تونس- الأسبوعي: تشكل محطات البنزين التي تقوم بسكب المياه الملوّثة والزيوت في المحيط والشوارع خطرا كبيرا على صحة المواطن وسلامة البيئة والثروة النباتية والحيوانية للبلاد... وخاصة تلك المحطات المتواجدة بالمناطق الريفية وشبه الريفية... رغم أن البعض منها يوجد حتى بالمناطق الحضرية نفسها... وتثير محطات البنزين ومحطات التنظيف تلك عدة إشكاليات على مستوى التهيئة والاستغلال سواء في المناطق الخاضعة لأنشطة ديوان التطهير أو غيرها. في المناطق الحضرية في المناطق المرتبطة بشبكة التطهير يصادق ديوان التطهير على ربط هذه المحطات بشبكاته شريطة التجهز بصندوق للشحوم والزيوت باعتباره محطة أولية لتصفية الافرازات قبل سكبها في الماء... وتخضع المسألة لتراخيص في ذلك تسلم من طرف الديوان... غير أنه غالبا ما يلاحظ أن هناك من أصحاب محطات البنزين من يعمدون إلى ربط محطاتهم بالشبكة بطريقة عشوائية وبدون ترخيص وينتج عن ذلك سكب الإفرازات بطم طميمها بالشبكة العامة بلا تصفية أولية... ولكن المشكل الأهم من ذلك يسجل حضوره بالمناطق غير الخاضعة لإدارة ديوان التطهير. خارج شبكة التطهير يوجد خارج مناطق تدخل ديوان التطهير نوعان من المناطق واحدة ترجع بالنظر لبلديات المكان إذا كانت منطقة بلدية أو للمجالس الجهوية أو المحلية إذا كانت منطقة ريفية... وإذا كانت منطقة بلدية وغير مرتبطة بشبكة ديوان التطهير... فالبلدية هي من يسند التراخيص والموافقات على كراس الشروط وهذا الأمر يثير بدوره عدّة اشكاليات بما أن البلديات تفتقد للتجهيزات الكافية والأعوان المدربين والوسائل التقنية لمتابعة أشغال إنجاز مثل هذه المحطات ومدى استجابتها للشروط الواردة بكراس الشروط... وعندما يتم إنجاز المحطة فالبلدية لا تملك كذلك وسائل القياس والتفقد والمراقبة... وهل أن صندوق الشحوم على سبيل المثال يعمل أم لا؟ وهل يقوم بدوره في تصفية المواد كما يجب أم لا؟... وهل أن عمله مطابق للمواصفات أم لا؟... وبالتالي هناك نقص هام على مستوى مراقبة البلديات أثناء ممارسة هذه المحطات نشاطها. أما خارج مناطق البلديات فإن الأمر يزداد تعقيدا بما أن المرجع يكون المجلس الجهوي أو المحلي. تفاقم الوضع إذا كانت المنطقة ريفية أو شبه ريفية وتابعة للمجلس الجهوي أو المحلي فإن المشكل يتفاقم أكثر لأنه إذا ما كانت البلدية تمتلك بعض الوسائل والأعوان فإن المجلس الجهوي يشكو نقصا أكبر في هذا الخصوص... وعندما لا يعمل صندوق الشحوم ولا يوجد ربط بشبكة التصريف فإن المصب يكون طبعا مباشرة في الطبيعة... بحكم أن المراقبة والمتابعة تكاد تكون غائبة وبحكم الافتقار لجهاز مراقبة صارم... وكي ندرك أهمية المسألة لا بد من التعرف على حجم ونوعية المضار التي يحملها سكب الافرازات مباشرة في الطبيعة. سموم إذ تعتبر هذه الإفرازات الزيتية والشحمية خطرة جدا لأنها تحتوي على مواد سامة ومنها مادة البنزان... وكذلك المواد الثقيلة كالرّصاص والمواد الكيميائية الخطرة متمثلة في المحروقات... ولذلك فهي قد تأتي على الأخضر واليابس وكل ما يعترض سبيلها من نبات وأشجار ومياه... حتى أنه وفي ألمانيا فإن هذه المحطات مرتبطة بالأقمار الاصطناعية عبر رقائق الكترونية... وعندما ترتفع نسبة المواد السامة والإفرازات عن الحد المسموح به يدق جرس الخطر ويقع الردع بسرعة كبيرة... ويكفي القول أن مجرد استنشاق هذه الإفرازات قد تكون له مضاعفات سرطانية كما أن وجود هذه المحطات ببعض الأماكن صار يمثل عبئا بيئيا بما يرافق ذلك من نقائص. إشكاليات خلاصة القول أنه من غير المعقول أن يشيّد البعض أربع جدران ويشرع في إلقاء الزيوت في الطبيعة معلنا عن ميلاد محطة تنظيف... أو يأتي بمنطقة تبعد 12 كلم على الأقل عن أقرب محطة معالجة ويقيم محطة بنزين وتصبح تكلفة إزالة التلوّث من خلال ربط المحطة بالشبكة عشر أضعاف نفقات إقامة المحطة ذاتها... وقد تبلغ هذه الكلفة لحوالي 12 كلم فقط ما يقارب مليارا ومائتي ألف دينار... علما أنه يكثر استعمال الآبار بلا قيد أو شرط في هذه المحطات مما قد يساهم في تبديد المائدة المائية... ولكل