لم ينتظر الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي طويلا ليبدا الكشف عن روزنامة اولوياته الخارجية ولاسيما ازاء منطقة شمال افريقيا التي تربطها بفرنسا علاقات لا تخلو من خصوصية واضحة حيث يعيش في فرنسا اكثر من سبعة ملايين مهاجر من اصول مغاربية وهم بمثابة جسر بشري او حبل وصال انساني واقتصادي وثقافي وسياسي بين ضفتي المتوسط الامر الذي من شانه ان يمنح زيارة الرئيس الفرنسي الاولى من نوعها الى عدد من دول شمال افريقيا بعدا اضافيا لا بسبب العلاقات الجغرافية والتاريخية التي تربط هذه الدول بفرنسا فحسب ولكن ايضا بسبب الموقع الاستراتيجي للمنطقة بعد عقود مرحلة الاستعمار الطويلة ودورها في مواجهة العديد من القضايا المصيرية المشتركة التي تعتبرها اوروبا اساسية في دعم اسباب امنها وازدهارها بل وحتى استقرارها. فليس سرا بالمرة ان العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية لم تعد وحدها القضايا التي تشغل قادة دول الشمال في علاقتهم بدول الجنوب في خضم الانشغال بقضايا الهجرة غير المشروعة ومخاطر الارهاب والجريمة المنظمة وغيرها من التحديات التي ينظر الى دول الجنوب كمصدر لها... واذا كان في اختيار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المانيا لتكون محطته الاوروبية الاولى في نفس اليوم الذي تم تنصيبه فيه رئيسا ما يعكس جانبا من أولويات العلاقات الفرنسية الاوروبية، فان في اختياره شمال افريقيا لتكون اول محطة له خارج اوروبا منذ توليه الرئاسة في ماي الماضي ما يمكن بدوره ان يعكس جانبا من اولويات الرئيس الفرنسي الجديد على مدى السنوات الخمس القادمة في شمال افريقيا. ولا شك ان في توقيت هذه الزيارة المقتضبة زمنيا التي تاتي عشية احتفالات فرنسا بعيدها الوطني وبعد اقل من شهرين على تولي ساركوزي منصبه الجديد ما يمكن ان يوحي بما يحمله ساركوزي في حقيبته او ما سيقدمه من افكار ومبادرات كان قد كشف جزءا منها خلال حملته الانتخابية الرئاسية لاسيما فيما يتعلق ببعث اتحاد متوسطي ورغبة فرنسا الواضحة لتاكيد موقعها في منطقة باتت محل تنافس متزايد وغير خفي بين امريكا الحليف الاستراتيجي الجديد لها وبين فرنسا الحليف التقليدي والشريك الاقتصادي الاول لدول شمال افريقيا الثلاث تونس والمغرب والجزائر. وفي المقابل تبقى الانباء بشان احتمال زيارة مفاجئة لساركوزي الى ليبيا مجرد تكهنات لم يشا الاليزيه نفيها او تاكيدها ولعل الساعات القليلة القادمة من شانها ان تزيل الغموض وتقدم المزيد بشان عقود اسثمارية نفطية جديدة تسعى فرنسا لتوقيعها مع ليبيا وذلك في انتظار جولة محتملة يقوم بها ساركوزي نهاية الشهر الى منطقة جنوب الصحراء الافريقية... ومن المحتمل ان تكون فكرة اقامة اتحاد متوسطي الحاضر الابرز في لقاءات ساركوزي مع مسؤولي المنطقة وهي الفكرة التي كان ساركوزي طرحها خلال حملته الانتخابية واعاد طرحها لاحقا بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية وهي تعكس رغبة واضحة في التخلص من ارث سلفه جاك شيراك المرتبط بمسار برشلونة الذي لم ينجح بعد اثني عشر عاما في دعم الهدف الذي اقيم من اجله والتاسيس لشراكة اورومتوسطية متكاملة وقادرة على مواجهات شراكات ومبادرات اقليمية كثيرة في المنطقة بدءا من مشروع الشرق الاوسط الجديد الى مشروع الشرق الاوسط الكبير. وربما اراد ساركوزي بمشروعه الجديد ان يقطع مع مرحلة تشخيص العلاقات الى مرحلة اخرى في العلاقات بين فرنسا ودول المنطقة اساسه معاهدة للامن الجماعي ومكافحة الارهاب ودعم الشراكة الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات وخلق فرص عمل في الجنوب للحد من الهجرة الى الشمال وهي قد تبدو في ظاهرها مطابقة في احيان كثيرة لما طرحه مسار برشلونة من افكار ومبادرات.. لقد اثارت جولة ساركوزي المغاربية حتى قبل انطلاقها جدلا واسعا في عديد الاوساط الاعلامية وحتى الرسمية الفرنسية فالزيارة التي كان الاليزيه اعلن قبل شهر انها تشمل ثلاث محطات وهي تونس والمغرب والجزائر تقلصت بعد اعلان المغرب الغاء ثم تاجيل زيارة الرئيس الفرنسي الى اكتوبر القادم وفيما بررت مصادر رسمية امر التاجيل بارتباط الملك محمد السادس بجولة داخلية مغربية فقد كانت للاوساط الصحفية طريقتها الخاصة في قراءة الاحداث وتاويلها خاصة بعد إعلان المغرب حالة الطوارئ القصوى تحسبا لاعتداءات ارهابية خطيرة... وفي انتظار ما يمكن ان تحمله جولة الرئيس الفرنسي من انباء او مبادرات جديدة فان الاكيد ان محطته الجزائرية لن تخلو من الاثارة بعد تخلي فرنساوالجزائر عن مشروع معاهدة السلام والصداقة التي كان من المتوقع ابرامها قبل سنتين بسبب الخلافات بشان قانون «تمجيد الاستعمار». كثيرة هي اذن القضايا التي يعتقد ان ساركوزي سيبحثها من تونس الى الجزائر والى جانب كل الملفات الاقتصادية والتجارية وآفاق التعاون الجديدة فان الاكيد ان القضايا الدولية العالقة من الوضع العراقي الى المشهد الفلسطيني الى جانب القضايا المتعلقة بالارهاب والهجرة غير المشروعة لن تكون غائبة عن جولة الرئيس الفرنسي ولاشك ان اكثر ما يمكن ان تحتاجه المنطقة في ظل ما يعيشه العالم من تحولات وتهديدات خطيرة متواترة هو ارساء المزيد من الثقة بين شعوب المنطقة بما يساعد على ازالة الكثير من الشكوك والمخاوف واسباب انعدام الثقة بما يمكن ان يؤكد مجددا موقع فرنسا ومكانتها ودورها في دعم القضايا العربية المشروعة على الساحة الدولية...