تونس - الصباح: منذ إصدارها في 26 جويلية 1999 بمقتضى القانون عدد 71 لسنة 1999، خضعت مجلة الطرقات التونسية لعديد التنقيحات على غرار تنقيح سنة 1985 بمقتضى القانون عدد 77 لسنة 1985 المؤرخ في 4 أوت 1985 المتعلق بتنظيم النقل البري وتنقيح 1993 بمقتضى القانون عدد 70 لسنة 1993 المؤرخ في 5 جويلية 1993والذي عقبه تنقيح 1996 المؤرخ في 6 جويلية 1996. وتنقيح 2001 بمقتضى القانون عدد 101لسنة 2001 المؤرخ في 22 أكتوبر 2001. وتنقيح 2004 عدد 74 المؤرخ في 2 أوت 2004. هذا إلى جانب التنقيحات العديدة الأخرى التي شملت أحكام القوانين المتعلقة بتنظيم النقل البري والمجلات والقوانين ذات العلاقة.والمعروف أن مجلة الطرقات تتبع أساسا وزارة النقل وهي المسؤولة أساسا على تعديلاتها وتنقيحاتها.ولكن المتأمل في جملة التنقيحات الواردة على هذه المجلة، يلاحظ أن مشاريع التنقيحات غير صادرة عن الوزارة المذكورة، بل أن اغلبها صادر عن وزارة الداخلية وكذلك وزارة العدل. هذا التداخل بين الهياكل المسؤولة، جعل بعض التنقيحات لا تكون محل رضا هذا الطرف أو الآخر، وجعل بعض التنقيحات محل استغراب نظرا لتأثيراتها الجانبية -وربما السلبية- على النظام العام لقواعد المرور والنقل... وإذا كان تطوير التشريعات يهدف عادة إلى مزيد إحكام القانون وفرضه وملاءمته مع متغيرات المجتمع وتعزيز حقوق المواطنين وإضفاء مزيد النجاعة والشفافية على تعاملهم مع الإدارة وذلك في إطار احترام القوانين الضامنة أساسا لسلامة المواطنين والتعامل الحضاري بين مختلف الأطراف، فان كثرة التنقيحات قد أفرغت المجلة من محتواها، خاصة أن الجانب الردعي تقلص فيها بشكل كبير وواضح وهو عنصر له عديد السلبيات وخاصة التأثير على جانب الأمان. ثلاث حالات فقط لسحب الرخصة من ذلك أن حالات سحب رخص السياقة، تقلصت إلى ثلاث حالات فقط وهي حالات السياقة تحت تأثير الكحول أو المخدرات أو رفض الخضوع إلى إجراء إثبات الحالة الكحولية وحالة القتل أو الجرح على وجه الخطإ إضافة على حالة السير في الاتجاه المعاكس بالطرقات السيارة. ومقابل هذا التضييق من حالات سحب الرخصة، فقد تم التشديد من الخطايا المالية وهو أمر لا يتأثر به غالبا العديد من السواق على عكس سحب الرخصة الذي يحرم بعضهم من السياقة لأشهر ويحرم البعض من مورد رزق إذا كان عمله يتطلب أساسا السياقة. زيادة على ذلك فان التنقيحات الخاصة بتخفيض السن الأدنى للحصول على رخصة السياقة كان له الأثر السلبي على تزايد عدد حوادث المرور نظرا لغياب حس المسؤولية لدى هذه الفئة من سواق السيارات، وعدم مبالاتهم بما يمكن أن ينجر عن رعونتهم في السياقة التي يهددون بها حياتهم وحياة من معهم. وهو ما أكدته الاستبيانات على غرار الاستبيان الذي أنجزه المرصد الوطني للشباب والذي أكد أن سلوك السائق على الطريق وبخاصة السواق الشباب يعتبر سلوكا متهورا ذلك أن نسبة 78 بالمائة ممن شملهم استبيان المرصد الوطني للشباب يعتبرون سلوك السواق على الطريق - وخاصة الشباب منهم - متهورا وهو ما يدفعهم إلى السرعة غير المبررة والمحفوفة بالمخاطر. ليونة على حساب الأمان ومن خلال هذين المثالين فقط، نلاحظ أن الليونة التي توفرها التنقيحات المدخلة عادة على مجلة الطرقات لابد أن يدعمها عدد من العناصر الهامة في توفير الأمان على طرقاتنا. فبعض التنقيحات راعت عديد الجوانب وخاصة منها الإنسانية على حساب السلامة والأمان في الطريق.وهو ما يجعل من هذه التنقيحات تجانب الأهداف الرئيسية التي وضعت من أجلها مجلة الطرقات .كما أن بعض التنقيحات لم تستشر فيها الهياكل المعنية والوزارة المعنية وهي وزارة النقل، وكان فيها مشروع التنقيح أو اقتراح التنقيح صادرا عن وزارات أخرى أو عن هياكل أخرى راعت جوانب معينة من زاويتها ورؤيتها الخاصة ولم تراعي جوانب أساسية المفروض أن تعود بالنظر إلى وزارة النقل المسؤولة الأولى والوحيدة على مجلة الطرقات والنتيجة أن هذه المجلة عادت بأهدافها الى الوراء وغاب عنها الجانب الردعي الذي يعتبر أهم جانب في اي مادة قانونية من شأنها أن تفرض إحترام المواطن وتجعله متمسكا بتطبيق ما جاء فيها والحرص على عدم مخالفة أحكامها. فمراجعة بعض أحكام مجلة الطرقات لم يتلاءم مع الأهداف العامة وأهداف المجلة الرامية الى الحد من حوادث الطرقات والسهر على احترام القوانين ودعم السلامة المرورية حفاظا على حياة المواطن وسلامته.