تونس - الصباح: لا تبدو مهمة سلطة الإشراف بوزارة الثقافة يسيرة بالنسبة للسنوات القادمة. لأنه وإن كانت اللجان التي عهد إليها بالنظر في مشاكل عدد من القطاعات الثقافية توفر فرصة لالتقاط النفس كما أنها يمكن أن يستند إليها لتفسير استمرار المشاكل التي تواجه القطاعات الثقافية كما يحال إليها كلما تم توجيه الإستفسارات حول وضع الحياة الثقافية ببلادنا وما يواجهه من تحديات ومعوقات فإن هذه الفسحة سرعان ما تنتهي عندما تفرز هذه اللجان عن نتائج عملها ولا بد لها أن تفعل ذلك في يوم ما، وغدا قبل بعد غد.. و كان الوزير عبد الرؤوف الباسطي قد أعلن يوم السبت خلال لقائه الدوري بالإعلام أن أغلب اللجان التي عهد إليها بدراسة مشاكل بعض القطاعات الثقافية ستقدم تقاريرها قريبا. ومن أبرز هذه اللجان لجنة السينما. ومن المعلوم أن قطاع السينما بتونس يشكو من عدة صعوبات منها ما يتطلب تدخلا عاجلا. ويمثل غلق القاعات السينمائية احدى أبرز الإشكاليات التي تواجه قطاع السينما بتونس إلى جانب ملف دعم السينمائيين. لذلك تكتسي أعمال هذه اللجنة أهمية بالغة نظرا لما يشهده قطاع السينما في بلادنا من صعوبات خاصة منها ما يهم البنية الأساسية حيث تقفل القاعات الواحدة تلو الأخرى. وإن تم استغلال القاعات القديمة في أغراض أحيانا لا تكون لها أي صلة بالثقافة، فإن عددا من القاعات الأخرى بقيت مغلقة وتتحول أحيانا إلى فضاء مهجور. وإذ تعول سلطة الإشراف على مدينة الثقافة التي قد تأتي بحلول لقطاع السينما، فإن هذا المشروع الذي يبدو كبيرا وعلى أهميته الإستراتيجية بالنسبة لقطاع الثقافة، فإنه لن يساهم في حل مشاكل قاعات السينما داخل الجهات حيث أن الغالبية الغالبة من المدن والقرى داخل البلاد ليست لها قاعات سينمائية ولا مسارح. كما أن دعم الوزارة أو مشاركتها في بعث بعض الهياكل السينمائية على غرار القطب التكنولوجي بضاحية «قمرت» وإن هو يساهم في جلب السينمائيين للتصوير ببلادنا فإنه لم يساهم في حل مشكل قاعات السينما مثلا ولا حتى في تحريك عجلة الانتاج السينمائي... التونسي والكتاب من جهة ثانية تعوّل وزارة الثقافة على الإستشارة الوطنية حول الكتاب والمطالعة التي انطلقت منذ 25 أفريل وكذلك على نتائج البحث الميداني الذي أعلن الوزير بنفس المناسبة أنه سينطلق قريبا ويهتم بعلاقة التونسي بالكتاب لإيجاد بعض الحلول لمشاكل الكتاب بتونس. ولِئن عدّد السيد عبد الرؤوف الباسطي مختلف الإجراءات التي اتخذت لفائدة الكتاب والنشر عموما حيث وصل عدد الإقتناءات التشجيعية لسنة 2008 إلى ألف و58 كتابا حسب الأرقام التي قدمها الوزير خلال اللقاء الإعلامي الأخير إضافة إلى ماذكره حول دعم الورق وبعث المكتبات العمومية وارتفاع دور النشر إلخ، فإن واقع النشر والكتاب في تونس يشكو من صعوبات لا تخفى حتى على الملاحظ العابر. وتتعلق هذه الصعوبات خاصة بتوزيع الكتاب التونسي وترويجه بالداخل و الخارج. لكن السؤال الذي يطرح اليوم : هل بلغنا في تونس تلك المرحلة التي تجعلنا نتحدث عن عودة أدبية حقيقية كما يحدث في الدول التي يحظى فيها الكتاب بمكانة رفيعة وهل تم التفكير في خلق تقاليد عند القارئ وعند المؤلف تجعل كلاهما ينتظر هذه العودة بشوق؟ من الطبيعي أن تقع التهيئة لهذا الأمر من خلال التشجيع على الإبداع من جهة وتطوير البنية الأساسية من جهة ثانية التي تقوم بالأساس على تطوير عدد المكتبات وعدد دور النشر. لا ننفي أن هناك جهودا تبذل على غرار الإقتناءات ورخصة المبدع التي أحدثت مؤخرا وغيرها وأن هناك مشاريع ينتظر أن تقدم جزءا من الحلول على غرار مشروع مدينة الثقافة مثلا لكن العمل يجب أن يشمل كذلك العقلية وهي مهمة مشتركة بين الأسرة والمدرسة ووزارة الثقافة وغيرها دون أن ننسى الإستفادة مما تتيحه تكونولوجيا الإتصال الحديثة من فرص لتقريب الكتاب من القارئ... كذلك، لم نطلع حتى يومنا هذا على نتائج الاستشارة ومتى سيكون ذلك؟ المسرح الجهوي نتحدث عادة عن بلوغ بلادنا مرحلة متقدمة في عدد من مجالات الحياة ومن بينها الحركة الثقافية. وهو ما يجعل السؤال الذي يطرح حول تكريس تقاليد جديدة فيما يخص التعامل مع الكتاب مشروعا. لا تطرح طريقة معالجة سلطة الإشراف للإشكاليات التي تهم المسرح بتونس دون أن تثير عددا من الإحترازات. من ذلك مثلا أن ما تعتبره وزارة الثقافة حلا يعتبره بعض المهنيين أحيانا عائقا. ونذكر من بين هذه الحلول مثلا إقامة مراكز الفنون الدرامية بالجهات. وقد أعلن وزير الثقافة في هذا الإتجاه أنه بالإضافة إلى مراكز قفصة والكاف وصفاقس سيقع إحداث مراكز بكل من القيروان ومدنين. مثل هذه الحلول يعتبرها عدد من المسرحيين سببا في القضاء على الفرق الجهوية أو المسرح الجهوي وهو ما يعتبر إشكالا ملحا بدوره... ويعاني قطاع الفنون التشكيلية من جهته صعوبات بالجملة. مازلنا في تونس ورغم ارتفاع عدد الفنانين التشكيليين، لا نتوفر على فضاءات هامة لحفظ مقتنيات الدولة على الأقل خاصة وأنها وحسب الأرقام التي قدمها الوزير مؤخرا ترصد أي الدولة سنويا مليون دينار للمقتنيات. على أي أساس تتم المقتنيات. وأين توضع وكيف يمكن الحفاظ عليها من التلف ذلك ما يطرح من تساؤلات في غياب متاحف للفن التشكيلي إلخ. هذا دون أن ننسى اضمحلال الأروقة الفنية بالبلاد خاصة منها الأروقة التي تستجيب لمواصفات العرض من ضوء وتهوئة إلى آخره. أما فيما يخص الموسيقى فقد لفت انتباه الوزير ما أسماه بالنفس الإبداعي عند الفنان التونسي. كما شدد على قيمة الأرصدة التي تمنحها الوزارة دعما للموسيقيين وتشجيعا لهم على انتاج المصنفات حيث تخصص لهم حسب ما قدمه من أرقام نصف مليون سنويا. وإن لا يمكن نفي هذا الدعم، فإن الإشكالية تطرح كالآتي : من يحظى بالدعم وماذا يقدم مقابل هذا الدعم؟. هذا إضافة إلى التحديات التي تواجه الموسيقى التونسية حيث ترتفع الأصوات منددة بتراجع الأغنية التونسية وعدم قدرة الأجيال الجديدة على ابداع موسيقى وغناء في مستوى جيل القدامى الذي مازال الكثيرون من مطربي اليوم يقتاتون على رصيدهم باسم ما يسمى باحياء التراث الموسيقي وتهذيبه. حول كثرة المهرجانات ومن الإشكاليات التي تطرح كذلك بإلحاح اليوم على الساحة الثقافية كثرة المهرجانات وعدم التكافؤ بينها. والمقارنة تهم مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين اللذين تشرف عليهما وزارة الثقافة والمحافظة على التراث مباشرة وبقية المهرجانات الموكلة إلى المندوبيات الجهوية. تعاني هذه الأخيرة وبشهادة المشرفين عليها من صعوبات كبيرة هي بالأساس مادية إضافة إلى فضاءات الهواء الطلق التي إما أنّها لا تستجيب للمواصفات المطلوبة أو هي صغيرة ودون القدرة على تلبية حاجيات المواطن داخل الجهات. وقد قال وزير الثقافة خلال لقائه المذكور أنه يعتبر أن ارتفاع عدد المهرجانات بالجهات ظاهرة صحية. لكنه أقر أن ارتفاع عددها يطرح اشكاليات. المسألة لها حل حسب تأكيده والحل ينتظر أن يأتي به التقرير الذي أكد الوزير أنه طلبه حول المهرجانات الجهوية. ربما لا ينبغي استباق الأمور لكن وضع المهرجانات بالجهات يتطلب حلولا جذرية وربما يقتضي الأمر حتى مراجعة مسألة "التفويت فيها "للمندوبيات الجهوية والمصالح المحلية التي عادة ما لا تتمكن من فرض خياراتها... كما أن لا مركزية الثقافة لم تعد مجرد قرار سياسي نابع عن اقتناع الدولة بحق المواطن أينما كان في حياة ثقافية متطورة، وإنما يفرضه الواقع الجديد، واقع مجتمع المعلومات التي اختارت تونس الإنخراط فيه والذي يجعل المواطن بالجهات لا يقنع بأقل من حركة ثقافية تستجيب لمواصفات العصر. لا تقتصر بالطبع اشكاليات الثقافة على ما ذكرنا وإنما لابد من وقفة عند مختلف الجوانب الأخرى التي تهم الساحة الثقافية والتي ربما لا تقل أهمية وهو ما يجعل وكما سبق وذكرنا مهمة سلطة الإشراف لا تبدو هينة في السنوات القادمة لأن المشاريع كثيرة والإشكاليات عديدة والرؤى تكون أحيانا متباينة ويكاد لايخلو أي قطاع ثقافي من إشكاليات من بينها ما يتطلب تدخلا عاجلا...