أمام استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة تبقى الأنظار متجهة إلى القاهرة وإلى عواصم عربية أخرى على أمل أن تسفر بعض التحرّكات الحالية عن عمل ملموس أوّلا لحمل إسرائيل على وقف عدوانها وثانيا لإعادة اللحمة إلى الصفّ الفلسطيني. ولا يشك أحد أنّ ما أقدم عليه الجيش الإسرائيلي هو جريمة حرب حيث أن ما أحدثته الآلة الحربية من دمار وما أسفرت عنه من عدد مرتفع للضحايا بين شهداء وجرحى لا يمكن أن يبقى دون محاسبة وهو أمر سيتم إرجاؤه إلى حين عودة الهدوء إلى قطاع غزّة. لذلك فإنّ التحرّك العربي معني في هذه المرحلة بالضغط على إسرائيل حتى توقف عدوانها خصوصا أنّها في حرب مفتوحة موازين القوى فيها مختلّة بكلّ وضوح، بل إن إرادة التدمير والتقتيل لم تكن خافية من خلال استهداف المنازل والمساجد وحتى الجامعة إضافة إلى المقرات التابعة لحركة «حماس». فلا بدّ من عمل عربي ملموس وتجاوز حالة الانقسام التي أدت إلى ظهور محورين ولا بدّ من تجاوز الخلافات السياسية والابتعاد عن التشنّج والوقوع في خطإ الحرب الكلامية والمهاترات لأنّ أرواح الفلسطينيين هي فوق الخلافات والحملات الإعلامية. كما حان الوقت بالنسبة للفلسطينيين لكي يتجاوزوا الخلافات الحزبية الضيّقة بالعودة إلى الحوار وتغليب مصلحة القضية الفلسطينية ذلك أنّ الانقسام والتشرذم ساهما إلى حدّ بعيد في تشجيع إسرائيل على شنّ العدوان. وربما ارتكبت حركة «حماس» في السابق أخطاء كثيرة وكبيرة لكن هذا لا يعطي إسرائيل «الحق» في حرية التصرّف ورد الفعل ولقد برهنت المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي سواء في جنين أو غيرها أن أيّة حكومة إسرائيلية تحاول إيجاد حجج ومبررات لشن العدوان وتستوي أمامها جميع التنظيمات الفلسطينية مثلما تستوي أمامها السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة المقالة لأنها تريد تصفية شعب بأكمله وحجم المجازر والمذابح والجرائم خير دليل. ولعل الحكومة الإسرائيلية الحالية وهي في أيامها الأخيرة تمهد بالعدوان لحملة انتخابية تعيد الاعتبار للجيش الإسرائيلي الذي اندحر في لبنان لإيهود أولمرت الذي فشل في إدارة تلك الحرب ولباراك لكي يستعيد حزب العمل «شعبيته» وبالتالي تمكين ليفني من كسب التأييد لحزب «كاديما» خصوصا أن مصير الحزب مهدّد بفعل قوة الليكود وزعيمه ناتنياهو. إنّها حرب تُحركها الرغبة في الانتقام وفي إعادة الاعتبار مثلما تحركها الحسابات الانتخابية وقد تتطلب هذه الحسابات إطالة الحرب في غزة وربما توسيعها إلى لبنان.