قادة إسرائيل وحوش لن يفلتوا من حكم القدر والبشر بعد اثنين و عشرين يوما من حرب إبادة وحشية أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية عن قرار من جانب واحد بوقف إطلاق النار في قطاع غزة المنكوب، وجاء القرار في لحظة تميزت بوجود درجة عالية جدا من التوتر السياسي في المنطقة و بالذات بين مصر وإسرائيل بسبب مذكرة التفاهم المبرمة على عجل في واشنطن بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل والتي كان من الواضح أنها تعمدت تجاوز مصر وتعاملت مع سيادتها الترابية بكل احتقار ولا مبالاة فكان رد الفعل المصري مباشرا وحاسما وقويا وعلى لسان الرئيس مبارك نفسه، وأصبح المطلوب فورا وقف لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية ورفع الحصار مع رفض قاطع لوجود قوات دولية على الحدود المصرية الفلسطينية، وهي مطالب لم تكن مطروحة بهذا الشكل من الحزم قبل ساعات من توقيع مذكرة التفاهم في واشنطن بين رايس وليفني التي تنص على تعاون أمريكي إسرائيلي لمقاومة تهريب الأسلحة نحو القطاع بما يعني أن واشنطن وتل أبيب أعطتا لنفسيهما حق التحرك والتصرف فوق التراب المصري دون مشاورة القاهرة وهذه قمة الوقاحة السياسية في عهد ديبلوماسية رايس وليفني وعهد حكومات سفاكي دماء الأطفال و النساء و المدنيين العزل من أمثال أولمرت و باراك و ليفني و بيريز و أشكينازي. وفي الوقت الذي كان فيه أولمرت يعلن القرار الإسرائيلي ويؤكد بلوغ الجيش الإسرائيلي الأهداف التي من أجلها شنت هذه الحرب كانت صواريخ المقاومة تدك البلدات الإسرائيلية على الحدود.. وبدأت مع ذلك الحرب الكلامية حول من المنتصر ومن المنهزم وهل فقدت حماس قدراتها العسكرية و التنظيمية وسيطرتها على القطاع ؟ ثم بدأت عمليات إنقاذ ماء الوجه ومحاولات استغلال الوضع في اتجاه فرض تفاهمات جديدة وحلول معينة كان قد تواتر الحديث حولها أثناء الهجمة الإسرائيلية الوحشية على غزة مثل ضرورة تواجد القوات الدولية في القطاع لحماية الشعب الفلسطيني و لضمان تنفيذ ما قد يتم التوصل إليه من حلول واتفاقات لتحقيق السلام الدائم... لكن من المنتظر أن تكون التحركات السياسية ما بعد الحرب وخاصة بعد أي حرب ابادة من النوع الذي نفذته إسرائيل تهدف أولا وبالذات إلى التغطية بسرعة على بشاعة تلك الحرب وقذارتها وذلك بتلهية الرأي العام بمسائل من نوع الحل السلمي الدائم وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحمايته و إعادة اعمار ما دمرته الحرب: من سيدفع الفاتورة ومن سيتنافس مع من لتقديم المساعدة وهو ما حصل بعد العدوان على لبنان وبعد تدمير العراق و ما سيحصل الآن لإنقاذ إسرائيل من تبعات الجرائم الدموية الوحشية التي ارتكبتها في غزة على مدى ثلاثة أسابيع،،، والواضح مما يدور حاليا على الساحة الدولية والعربية أن هناك العديد من الدول الاوروبية بالخصوص تتسابق بشكل محموم للعب هذا الدور والسعي لتقديم هذه الخدمة النفيسة لإسرائيل.... بدأت إذن التساؤلات التي تفرض نفسها! فهل حققت إسرائيل أهدافها؟ تعتقد تل أبيب الآن أنها تمكنت من تكريس الانقسام بين الدول العربية وفصل الضفة عن غزة أي تكريس الانشقاق في الصف الفلسطيني والقضاء على القدرات القتالية لمنظمة حماس وفرض حالة من الرعب يمكن أن تدفع المواطنين الفلسطينيين في المستقبل إلى مواجهة أي نشاط عسكري لحماس مثل إطلاق الصواريخ يمكن أن يجر إلى حملة عسكرية إسرائيلية جديدة،،، لكن هذه مجرد أحلام إسرائيلية خاصة في ما يتعلق بالانقسامات العربية إذ أن العمل العربي لم يخل يوما من الانقسامات والمعارك الكلامية التي لا يبقى لها أثر يذكر عندما يأتي وقت الحسم في القضايا المصيرية،،، كذلك لا يكمن بأي حال من الأحوال أن يستمر الانشقاق في الصف الفلسطيني عندما يتضح أنه أصبح العائق الوحيد أمام تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة،،،، أما المراهنة على حالة الرعب فهي مراهنة خاسرة بكل تأكيد لان الشعب الفلسطيني لا يتعرض لأول حرب إجرامية