تونس - الصباح: رغم مرور اكثر من عشرة سنوات على اقرار القانون المتعلق بالوقاية من آفة التدخين وتحجير التدخين بالفضاءات العمومية وارساء عقوبات مالية للمخالفين.. وبعد الجهود الكبيرة المبذولة في مجالات التحسيس والتوعية بمضاره ومخاطره الصحية الجسيمة تظل الأرقام المحوصلة للظاهرة مفزعة والاحصائيات الرسمية مخيفة تبعث على الانشغال ذلك ان 6850 شخصا يموتون سنويا جراء هذه الآفة 850 منهم من الجنس اللطيف فيما تبلغ النسبة الجملية للمدخنين الكهول حوالي 35% تنضاف لها نسبة 12.8 من المدخنين في سن المراهقة!! وطبعا دون الحديث عن عدد المدخنين السلبين وعن الكلفة الباهظة للتكفل بالعلاج والتي تتحملها المجموعة الوطنية.. وليت الأمر يتوقف عند هذه الحصيلة المؤلمة في فنون اهدار الصحة والمال بسبب سلوكيات وعادات سيئة يكتسبها المرء ويابى بنفسه ان يترفع عنها ويتخلص منها بل الأدهى والأخطر ان عدواها مستشرية في عديد الأوساط التلمذية والشبابية في ظل استقالة العائلة عن النصح والتوجيه والتسيب واللامبالاة في الأوساط المدرسية من التعاطي مع الظاهرة والتصدي لها وكذلك لعدم التطبيق الحازم لقانون مكافحة التدخين والتراخي في تجسيمه بكل صرامة وفاعلية من التحسيس الى الحزم.. ولمجابهة هذا وضع كان لابد من قرارات جديدة وخطة أكثر فاعلية تشرك في مختلف بنودها ومحاورها كافة الأطراف دون استثناء وتجعل من الفئات المستهدفة غاية ووسيلة في ان واحد وذلك عبر الاقناع والتحسيس ودعم اليات التوعية والاعلام ولكن ايضا - وحسب رأي الكثيرين - لابد من توخي الحزم والتقدم أكثر نحو تشديد القرارات الكفيلة بالحد من آفة التدخين وايقاف انتشارها الاخطبوطي عبر الترفيع في اسعار السجائر والحد من نقاط بيعها العشوائي باقرار العمل بالتراخيص هذا الموقف او التوجه يبدو انه لن يكون اولوية مطلقة في خطة مكافحة التدخين المقترحة حيث شدد وزير الصحة العمومية امس لدى اشرافه على اجتماع اللجنة الوطنية لمقاومة التدخين على توخي سلم اولويات في تثمين الخطة وضمان نجاعتها عبر اعطاء فرصة اكبر وانجع للتحسيس واعتبارها اولوية متأكدة مع الحرص الجاد على تفعيل القوانين والتراتيب الموجودة والعمل في مرحلة ثانية على تطوير التشاريع وتعديلها وتنقيحها في اتجاه ضمان اكبر نجاعة واحترام لنصوصها وتدابيرها. وفي هذا السياق تم كما هو معلوم الاعلان على جعل سنة 2009 سنة مكافحة التدخين ومدخلا جادا وحاسما في مواجهة هذه الآفة عبر عدة محاور واليات تم استعراض أبرز مكوناتها في لقاء الأمس والذي ضم الى مائدة الحوار ممثلين عن عديد الوزارات والهياكل المعنية والنسيج الجمعياتي في اطار سلسلة من الاجتماعات المكثفة التي ينتظر ان تتوج ببلورة صيغ عملية فاعلة في تنفيذ التوجهات الكبرى للخطة خلال الأسابيع القليلة القادمة. الارضية متوفرة ولكن.. محاور الخطة الوطنية كما تم عرضها تتفرع الى خمسة محاور كبرى تتعلق بالجانب التشريعي والترتيبي والمراقبة ورفع المخالفات والجانب التوعوي والتحسيسي والبحوث والدراسات وعيادات الاقلاع عن التدخين. ولعله من المفيد الاشارة الى ان الارضية القانونية متوفرة سيما وان قانون فيفري 1998 والمتعلق بالوقاية من مضار التدخين