منوبة الصباح: نظم المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية صباح أمس بمقره الكائن بالمركز الجامعي بمنوبة محاضرة علمية ألقاها المؤرخ فتحي العايدي وتحدث فيها أمام عدد من الجامعين والمناضلين عن الجيش الاستعماري والمجتمع المحلي بالبلاد التونسية خلال الفترة الاستعمارية (1881 1956).. ويذكر أن المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية الذي يديره الأستاذ عبد السلام بن حميدة سيتولى خلال الأشهر القادمة تنظيم عدد آخر من المحاضرات والأيام العلمية ففي يوم الأربعاء 4 فيفري سيكون جمهوره على موعد مع محاضرة حول المناضل عبد الرحمان اليعلاوي وهي للأستاذ عبد الحميد الهلالي وينظم أيام الأربعاء 18 والخميس 19فيفري لقاء حول التعليم في عهد الاستعمار: المسعدي واصلاح التعليم كما ينظم يوما دراسيا آخر في 4 مارس 2009 حول الحركة الوطنية والعلوم الاجتماعية.. ومساهمة منه في تظاهرة القيروان عاصمة الثقافة الاسلامية سنة 2009 ينظم المعهد ندوة حول القيروان ودورها في الحركة الوطنية يومي 16 و17 مارس وذلك إلى جانب معرض وثائقي حول نفس الموضوع من 6 إلى 11 مارس 2009 ويشارك يومي 12 و13 مارس في ندوة دولية بجربة بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الأستاذ البشير التليلي وعنوانها الاقتصاد والمجتمع في جزر المتوسط عبر العصور. وينظم المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية يوم غرة أفريل يوما دراسيا حول الأرشيف المصور والسمعي والبصري بين الذاكرة والتاريخ وفي يوم 8 أفريل يوما دراسيا آخر حول السينما التونسية والقضية الوطنية وينظم يوم الأربعاء 15 أفريل محاضرة عنوانها تاريخ الزمن الحاضر واشكاليته للأستاذ فتحي ليسير ويوم 22 أفريل يوما دراسيا عنوانه "المحامون والمحاماة في الفترة الاستعمارية". وينظم المعهد يوم 6 ماي يوما دراسيا حول الارشيف الخاص وتاريخ الحركة الوطنية ويوم 15 ماي ندوة دولية وينظم في يوم 20 ماي محاضرة حول معركة رمادة للأستاذ بشير اليزيدي. الجيش الاستعماري والمجتمع المحلي تحدث المؤرخ فتحي العايدي في محاضرته عن الجيش الاستعماري والمجتمع المحلي بالبلاد التونسية خلال الفترة الاستعمارية (1881 1956).. وقد كان العايدي أنجز بحثا في إطار شهادة الدكتوراه حول الحضور العسكري الأجنبي بالبلاد التونسية.. ونظرا لأهمية ما ورد في هذا اللقاء تتولى "الصباح" موافاتكم بتفاصيله في حلقتين تطالعون أولها في ما يلي.. وقال المؤرخ إن فكرة الجيش وعلاقته بالمجتمع سابقة للحضور الاستعماري وقدم عدة أمثلة على ذلك من بينها أنه مع محمد الصادق باي تم تكوين جيش نظامي حديث على النمط الأوروبي وسن قانون فيفري 1860 لتنظيم هذا الجهاز إضافة إلى انشاء مدرسة باردو الحربية لتخريج وتكوين الضباط لكن الاستعمار أجهض هذه المحاولات. ولاحظ أن الجيش الاستعماري في تونس كمؤسسة ساهم في ترسيخ الوجود الفرنسي لاستنزاف ثروات البلاد وقد تكون في 1883 بعد اخماد عمليات المقاومة وتتكون تركيبته من فرق المخزن بالجنوب والجندرمة بالمنطقة المدنية البرية والبحرية والسجون والمحاكم العسكرية.. ويقصد المؤرخ بالمجتمع المحلي المجتمع التونسي بمختلف فئاته فهل تمكن الجيش الفرنسي من تحقيق طاعة المجتمع المحلي.. وتطرق العايدي إلى وظائف الجيش وأولها الوظيفة الأمنية وهاجس السلم الاستعماري.. ففي المنطقة العسكرية تجلت هذه الوظيفة من خلال الدور الذي جسمه ضباط مكاتب الشؤون الأهلية وقد عملوا على مراقبة تحركات السكان المحليين ومعرفة كل ما يتعلق بحياتهم وسعوا إلى جمع كل المعلومات المتعلقة بالدوائر العسكرية التي يشرفون عليها وتبليغها للقيادت العسكرية العليا. أما