هذه الأسباب مجتمعة نرى أنه آن الأوان لمراجعة بنود كراس الشروط المنظم للقطاع وفق عدّة معطيات تأخذ بعين الاعتبار كافة الأبعاد البيئية والاقتصادية والمالية... كأن يمنع تشييد محطة بمنطقة تعاني نقصا في المياه... والتدقيق في مكان تشييدها مع اشتراط أن يتم ذلك بأماكن توجد بها محطات معالجة والعمل على إخراج هذه المناطق من داخل المدن والسماح بتواجدها على الأقل على مشارف المدن... مع إحكام التخطيط والبرمجة فيما يخص هذه المحطات وفق مخطط مديري لأمثلة التهيئة العمرانية مثل إقامة هذه المحطات بالوحدات الانتاجية والمناطق الصناعية... هذا على المستوى الآجل أما عاجلا فيمكن العمل على إيجاد بعض الحلول. الحلول فسواد أصحاب هذه المحطات الأعظم لا يتقيّدون بالشروط والقوانين ولذلك ينبغي مساندة البلديات على مستوى المراقبة والإنجاز والتكوين من طرف الهياكل المختصة وعلى رأسها ديوان التطهير... ومساندة المجالس الجهوية والمحلية حتى تصبح لها صلوحية المراقبة مثل المعتمدية والولاية... وبإمكان المجلس الجهوي إحالة هذه المسؤولية لأقرب بلدية منه في حال عجزه عن القيام بذلك مع تكثيف المراقبة ودعمها بالوسائل البشرية والمادية حتى تتم بصفة دورية سواء بالمناطق الخاضعة لتدخل ديوان التطهير ما دامت المياه الملوثة موجودة بالأودية صيفا...أو ببقية المناطق العشوائية وذلك بتمكين أعوان البلديات من تقنيات المراقبة والقياس والتدقيق... ولا بد من القضاء نهائيا على الربط العشوائي بالشبكات داخل المدن وتحديث وتعصير شبكات المراقبة.. إضافة لإيلاء جانب التحسيس والتوعية والتحفيز المالي الأهمية اللازمة... ولا بد من تفعيل دور الصناديق التي كانت موجودة في هذا الإطار لمقاومة التلوث... وإفراد مناطق كالتي ذكرناها بعناية خاصة من قبل هذه الصناديق لخلق آليات تشجع على المراقبة الذاتية (وضع كراس لمتابعة الإفرازات ونسبها يوميا... إحداث جائزة لأنظف محطة بنزين أو محطة غسيل) وبالتالي خلق ديناميكية داخل القطاع ووسط هذه الفئة من التجار... وسيساهم ذلك بالتأكيد في الحد من الآثار السلبية لسكب الإفرازات بصورة عشوائية. آثار سلبية يمكن تجنبها ومن الآثار والمضاعفات السلبية التي يمكن تجنبها اعتمادا على بعض الحلول... يمكن تفادي تضرّر التجهيزات والشبكات ومحطات التطهير إضافة لتلوث المشهد الطبيعي للمحيط ومن الآثار السلبية التي يمكن تجنبها أيضا، تفاقم وجود الحشرات والروائح الكريهة وتلوث الهواء والمائدة المائية ومياه الأمطار المتواجدة بالأودية والتي تستعمل عادة لري الانتاج الفلاحي وتلك طامة كبرى... فضلا عن تلوث عدة شواطئ بفعل تضررها من هذه الزيوت السامة... وهكذا وبمزيد المراقبة والحرص يمكننا تجنب مخاطر عديدة. المراقبة ثم المراقبة إن تشديد المراقبة يمكّننا من الحد من تغيير صبغة المحلات السكنية داخل مواطن العمران إلى محطات غسيل وذلك بالقول أنه لن يتم إدخال تغيير الزيتوت ضمن نشاطها وفعلا لا يتم إدخال الزيوت في البداية لكنهم يقومون بإدخالها لاحقا وقبل ذلك لا بد من وقف نزيف تغيير صبغة المنازل بصفة تلقائية ولأجل المراقبة لا بد من تضافر كل الجهود وأولها جهود ديوان التطهير لتوفير التكوين اللازم لفائدة الأعوان البلديين الذين يفتقد معظمهم لذلك من أجل القيام بأشغال المراقبة والمتابعة على أكمل وجه وبهدف القطع مع مظاهر تكون فيها الأودية مليئة بالمياه صيفا... وهو دليل على وجود محطات مرتبطة بالأودية بطريقة عشوائية تقوم بسكب الإفرازات في الوادي مثل ذلك الوادي الذي يقطع مدينة رواد ونفس المظاهر نجدها كذلك في مناطق تدخل ديوان التطهير مثل وادي القرب وادي وروريش... ولا بد أن يخضع ربط هذه المحطات بصفة عامة لكراس الشروط الذي ينص على كيفية الربط بالشبكة وعدم إلقاء المياه الملوّثة حفاظا على سلامة المحيط سواء عند تنفيذ الأشغال بحفر الآبار وغيرها أو بعد الحصول على الرخص اللازمة والشروع في الاستغلال بالحرص على جعل التجهيزات تعمل وفي أفضل حالتها.. لا أن تتوقف عن العمل بمرور عام فقط. خير الدين العماري للتعليق على هذا الموضوع: