رغم العرقيل والصعوبات وتواضع الميزانية ورغم العوامل المناخية غير الملائمة بربوع ضفاف المرجان فإن الدورة 12 للمهرجان الدولي للجاز قد انطلقت مع عرض كبير بامضاء الشيخ يوسف لطيف الفنان الأمريكي رفقة الثنائي بلمندو من فرنسا بمرافقة عازفين آخرين على البيانو والكونترباص والباطري. موسيقى الجاز هي موسيقى اللقاءات، ربما لقاء الصدفة، لقاء الأسرة الفنية والاتجاهات التي لا تعرف الحدود، لقاء الفنان الأمريكي مع الثنائي بلمندو يندرج في هذا الاطار، لقاء «التأثرات» خلال السهرة الاولى التي كان بطلها يوسف لطيف، هذا الشيخ الطاعن في السن (87 عاما) اهدانا باقة من المعزوفات مستعملا خلالها أنواعا عديدة من آلات النفخ لا يدرك كنهها الا هو وعزف على آلة الساكسو و«الفلوت» وعلى غيرها من الآلات. أما الأخوان بلمندو فقد أثريا السهرة من خلال عزفهما المبهر على آلات نفخ معروفة وقدموا مراوحة ساحرة بين القديم والجديد ليعبروا عن دور الموسيقى في تقارب الشعوب والسلام، فهي ايضا ذاكرة وتعبير وتلاق وتحابب ووئام. اليوم الثاني كان في الحسبان أن يسهر عشاق الجاز مع النجمة الامريكية ستاسي مساء السبت الماضي الا أن هذه الأخيرة تخلفت عن الموعد وبفضل حنكة المسؤولين عن ادارة المهرجان وتجربتهم العريقة تم التوصل الى الحل البديل فكانت المفاجأة الاولى التي كانت سارة جدا، اذ عشنا مع عازف البيانو والفنان الألماني المبدع، صاحب الأنامل الذهبية ألا وهو جواكيم كون الذي رافقه كل من المغربي مجيد بكّاس، عازف آلة القمبري والعود وآلة الكلنبا الذي أدى وصلة من الاغاني العربية والغربية من خلال معزوفات لذيذة من خلال صوته الساحر. أنغامه أنعشت الجمهور الى حد الانتشاء وهي أنغام متناسقة جدا مع عازف البيانو وكذلك الفنان رامون لوباز الذي أبهرنا بإيقاعاته على آلة الباطري، فإذا كان الألماني قد حاز على المفاجأة الاولى فإن المغربي مجيد بكاس كانت بمثابة «المفاجأة» السارة الثانية. معزوفات جواكيم معقدة بدون ادنى شك، لأنها تتغير من جملة الى اخرى، يجدد بدون هوادة بدون أن يحذف ما سبق وبالنسبة اليه انتاج هي الكلمة الفصل في أعماله وأوزانه وأنغامه. إذن سهرة المفاجآت أنعشت الجميع وستظل عالقة في اذهان كل من تابعها. أما المفاجأة الاخرى فتتمثل في الحفل الذي قدمته الفنانة الفرنسية أنا هيبرلي في مفتتح السهرة والتي قدمت باقة يانعة من الأغاني الاوروبية من نوع البوب والفولك والروك وحتى البولك، أغان خفيفة تفاعل معها الجمهور الحاضر.