في المنطقة المدنية فقد حاول الجيش الحد من تسرب الأخبار وانتشارها وفرض رقابة مشددة على الأهالي لمنع محاولات العصيان.. وتنامت الوظيفة الأمنية بفعل ضغط المعمرين الذين تخوفوا على ممتلكاتهم كما تجلت أكثر أثناء مظاهرة أفريل 1938 وتزامن ذلك مع بداية الاستعداد للحرب العالمية الثانية إذ تم اتخاذ جملة من الاجراءات الأمنية وبعد اعلان حالة الحصار بادرت مصالح الجيش بتشديد الخناق على الوطنيين ونفي البعض منهم. ولعب الجيش وظيفة أخرى في الجنوب التونسي يسميها البعض توطينية والبعض الآخر حضارية تجلت في ربط الدوائر العسكرية بالطرقات وحفر الآبار وإقامة السدود ونشر التعليم وتوفير الخدمات الصحية لضمان استقرار الأهالي واخضاع تحركاتهم للمراقبة المباشرة وقد عمل الأطباء مثلا على رصد تحركات الأهالي واعلام المستعمر بذلك. تحدث المؤرخ فتحي العايدي عن وظيفة التجنيد في المنطقة المدنية وبين أن التجنيد بدأ لأول مرة سنة 1884 حيث كانت فترته تمتد أربع سنوات ثم تقلصت إلى سنتين سنة 1886 ثم أصبحت ثلاث سنوات بمقتضى قانون 1899. واضطلع الجيش بوظيفة اجتماعية من خلال اسناد المنح العسكرية والأجور العمالية وساهم ذلك في التخفيف من عبء المشاكل الاجتماعية و ردود الأفعال المحلية وقد كانت العوامل المادية من بين دوافع انخراط بعض العناصر المحلية في الجيش الفرنسي وكلما كان الموسم الزراعي رديئا كلما ارتفع عدد المجندين والمتطوعين إضافة إلى احتداد ظاهرة البطالة فلم يجد الأهالي من حل سوى الانخراط في الجندية لضمان مصدر العيش وكان أغلب المجندين يرون في مؤسسة الجيش حلما للتدرج الاجتماعي عبر التدرج في سلم الرتب العسكرية أو الحصول على خطط كقياد وشواش كل ذلك بدافع الهروب من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب. كما ساهم الجيش في تحرير المرأة فبعد تجنيد الأزواج تضطر المرأة للخروج للعمل. واضطلع الجيش بوظيفة قمعية جسمتها السجون العسكرية واعتبرت السلطات الاستعمارية الهروب من الجيش جريمة خوفا من انخراط الهاربين في عصابات الفلاقة لكن رغم الاجراءات الردعية والسجون العسكرية التي احتوت الثائرين والعاصين فإن ذلك لم يوقف عمليات الفرار من الجيش. ولم تقتصر السجون العسكرية على إيواء المجندين الفارين بل شملت القيادات السياسية فقد أودع العديد منهم بسجن سان نيكولا بمرسيليا وسجن دوفنسيا وسجن مون لون بليون وببعض السجون العسكرية بالجزائر. وتجسمت الوظيفة الردعية للجيش في المحاكم العسكرية التي تعتبر من الأجهزة القضائية التي راهنت عليها لقمع الأهالي وقد تم تأسيس مجالس أو محاكم عسكرية بالبلاد التونسية منذ السنوات الأولى للحماية وتدعمت أثناء إعلان حالة الحصار وقد اشتغلت المحاكم العسكرية بصفة مكثفة من خلال تسليط عقوبات الاعدام والأشغال الشاقة . وتجلى دور المحاكم العسكرية على حد قول المؤرخ أثناء اندلاع انتفاضة قبائل أقصى الجنوب (1915 1916) وقد عملت الادارة العسكرية على تسخير عديد الوحدات من مختلف الأسلحة حوالي 15 ألف جندي لتدمير القرى ونهب المحاصيل وتقتيل الماشية واعتقال الأهالي في المعسكرات والمحتشدات إلى جانب قتل عديد المساجين وأصدر المجلس الحربي بمدنين بين 1916 و1917 حوالي 675 حكما منها 49 حكما بالاعدام ولعل أهمها قرار الاعدام الذي أصدرته المحكمة العسكرية بتونس ضد محمد الدغباجي سنة 1921. وبالتوازي مع تنامي العمل السياسي بين الحربين عرفت محاكمات الأهليين من قبل المحاكم العسكرية أوجها لاسيما ايقاف الشيخ عبد العزيز الثعالبي سنة 1919 واتهامه بالتآمر على أمن الدولة وبنفس التهمة حوكم المختار العياري وزهير بن سعيد العيادي وغيرهم من طرف المحكمة العسكرية سنة 1922. يتبع