وأول عملية إبادة على أيدي الصهاينة المغتصبين لأرضه ولم تعد ترهبه آلة الحرب الإسرائيلية ولا أساليب القتل والدمار و سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الجيش الإسرائيلي ولا تجارب الأسلحة الفتاكة... فإذا كانت إسرائيل تسمي قتل الأطفال والنساء والشيوخ انتصارا أو أسلوبا ناجعا وناجحا للردع فهذا يؤكد أنها دولة عنصرية تحكمها عصابة من المجانين،،، وإذا كانت تعتقد أن نسف البيوت والمدارس والمساجد والكنائس والمؤسسات والطرقات والحقول وحتى المستشفيات ومقرات المنظمات الدولية الإنسانية وتجويع الناس وتشريدهم وحرمانهم حتى من تلقي الإسعافات انتصارا فهو انتصار على القيم النبيلة وعلى القوانين و الأعراف الدولية لا يشرف إلا دولة مستهترة مارقة مثل إسرائيل وهو من جهة أخرى دليل على أن الجيش الإسرائيلي جيش جبان لا يستطيع مواجهة البشر فيصب حممه على الحجر،،، وإذا كانت اسرائيل ترى أن استعمال الأسلحة المحرمة دوليا للامعان في القتل مدعاة للفخر فهو فخر لا يتماشى إلا مع عقلية المجرمين ولا يحسب طعمه المر عسلا وينتشي به إلا هؤلاء الذين أخذت أيديهم وعقولهم على سفك الدماء،،، فماذا حققت إسرائيل أكثر من هذا العار وهذه الجريمة التي لا تغتفر؟ ما هي الاستحقاقات العربية العاجلة؟ بدون شك فان العرب ينتظرهم عمل عاجل وأكيد،،، فهم قد انساقوا خلال أيام الأحداث الأليمة في تيار المؤامرة وشاركوا في اللعبة عن قصد أو عن غير قصد ومن منطلقات وجيهة أو غير وجيهة وفي هذا الجانب أو ذاك وكانت أمامهم خيارات محرجة وقرارات مؤلمة لا بد من الإقدام على اتخاذها لان إسرائيل لا تنتظر سوى الفرص السانحة للانقضاض على الطرف المقابل وقد توفرت لها هذه الفرصة أو هناك من وفر لها هذه الفرصة في ظل الخلافات الفلسطينية والمواقف العربية المتضاربة بخصوص الأوضاع الإقليمية وبعض التحالفات العربية على مستوى المنظمات وحتى بعض الحكومات التي أصبحت تهدد وحدة الصف العربي والأمن العربي ككل أو هي لا تتأقلم مع المسار الذي اتفق عليه العرب بالإجماع منذ اتفاقية أوسلو وما عقبها من قمم عربية كانت كلها مسايرة لتلك الاتفاقية،،، والمطلوب الآن هو التعجيل باتخاذ القرارات التي تقطع الطريق أمام المشروع الإسرائيلي الرامي لتكريس التصدع في الصف العربي وفي الصف الفلسطيني وهي عملية تتورط فيها واشنطن من خلال مذكرة التفاهم المبرمة قبل ساعات من قرار وقف الحرب والتي تؤسس حسب السيد صائب عريقات إلى نظام أمني جديد سيؤدي إلى فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة و بالتالي لن تكون هناك دولة فلسطينية على الإطلاق فقد كان من الأهداف غير المعلنة لإسرائيل من وراء عدوانها القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية إلى الأبد وليس أمام الفلسطينيين حسب عريقات سوى تشكيل حكومة وفاق وطني تأخذ على عاتقها فتح المعابر وإنهاء الحصار وإعادة الاعمار وإجراء انتخابات رئاسية و تشريعية باتفاق كل الفصائل والأحزاب،،، هذا على المستوى الفلسطيني أما على المستوى العربي فالمطلوب إجراء قمة مصارحة يتم خلالها وضع النقاط على الحروف وكشف المخاطر التي تهدد مصير كافة العرب من وراء حشر أنفسهم في نزاعات لا تعنيهم مباشرة ومن خلال تبني سياسات ليس الظرف ظرفها ولا الوقت مناسب للتمسك بها،،، وعلى هذا الأساس فقط يمكن قطع الطريق أمام المؤامرة الإسرائيلية التي تراهن على الانقسامات العربية في هذا المجال والتي سمحت لإسرائيل بأن تجد لأول مرة في تاريخها القصير وضعا عربيا ملائما لتنفيذ عدوانها. ماذا عن محاكمة مجرمي الحرب؟ بقطع النظر عن الحسابات السياسية والمخاطر الكامنة وراءها فان السؤال الكبير الذي يظل مطروحا: هل نترك المجرمين بدون محاسبة حتى ولو تحقق الحل السلمي و ظفر الفلسطينيون بحقوقهم وبدولتهم المستقلة و عاصمتها القدس؟ هنا لابد أن نعود إلى الصورة: صورة المجزرة والمحرقة والهولوكوست التي تعرض لها الشعب الفلسطيني: فذاكرة الشعوب العربية وشعوب العالم التي انتفضت ضد الجريمة الإسرائيلية لن تنسى أبدا أن إسرائيل كانت قبل لحظات من إعلان قرارها تجهز على غزّة وعلى سكانها المدنيين في عملية إبادة جماعية في منتهى الفظاعة والنزعة الدموية الحيوانية شبهها أحد الصحفيين البريطانيين بهول يوم القيامة لكن السفاحة ليفني قالت إنها شيء رائع؟؟ وأحد الحاخامات الإرهابيين قال إن الجيش الإسرائيلي يثبت أنه من أجل القضاء على الإرهاب ينبغي استخدام قدر كبير من القوة مثل ما فعل الأمريكيون في العراق ...وكان العالم يراقب بكامل العجز هذا المشهد المريع ويشاهد على الهواء صور القتل التي لم تعرف لها أجيال الماضي ولا الحاضر مثيلا إلا في الأفلام السينمائية ، واستعمال مبيدات بشرية لا تقل فتكا عن المبيدات التي تستعمل ضدّ الحشرات،، الفلسطينيون يتساقطون بالمئات كالحشرات تحت النيران الكيمياوية الصهيونية، والعالم يتفرّج وهو في حالة من الذلّ والخنوع لإرادة الجلاّدين وعصابة المجرمين في تل أبيب،، لا يدري ماذا يفعل؟ بل هو لا يريد أن يفعل شيئا حتّى لا يغضب آل صهيون المهيمنين على إرادته وقوته، وينسى أنّه من غير المستبعد أن يكون هو في يوم من الأيام ضحية آلة الذبح والقتل والإبادة الصهيونية أو التي تتعلّم المثال السيئ من الأفعال والجرائم والصهيونية،،، لقد حوّلت إسرائيل غزّة إلى برلين 1945 عندما تركتها الحرب كومة من الرماد، أو لندن التي حولتها الطائرات الألمانية إلى مدينة أشباح في وقت من الأوقات أو هيروشيما التي حولتها القنبلة الذرية الأمريكية إلى مشهد من مشاهد الرعب وكأنها رقعة من كوكب غير مأهول بالسكان تتصاعد منها النيران ويكسوها الدخان وتعصف بها الرياح... إن صورة الهولوكوست ما زالت عالقة في أذهان الإسرائيليين و خاصة لدى قادتهم والذاكرة الصهيونية تأبى التخلص من صورة المحرقة ليس كجريمة ارتكبت ضد اليهود بل كعمل يتجه التفكير بصورة دائمة للانتقام من أجله لذلك تعود لديهم الرغبة في رد الفعل والانتقام والذين دفعوا الثمن هم الفلسطينيون و الدول العربية القريبة والبعيدة،،، ثمن العقدة النفسية الصهيونية،،، لقد أصبح هذا الأمر لعبة إسرائيلية لاستعراض القوة و تلقين الدروس و الاستهتار بحياة الناس وأمنهم وسلامتهم،،، إذن لا مناص من وضع حد لهذه المهزلة الإنسانية،،، وجريمة غزة لا يجب أن يطويها التاريخ أو يلفها النسيان مثل سابقاتها: لا بد من الملاحقة القضائية و الجنائية الدولية للمسؤولين الإسرائيليين لقد أورثت إسرائيل الأجيال العربية الحاضرة والقادمة الكراهية المتأصلة لها كدولة وكنظام ومن بين الذين سيظلون على كراهيتهم لإسرائيل اليتامى والثكالى والمعوقين والذين ذاقوا طعم الجوع والعطش والتشرد وألوان الرعب والصحفيون العرب سيظلون يتذكرون لاسرائيل قتلها المتعمد لزملائهم العرب وغير العرب، ولن تذهب دماء هؤلاء هدرا بل ستظل حبرا لن ينضب للتذكير المتواصل بأن دولة إسرائيل قامت على الزيف والظلم والتشريد والاحتلال والعنصرية والقتل والإبادة واغتيال الكلمة الحرّة والحرية بكل أبعادها ومعانيها... الإبادة لم تسلم منها حتى الأقلام الصحفية وكاميرات الصحفيين التي لا هم لها سوى نقل الحقيقة وإنارة الرأي العام العالمي الذي تريد إسرائيل أن تضلّه وتخفي عنه الواقع المرّ والأليم...هذا سيكون جزء من ردّ الفعل على جريمة الإبادة الإسرائيلية وهو جزء سيبقى على مدى التاريخ طالما لم يأخذ المجرمون الجزاء الذي يستحقونه و طالما لم يتم الاعتذار العلني للشعب الفلسطيني والتعويض له عن خسائره البشرية و المادية... التصميم الشعبي على المحاكمة كبير هذه المرة ومكونات المجتمع المدني في العالم بأسره يبدو لديها العزم على محاسبة المجرمين أمام الهيئات المختصة،،، والمطلوب هو أن يكون هناك عزم من السلطات الرسمية المعنية لإثارة الدعوى وتقديم المستندات والحجج أيام الغضب ليست حكرا على إسرائيل بل سيأتي اليوم الذي تنفجر فيه أيام غضب عربية مع جيل من أجيال العرب في زمن من الأزمان القادمة... وإسرائيل لن تفلت من حكم القدر والبشر فذلك مصير كل متجبر عنود.