والكريدي.. هز ساق تغرق الأخرى".. يذكر في هذا الإطار أن منظمة الدفاع عن المستهلك اهتمت بهذا الملف الهام.. واعتبرت أن ظاهرة التداين الأسري مرشحة لمزيد التطور في المستقبل بالنظر إلى تمركزها في الفئة العمرية النشيطة في المجتمع وهي الممتدة بين 20 و59 سنة ذات القدرة الشرائية الكامنة من جهة، واعتبارا لتطور هذا الصنف من التداين بنسق يفوق نسبة نمو الدخل الخام للأسر في نهاية التسعينات من ناحية أخرى.. وفي انتظار صدور نتائج الدراسة المتعلقة بتداين الأسر فإن المنظمة تسعى عبر برامجها التحسيسية إلى نشر ثقافة الاعتدال والاتزان لدى المستهلك التونسي. وحول مدى استفحال ظاهرة التداين لدى الأسر التونسية قال السيد حميدو علي إن الظاهرة فعلا مقلقة.. وبين أن جل التونسيين لديهم ديون سواء لدى البنوك أو لدى الأجوار أو الأقارب أو الأصدقاء.. وبين أنه هو بدوره تحصل على سلفة ولكنه لم يخلف الوعد مثل الكثير من الناس وأعاده إلى صاحبه في الأجل المتفق عليه.. وقال "يجب على كل من يقترض من غيره مالا أن يكون مخلصا وأن يكون عند الوعد وذلك ليحافظ على ماء الوجه وعلى احترام الناس له". وبين أن السبب الرئيسي الذي يدفع التونسي للاقتراض والتداين هو ارتفاع تكاليف المعيشة من ناحية ومن ناحية أخرى فهو يرجع إلى رغبة التونسي في النسج على منوال الجار والقريب وتوفير الضروريات والكماليات في بيته". ويذهب السيد الصحبي إلى أن البنوك مدعوة إلى تقديم قروض دون شرط الضمانات وذلك حتى تسهل على المواطن قضاء شؤونه.. وبين أنه يرغب في الحصول على قرض لكن تعوزه الضمانات التي تطلبها البنوك وهو يضطر في وقت الحاجة إلى اقتراض المال من أصدقائه خاصة حينما يجد نفسه مضطرا إلى دفع مصاريف تسوغ المنزل ومستلزمات العودة المدرسية للأبناء ومعاليم الماء والكهرباء دفعة واحدة.. وبين أن أجره محدود وأنه لا يعمل بصفة قارة لذلك يعسر عليه توفير متطلبات أسرته بصفة دائمة فيلجأ مكرها أخاك لا بطل إلى التداين. وأضاف "ألاحظ أن التداين الأسري يستفحل أكثر خلال فصل الصيف نظرا لكثرة الأعراس وحفلات النجاحات في الامتحانات وكلها تتطلب مصاريف إضافية قد لا تبرمج لها العائلة مسبقا فتجد نفسها مرغمة على مسايرة ما جرت به العادة وتوفير الهدايا التي تليق بالعروس أو الناجح في الامتحان.. ولكنني أنا لا أجاري هذه العادات لأن إمكانياتي المادية لا تسمح لي بذلك وأقتصر على زيارة المقربين جدا من العائلة خلال حفلات الزواج فما أوفره من مال بالكاد يسد الرمق ويستجيب لمتطلبات أبنائي". وبين أن وسائل الإعلام هي التي جعلت التونسي أكثر تهافتا على اقتناء كل الضروريات والكماليات دون مراعاة لمقدرته الشرائية.. التقليد ولا يختلف صابر مع الصحبي في التأكيد على أن التونسي يرهق نفسه بالقروض ويغلقها في الديون رغبة في تقليد غيره ليس إلا.. وقال إن المواطن مدعو إلى ترشيد استهلاكه والتقليص من المصاريف.. وعوضا عن التداين ومواجهة المشاكل الناجمة عن عدم خلاص الكمبيالات عليه أن يعيش بالكفاف.. وأضاف صابر أن أكثر الفئات التي تعاني من الديون هي فئة الشباب حديثي العهد بالزواج.. وقال "يمكن أن أجزم أن جل الشبان التونسيين يعمدون إلى اقتناء أثاث المنزل وتجهيزاته بالتقسيط ويشترون أغلب مستلزمات العرس ب "الكريدي".. وهو أمر يدعو إلى القلق.. لأن الأسر الحديثة تواجه مشاكل كبيرة بسبب المديونية قد تؤدي إلى الطلاق". وبين رشيد أن الشاب حتى وإن لم يوفر مستلزمات بيت الزوجية ب "الكريدي" فإنه مكره بعد الزواج على التداين خاصة إذا كان لا يملك منزلا أو عمل قار.. وقال إن البطالة هي سبب الداء.. وهي التي تدفع المواطن إلى التداين. وأضاف قائلا "انظروا إلى حالي.. فأنا عاطل عن العمل.. وحتى إن اشتغلت فعادة ما يكون لفترات متقطعة ولكنني مطالب بتوفير المأكل والملبس لأبنائي وزوجتي ومطالب بتسديد معلوم الكهرباء ومعلوم الماء ومعلوم تسوغ المسكن فكيف لا اقترض".وبين أن المواطن لا يقترض فقط من البنوك بل يستلف المال من الأجوار والأقارب ويشتري مستلزماته من الخضار والجزار والفحام وبائع المواد الغذائية ب "الكريدي".. وتراه حينما يقبض أجره لا ينعم به أكثر من ساعة واحدة لأنه سيدفعه إلى جميع من أقرضوه ويبقى جيبه خاو.. وأحيانا عليه أن يستلف المزيد لتوفير مصاريف الدروس الخصوصية التي أصبحت كالملح في الطعام.. ويذهب كل من محمد وسفيان وعبد المجيد إلى أن البطالة مرّة.. وهي التي تدفعهم إلى التداين واستلاف المال لتوفير المأكل وقال محمد إنه مرهق جدا ومتعب من كثرة جوبان الشوارع بحثا عن موطن شغل لكن كل الأبواب كانت موصدة في وجهه وبين أنه أصبح يخجل من نفسه لما يطلب سلفة لأنه بالغ في الاقتراض.. وبين سفيان أنه يرغب في الحصول على عمل شريف في مجال النجارة التي يتقنها حتى يتمكن من توفير لقمة العيش ولا يضطر للتداين وهو نفس ما يرغب فيه عبد المجيد. وخلافا لما ذهب إليه عبد المجيد يرى علي عثمان أن التونسي يخاف من القروض ولا يجازف.. ودعا الشباب إلى التعويل على أنفسهم وقال "يجب أن نربي التونسي على أن القناعة كنز لا يفنى حتى يحمي نفسه من التداين".