اكثر من مائة وخمسة وعشرين مليار دولار من اموال العراق تبخرت وفقد اثرها فيما يعتقد انها اكبر عملية احتيال في تاريخ الولاياتالمتحدة ابطالها عدد من كبار المسؤولين العسكريين القادمين من بلاد العم سام لتحريرالعراق واعادة اعماره ممن اختاروا التستر خلف هذه الأهداف للسطو على ثروات العراق وممتلاكاته وتحويل اموال شعبه الذي يفتقر للماء الصالح للشراب وللغذاء والدواء الى حساباتهم الخاصة باساليب وطرق قد لا تخطر على بال الشيطان نفسه وفق ما كشفه دالي ستوفيل المقاول الامريكي وتاجر السلاح الذي كان يامل في الحصول على صك البراءة (قبل ان يتعرض للاغتيال) مقابل الكشف عما في جعبته من معلومات للمحققين حول مئات الملايين من الدولارات من الرشاوى التي كانت ترسل يوميا الى المتعاقدين الامريكيين في علب البيتزا مقابل صفقات خيالية لاعادة البناء والاعمار اللذين لم يتما وحول ملايين الدولارات التي كانت في احد قصور الرئيس العراقي الراحل دون حراسة ... وربما لايكون هذا الرقم المعلن عن حجم الاموال الضائعة في بلاد الرافدين سوى نقطة من بحر في حجم مشاريع اعادة اعمار العراق التي فاقت في تصوراتها مشروع مارشال لاعادة اعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية قبل ان تتلاشى نهائيا وتتحول الى ملفات للتحقيق على مكتب المحقق الفيدرالي في انتظار الكشف عن المزيد من المورطين في عمليات الفساد في العراق التي يجمع الخبراء على انها تتجاوز فضيحة مادوف التي اهتزت لها قبل اشهر المصارف الامريكية... ولعل المهزلة الكبرى في كل ذلك انه رغم كل تلك المخصصات المعلنة في مختلف تقارير المسؤولين الامريكيين في العراق بشان قائمة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها بعد اجتياح البلاد انها ظلت ولاتزال مجرد حبر على ورق بل ان المطلعين على المشهد العراقي يشهدون ان مشروع السفارة الامريكية العملاق الواقع في المنطقة الخضراء يكاد يكون المشروع الوحيد الواضح للعيان في عاصمة الرشيد وهو المشروع الذي حصلت الادارة الامريكية بمقتضاه على اكبر سفارة لها في العالم... والحقيقة ان في تفاصيل التقرير الذي نشرته "نيويوك تايمز" عن التحقيقات الجارية في قضايا الفساد في العراق ما يسقط الاقنعة عن بقية من اهداف وهمية اريد لها ان تكون شماعة لاجتياح العراق الذي تحول الى مغارة علي بابا للكثير من ضباط الجيش الامريكي وقياداته التي تعاقبت على ادارة العراق والتحكم في موارد الوزرات الكبرى فيه وقد كشف التقرير ان ما تابعه العالم من محاولات سطو واقتحام للمتاحف والمحلات من جانب فئة من العراقيين لا يمثل شيئا مقارنة بما وضع عليه المسؤولون الامريكيون والمتعاقدون الامنيون الذين جلبوهم الى العراق أيديهم بل ان ما سجل حتى الان من جرائم فساد ما كان له ان يتم بدون تورط المسؤولين الامريكيين الذين يملكون مفاتيح المؤسسات الاساسية العراقية بما في ذلك الوزارات فضلا عن صناديق تمويل مشاريع وصفقات غريبة بينها صفقات لاقتناء اسلحة سوفياتية الصنع ومروحيات ومدرعات مر عليها اكثر من ربع قرن وفي وضع اقرب ما يكون الى التقاعد عن أية مهمة عسكرية او حربية. كل ذلك طبعا الى جانب ما كشفه التقرير عن تعيينات لابناء مسؤولين من الجمهوريين في مواقع حساسة لتولي الاشراف على المليارات من اموال العراق منذ الاسابيع الاولى لوقوع الاجتياح وادارة صفقات الشركات الامنية الخاصة التي خلفت اسوا السناريوهات واكثرها دموية واثقلت العراقيين بجروح لا يمكن ان تندمل ولا شك ان بلاك ووتر التي حرصت على تغيير اسمها في اعقاب سجلها الاسود في العراق تبقى الاكثر تورطا في تلك الصفقات المشبوهة... واذا كان من الغباء الاعتقاد لحظة بان من شان هذه التحقيقات ان تقود الى اعادة العراق ما سلب منه تحت الاحتلال فان الاغبى من ذلك ان يتوقع احد ان تتم محاكمة كبار المسؤولين الامريكيين الذين خططوا ونفذوا لاحتلال العراق ونهبه وتقسيمه. صحيح ان مجرد اقتراب موعد انتهاء ولاية الرئيس بوش كان كفيلا بتفشي مشاعر الارتياح التي لم تكن لتخلو من التشفي في احيان كثيرة وهو يغادر البيت الابيض دون رجعة بسبب الاعتقاد بان السنوات الثماني لادارة الرئيس الامريكي السابق كانت كارثية في العراق كما في فلسطين او غيرها من المناطق فكان لمجرد اختفاء جورج بوش وفريق الصقور المحيطين به من المشهد السياسي قد ادى الى تراجع العراق عن سطح الاحداث لا سيما مع تواتر التصريحات الديبلوماسية الهادئة للرئيس أوباما التي حلت محل الخطاب الحربي لسلفه ... ولكن الاكيد ان هذا التغيير في الوجوه والاسماء على اهميته لا يعني ان مرحلة الاحتلال قد انتهت وان مخططات سلب ونهب تاريخ وهوية وحضارة العراق قد رحلت برحيل الرئيس السابق...