الى جانب الاوامر والمناشير الوزارية تطرقت الى عديد المسائل ومنها منع الدعاية والاشهار لمختلف انواع التبغ والاهم من ذلك منع التدخين بالاماكن ذات الاستعمال الجماعي ووضع احكام خاصة ببعض الفئات المستهدفة والتنصيص على عقوبات لمخالفي النصوص القانونية في مكافحة التدخين ورغم دقة النصوص القانونية الموجودة منذ سنوات ووضوحها تظل الحاجة متاكدة لتفعيلها عبر احكام توظيفها وتطبيقها وهو ما اكده السيد منذر الزنايدي عند ادارته للحوار والاصغاء الى اراء الحضور ومقترحاتهم موصيا بضرورة سد الثغرات القائمة في مستوى التطبيق. التخفيض في نسبة المدخنين ولهذا الغرض تنص توجهات الخطة المبرمجة على التوصل الى التخفيض من نسبة المدخنين الى 10% في ظرف الخمسة سنوات القادمة عبر استراتيجية دقيقة المعالم تقضي الى جانب تكثيف حملات المراقبة ورفع المخالفات ودعم عدد المراقبين وتشريك عديد الأطراف في هذه العملية بين وزارة تجارة والمواطن الرقيب حسبما تم اقتراحه خلال هذا الحوار مع مزيد تفعيل دور اللجنة الوطنية واللجان الجهوية في جهود مكافحة التدخين في مرحلة موالية على تطوير القانون الحالي ويهدف المشروع المقترح الى تنقيح القانون الحالي من خلال التنصيص على تحجير كافة اشكال الدعاية والاشهار للتبغ ومنتجاته بما فيها الاشكال غير المباشرة للدعاية وابراز الاثار السلبية للتدخين على علب السجائر وتم اقتراح في هذا المجال التنصيص على عبارة التدخين قاتل على هذه العلب... وادراج فضاءات جديدة الى قائمة الفضاءات العمومية التي يحجر بها التدخين ومراجعة استخلاص الخطايا المترتبة عن مخالفة قرار منع التدخين. تجربة نموذجية بالتوازي ستتعزز بداية من هذه السنة الأنشطة الهادفة الى تعميق الوعي بمضار التدخين وتعميم مشروع مؤسسات صحية وتربوية خالية من التبغ مع تامين المتابعة والتقييم والانطلاق في تجسيم مشروع اوساط مهنية خالية من التبغ بالاشتراك مع وزارة الشؤون الاجتماعية. وقد تم الاعلان عن مبادرة عملية تجمع بين الكنام والجمعية المهنية للبنوك لتوفير عيادة للمساعدة على الاقلاع عن التدخين داخل المؤسسات البنكية وتوفير كذلك المعوض النيكوتيني ويرمي التوجه الى التوسع في هذه التجربة. الى جانب تكثيف المجهود الاعلامي ودعم المساحات المخصصة للتحسيس وابراز مضار التدخين وقد تم ضبط سلسلة من الانشطة المقترحة خلال سنة 2009 لتفعيل هذه الخطة تستهدف الوسط التربوي والفضاءات الشبابية. خطة وبعد... من خلال الاطلاع على تفاصيل الخطة والتوجهات القادمة الرامية إلى التخفيض في نسبة المدخنين بشكل ملموس يتضح الحرص على حماية صحة المواطن من اي شريحة عمرية كان ومن اي وسط مهني او اجتماعي ومحاولة لاستهداف الفئات الأكثر عرضة لخطر هذه الآفة سواء بتعزيز الوقاية او تدعيم اليات العلاج ومنها مزيد تفعيل اداء عيادات المساعدة على الاقلاع واننا نعتقد من جهتنا ان بلوغ الاهداف المنشودة لن يتم الا اذا كان الانخراط كليا وشاملا من طرف المستهدفين بعمليات التحسيس والقائمين بها وذلك اننا لا نعتقد ان استاذا او طبيبا مدمن على التدخين يمكنه ان يقنع تلميذا او مريضا بالاقلاع عن استهلاك السجائر بكل تحمس وجدية لان فاقد الشيء لا يعطيه.