منذ سنوات طويلة والكتاب في بلادنا يحظى باهتمام خاص على مستوى الخطاب الرسمي وغيره. ويظهر ذلك من خلال مجموعة القرارات والاجراءات المتخذة لفائدة مجال الكتابة سواء من حيث الفاعل ونقصد بذلك الكاتب أو من حيث الفاعلين نشرا وتوزيعا. ومن مظاهر الاهتمام بمسألة الكتاب ومختلف المجالات ذات الصلة بها،إعلان عديد المرات من أعلى هرم في السلطة عن سنة وطنية للكتاب إضافة إلى قرار بعث المركز الوطني للترجمة وإحداث رخصة مبدع وإنشاء الاذاعة الثقافية..فكل هذه الاجراءات وغيرها لا تخلو من تشجيع كبير للكتاب وللثقافة بشكل عام. ولكن من المهم أن نتوخى مع ذلك الصراحة في مقاربة وضعية الكتاب في بلادنا، ذلك أنه رغم كل هذه المكاسب المتحققة، فإن بعض مشاكل لا تزال تشكل عائقا أمام تطور حال الكتاب نشرا وتوزيعا ومطالعة. من هذا المنطلق، فإن الاستشارة الوطنية للكتاب، التي ستنطلق خلال العام الجاري لا بد من أن تلقى الترشيد المطلوب كي لا تتناول هذه الاشكاليات المواضيع الفضفاضة التي يصعب التحكم فيها واستخلاص التوصيات العملية منها. وإذا ما أردنا تحديد أهم مشاكل الكتاب في بلادنا وذات الاولوية في طلب المعالجة، فإننا لا نستطيع أن نغفل عن وضعية قطاع النشر التي لم تتطور بالشكل المطلوب الشيء الذي عطل إمكانية خلق سوق للكتاب بما يعنيه ذلك من آليات وتراكم ومنافسة وهو ما يستدعي تعميق النظر والتقويم في مجال النشر واتخاذ إجراءات مغرية تشجع الشباب من أصحاب الشهائد العليا على خوض غمار هذا المجال وشحنه بروح الشباب وحماسته وطموحاته. وفي هذا السياق لا بد من الاشارة إلى ظاهرة النشر على النفقة الخاصة التي تعكس نوعا من الاستقالة لدى دور النشر، باعتبار أن مهمة الكتاب هي الكتابة والابداع وليس النشر والتوزيع. ولعل وجود هذه الظاهرة بالشكل الكبير كاف للاقرار بغياب توزيع واضح للادوار بين الاطراف المنتجة للكتاب. وكلّما تمت معالجة مشاكل قطاع النشر وتحسينه (هناك دار نشر مهمة تفكر اليوم في بيع كتبها بأبخس الاثمان في فضاءات غير لائقة فقط للتخلص من عبء التخزين وما يتبعه من دفوعات) وتوفير ما يساعد العاملين فيه على الاقلاع بشكل يليق بتاريخ الثقافة في بلادنا وعراقتها،كلّما ساهم ذلك في ظهور الحاجة الملحة إلى شبكة توزيع هائلة، تُؤمن عمليات توزيع الكتاب التونسي داخل وطنه وفي الخارج خصوصا أن حجم سوق الكتاب هو الذي يحدد جغرافية التوزيع ويضبط مداها. ونعتقد أن الايمان بأهمية المنافسة بين الناشرين ودورها في مضاعفة إنتاج الكتاب كما ونوعا وأيضا تشجيع الكتاب والمفكرين على بلوغ مساحات متقدمة في آفاق التعبير والجرأة والمسكوت عنه..كل هذا سيغير من حال الكتاب وسيرفع أرقام المبيعات ونسبة المطالعة. إن مجال الكتاب في تونس في حاجة ماسة إلى هذه الاستشارة التي لن نتحسس أهميتها وجدواها إلا إذا ذهبنا مباشرة إلى مواطن الداء وخرجنا بوصفة عملية ونافعة ترسي تقاليد تؤسس لقطاع نشر محترف.