شهد الاعلام السمعي البصري ببلادنا في الاونة الاخيرة نوعا من الحراك الايجابي والمثمر، مما قلص من كم الانتقادات التي كانت تُطلق كتابة وحتى في كواليس الاصحاب والعائلة والمجتمع بشكل عام.واللافت أن الحراك لم يقتصر على الاعلام الخاص بل شمل أيضا قناة "تونس7"وقناة "21" ومختلف الاذاعات الوطنية.وهو حراك اتخذ صبغة اجتماعية وترفيهية وخدماتية بالاساس الشيء الذي جعل نتائجه تظهر بسرعة من خلال استقطاب المشاهد التونسي بوصفه مواطنا لديه مشاكل متعددة الابعاد تمس ماهو اجتماعي واقتصادي ونفسي وعائلي وقانوني وغير ذلك.ونقصد بهذه الملاحظة باقة البرامج التي تزامن بثها تقريبا مع بعضها البعض وهي "الحق معاك"و"عندي ما نقلك" و"احناهاكة" وأيضا برنامجي "متابعات "والمنتدى". فالغالب على مضامين هذه البرامج الروح الجديدة والمستوى المقبول من الاحتراف من حيث جودة الصورة والقدرة النسبية على شد فئات معينة من المتفرجين سواء من خلال ملامسة اهتماماتهم وشواغلهم ومشاكلهم أومن خلال التأثير فيهم عاطفيا أو الترفيه عنهم بشكل موفق أكثر من ذي قبل. ولا شك في أن ظهور هذه البرامج دفعة واحدة هو ليس وليد الصدفة، بقدر ماهو استجابة لحاجة أكيدة، فرضها الاعلام السمعي البصري الخاص. فالصراحة تقتضي منا الاعتراف بدور إذاعة موزاييك وقناة حنبعل: الاولى رغم ما شكلته من مفاجأة عند الكثيرين بل وحتى صدمة، فإنها إذاعة اتسمت بقدر من الجرأة وبطرح بعض ماهو مسكوت عنه فنيا واجتماعيا وشكلت متنفسا إضافيا إلى جانب الاذاعات الوطنية للفنان والمستمع التونسيان، خاصة في البرامج المباشرة حيث الحوارات الساخنة والجريئة على غرار "موزايك شو"و"الفوروم". آما قناة حنبعل التي "أسست" لخطاب الجرأة المتقدمة وحققت نسب مشاهدة عالية، فإليها يرجع فضل المبادرة التي انطلقت رياضيا بشكل ناجح ومختلف ثم فنيا ببرنامج "زوم على الثقافة" و"هذا أنا"، إلى أن تعمقت في ماهو اجتماعي من خلال "المسامح كريم" و"دائرة الضوء" و"الرابعة" ومؤخرا"عن حسن نية" وهي برامج قدم بعضها للقناة الجدية اللازمة على مستوى المضامين ومشاغل المواطن، التي كانت تعوزها بعض الشيء. وبالتالي فإن تحلي "حنبعل " بالجرأة والحفر في بعض اهتمامات المواطن التونسي، قد خلق نوعا من المنافسة الايجابية بين الاعلام السمعي البصري العام والخاص. وهي منافسة تصب لصالح تطور إعلامنا شكلا ومضمونا واحترافا ولصالح المواطن التونسي. ولكن هل يعني هذا أن الشوط الذي تحقق هو كل ما ينقص المشهد الاعلامي السمعي البصري في تونس؟ الاجابة بالتأكيد لا. فنحن نتحدث عن حراك مبدئي نسبي لافت للانتباه واستطاع أن يقيم جزء من المصالحة بين التونسي وقنواته الوطنية بشقيها العام والخاص. ومن النقائص أن المستوى الصحفي لبعض البرامج يحتاج إلى تأطير ومعرفة أكثر بتقنيات الاشكال الصحفية.ذلك أن الاحتراف لا يمس المستوى الفني للصورة التلفزيونية والايقاع السريع وغير الممل للصورة فقط، بل يشمل في المقام الاول طبيعة الاسئلة وجديتها وأهميتها وذلك كحصانة لا بد منها ضد الثرثرة والكلام الذي يعكس فراغا ما. إن استناد البرامج الاجتماعية إلى آليات الحوار والتحاور والحفر في مناطق نفسية واجتماعية لحالات اجتماعية متعددة، من المهم أن يوظف لتقديم مادة هامة على المستوى الانساني والاجتماعي والفردي المسكوت عنه. من جهة أخرى، نعتقد أن هذا الحراك على مستوى البرامج الرياضية والاجتماعية والفنية، من الضروري أن يُردف بحراك يخص البرامج السياسية ويقوم على الحوار والجدل والموضوعية المثمرة حتى نتعرف إلى مجتمعنا من مختلف فئاته ونخبه وحساسياته خصوصا أن الحراك السمعي البصري الذي نعيشه وما سنعيشه يُعد ساعدا حقيقيا من سواعد التنمية التي لا تستطيع أن تتقدم إلا في ظل إعلام ينمو ويرتقي ويكون العيون لا العين الواحدة التي تسير ببصرها وبصيرتها قاطرة التنمية في بلادنا.