بإصراره على منح قضية الجندي شاليط الأولوية المطلقة ضمن أي إطار اتفاق للتهدئة بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية «حماس» يكون إيهود أولمرت قد قرر وضع العصا في العجلة لعرقلة أية خطوة محتملة باتجاه الهدنة التي باتت أكثر من مطلوبة بين الطرفين. ولا شك أن أولمرت وشركاءه لن يترددوا في الاستمرار في لعبة الابتزاز والمساومات الخبيثة التي يبدو أن الاسرائيليين يتقنون فنونها ويجيدون شد حبالها فيما تبقى من المرحلة الانتقالية قبل تشكيل الحكومة الاسرائيلية اليمينية المرتقبة خلال الأسابيع القادمة مراهنين في ذلك على ضعف الموقف الفلسطيني التائه في التشتت والتراجع الخطير في الموقف العربي المتردي فضلا عن غياب التحرك الدولي الذي لايزال في انتظار توجهات بوصلة الادارة الأمريكيةالجديدة... فالشروط التعجيزية والمجحفة التي ما انفكت حكومة تصريف الأعمال بزعامة ايهود أولمرت تطلقها بهدف تحقيق الهدنة التي باتت تتلاشى يوما بعد يوم من شأنها أن تكشف للراي العام الدولي بأن حرب الثلاثة والعشرين يوما التي قادتها إسرائيل على القطاع رغم ما خلفته من ضحايا ومن خراب ودمار، قد فشلت وبشهادة مخططيها ومنفذيها في تحقيق اهدافها المعلنة ومن بينها إطلاق سراح الجندي شاليط والقضاء على «حماس». والحقيقة أنه إذا كانت السلطات الاسرائيلية قد راهنت على قضية الجندي الأسير لتحقيق الكثير من الاهداف والحسابات التي من شأنها أن تضمن لأولمرت انسحابا كفيلا بانقاذ ماء الوجه وتجاوز مسيرة غارقة في الأوحال، فإن ناتنياهو الذي ينتظر هذا الانسحاب ويأمل في أن تؤول إليه مهمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية المرتقبة يأمل بدوره في ألا يرث ملف الجندي شاليط وأن ينجح أولمرت في تمرير الصفقة بما يجعله في حل من أية ارتباطات أو اتفاقات بشأن الأسرى الفلسطينيين مستقبلا. ولا شك أن الأهم من كل الحسابات الاسرائيلية الراهنة والمستقبلية هي الحسابات الفلسطينية التي يجب أن تكون بدورها حاضرة وعلى استعداد لتحويل ورقة الجندي شاليط إلى مكسب لدى المفاوض الفلسطيني الذي يتعين عليه الخروج من هذه الصفقة بأكبر حجم ممكن من الرهانات القابلة للتحقيق. وإذا كانت إسرائيل اختارت منذ البداية ان تخوض معركة تحرير الجندي الاسير باعتماد الابتزاز وتحريك سواكن الغرب وموازينه غير العادلة إزاء القضايا المرتبطة بالحريات وحقوق الإنسان التي لا تقبل المزايدات فان لدى الجانب الفلسطيني بدل تلك الورقة ورقات. إن الغرب الذي تبنى قضية الجندي شاليط الذي لم يكن في نزهة عابرة عندما اختطفه رجال المقاومة على حدود غزة تناسى في ذات الوقت أن هناك أكثر من ثلاثة عشر ألف أسير فلسطيني في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بينهم نساء وأطفال وشيوخ قضوا أطول فترات حياتهم خلف القضبان وأن بينهم نواب ووزراء بدون محاكمات وأن التهمة المشتركة بين هؤلاء جميعا أنهم أصروا على تحدي الاحتلال وعدم الرضوخ لاغلاله فكانت النتيجة أن تمت مصادرة حقهم في الحرية والحياة وهو نفس الحق الذي تصر إسرائيل على منحه للجندي شاليط الذي باتت حياته توازي حياة المليون ونصف المليون من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون أسوأ أنواع العقاب الجماعي والحصار البري والبحري والجوي في سجن غزة الخاضع للاحتلال... لقد تجاوزت فاتورة شاليط حتى الآن كل التوقعات والحسابات الإسرائيلية فيما يبقى السؤال المطروح إلى أين سينتهي الثمن المرصود في صفقة الجندي الاسير هذه المرة؟