أكد الرسام والنحات التونسي المعروف زبير التركي في التصريحات الأخيرة إلى وسائل الإعلام الوطنية أن التمثال الذي وضعه للعلامة عبد الرحمان بن خلدون يشبهه بالفعل. يشبهه من حيث الشكل بالطبع. ولعله لم يفعل سوى أن أكد ما يخامر أي كان من المارة بشارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي بالعاصمة تونس حيث ينتصب العلامة ابن خلدون واقفا رافعا كتابه بين يديه من استفسارات حول مصادر الإلهام لهذا التمثال واحقاقا للحق فإن السؤال حول الشرعية التي تسمح لأي مبدع كان ومهما كانت درجة عبقريته بأن يمنح ملامح وجهه لشخصية لها مكانتها في تاريخ أمة أو حضارة لم تنفك تشغلنا مع العلم أن المقارنة بين تمثال ابن خلدون والنحات ليست من اكتشافنا ولا هي فكرة جديدة. وكل من يعرف الرسام زبير التركي أو حتى لمح وجهه مرة واحدة وصادف أن شاهد تمثال ابن خلدون إلا وبدا له الشبه الكبير إلى درجة التطابق بين الرجلين. الجديد في المسألة أن الرسام زبير التركي وبعدم نفيه مجددا في تصريحاته الأخيرة مسألة منح صورته لابن خلدون فإنه يكون قد ساهم في فتح النقاش مرة أخرى حول علاقة المبدع بابداعه. تؤكد مختلف القوانين الخاصة اليوم بحقوق التأليف والملكية الأدبية على تلك العلاقة الوثيقة بين الإنتاج الفني وصاحبه. حتى أن بعض التشريعات في هذا المجال تمنح حق المبدع في استعادة عمله حتى ولو فرط فيه بالبيع إلخ... وهي تشريعات تهدف إلى لفت النظر إلى أن المنتوج الفني والإبداعي عموما لا ينبغي أن يخضع لنفس القوانين التي تخضع لها بقية المنتوجات الأخرى المعروضة للبيع والشراء رغم أن هناك توجه يجعل من الثقافة صناعة ليست في حل أحيانا من منطق السوق. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النرجسية لدى المبدع شيء مألوف. وقد تكون الرغبة في التعبير عن نفسه هي الدافع الأساسي لجعل أحدهم يقتحم مغامرة الإبداع. وندرك كذلك أن الفن هو ذلك الفضاء الذي نمارس فيه الحرية بامتياز. ونعرف أن الإبداع هو في جوهره رغبة من المبدع في إعادة تشكيل الحياة والعالم من منظوره الخاص. كل ذلك لا يضير أحد في شيء إن مضى أحدهم بعيدا في عالمه الذي خلقه من وحي خياله. ذلك أنه لا أحد ملزم بما ينتجه ذلك المبدع أو غيره من شخوص ومدن وبلدان وتواريخ وغيرها لا تعدو أن تكون من ابداع مخيلته مهما كانت درجة الإحالة على الواقع كبيرة. لكن ابن خلدون الذي نعرفه من خلال ما تركه من آثار أدبية وفكرية هامة ومن خلال ما كتب عنه بالشرق والغرب سواء حول سيرته الذاتية أو حياته وأفكاره هو تلك الشخصية التاريخية التي تنتمي لأمة كاملة ولحضارة بعينها ولا يحق بأي حال من الأحوال لأي كان أن ينسبه لشخصه وأن يفرض عليه ملامحه مهما بلغت درجة نواياه الحسنة. يتحول المبدع أحيانا بما يمتلكه من أدوات للخلق وهو امتياز قد لا يتاح للجميع يتحول إلى سلطة. والوعي بالسلطة والقدرة على عمل ما لا يستطيعه الآخرون قد تتولد عنه المبالغة في ممارسة هذه السلطة. والمبدع ليس في منأى مثله مثل رجل السياسة عن خطر الميل نحو استغلال النفوذ. قد لا تكون النوايا سيئة في البدء ذلك أن الإنسان المفكر والمبدع بالخصوص تسكنه الرغبة في إيجاد شكل من أشكال الخلود من خلال الفن والإبداع وقد يكون الرسام والنحات زبير التركي قد صنع من خلال شخصية ابن خلدون رمزا يتجاوز الشخص في حد ذاته ويتجاوز المكان والزمان لكن قد يتصادم ذلك مع حق تلك الشخصية المستحضرة من التاريخ باستقلالها بذاتها ومع حق تلك الأمة التي من أجلها صنع التمثال في أن لا تختلط عليها الأمور بين هذا وذلك. من حق الزبير التركي أن يرى في نفسه ابن خلدون هذا العصر لكن من حقنا أيضا أن لا نرى في هذا النحات صورة ابن خلدون.